molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: خطبة عيد الفطر - سعيد بن يوسف شعلان الأحد 13 نوفمبر - 3:50:57 | |
|
خطبة عيد الفطر
سعيد بن يوسف شعلان
الخطبة الأولى
أيها المسلمون، عباد الله، اتقوا الله ربكم تبارك وتعالى، وخذوا من تقدم الشهور والأيام عبرة، فقد أصبحنا اليوم في عيد وكنا بالأمس لم نزل في شهر الصيام والقيام، وبالرغم من أنه استمر ثلاثين يومًا إلا أن الشهر قد مر وارتحل، رحل شاهدًا على من رضي به دليلاً في الطريق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى، والفوز بالجنة والنجاة من النار. وعلى آخرين رفضوا أن يصحبوه في هذا الطريق وزعموا أنها شاقة وعرة لا طاقة لهم بها.
ثم إن هذا الشهر الكريم المبارك العظيم لما صحب المسلم المؤمن في هذا الطريق، عندما انتهت مدته استأذن منه، وقال: هذا هو أجلي، وقد دللتك على الطريق، سر فيها ولا تيأس ولا تقنط ولا تجزع ولا تستوحش.
فمن المسلمين المؤمنين من استجاب لنصيحته، وذاق طعم الإيمان وحلاوته في هذه الطريق، واستعذب المشاق والتكاليف؛ لأنها غدًا توصل إلى الفوز بجائزة الله الكبرى بالمعافاة من العذاب والإنعام بدخول دار الكرامة، ومن المسلمين المؤمنين من استوحش بعد فراق الشهر واستئذانه ورحيله، فرجع من حيث جاء وترك الطريق، وكأنهم يقولون بلسان حالهم: رمضان غير بقية الشهور من كل النواحي ومن كل الاعتبارات، ويقال لهم: لا، رب رمضان هو رب كل الشهور.
قال الحسن البصري رحمه الله تبارك وتعالى: "لا يكون لعمل المؤمن أجلٌ دون الموت"[1]، وقال: قال الله تعالى: وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ [الحجر:99]. عمل المؤمن ليس له نهاية ولا حدٌّ ولا غاية إلا بموته ولقاء ربه تبارك وتعالى، والله يقول: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأنعام:162]. فلا أوحش الله منك يا شهر الصيام، ولا أوحش منك يا شهر التراحم، يا شهر المودة والتواصل، يا شهر العتق من النار.
ويا أيها الإخوة الكرام، أدّوا من الأعمال الصالحة ما يدل على أنكم استفدتم من رمضان، واتصفوا من الأخلاق ما يدل على أنكم استفدتم من رمضان.
يا أيها الباكون عند سماع القرآن في رمضان، يُنتظر منكم مجال فسيح أن تقدموه وأن تصلوا إليه قد تأخر المسلمون عنه كثيرًا، وطال انتظاره ألا وهو مجال التطبيق والتنفيذ وإظهار التأثير المحمود في النفوس.
يا أيها الذين استمعوا إلى القرآن في رمضان من ألفه إلى ياءه، قدِّموا دليل تأثركم وبرهان خشوعكم وخضوعكم بالتخلي عن كل خلق ذميم وعن البغضاء والشحناء، تحابوا في الله، لا لأجل أي شيء آخر سوى أن في الناس ما يحبه الله.
أيها الإخوة الكرام:
أقبلوا على الله تبارك وتعالى مشفقين راجين خائفين طامعين، نقوا أنفسكم من كل ما لا يليق بالمؤمن المسلم، أظهروا من أنفسكم الخيرات، وأروا الله تبارك وتعالى من أنفسكم خيرًا، وكونوا على حذر، وراقبوا الله تبارك وتعالى، راقبوه واعلموا أنه بصير سميع، لا تغيبون عن بصره ولا عن سمعه، واستفيدوا من الشهر الكريم في كل ما يعنُ لكم من الأمور، ولا تكونوا بعد رمضان أسوأ مما أتاكم عليه الشهر الكريم، إياكم والإقبال على الذنوب مرة أخرى، فإن الله تبارك وتعالى قد أتاح لكم شهرًا كريمًا عظيمًا فيه ليلة خير من ألف شهر لتتوبوا توبة نصوحًا، فتوبوها، توبوا التوبة التي لا رجعة فيها، توبوا التوبة التي لا ذنب بعدها، وأقبلوا على الله تبارك وتعالى وتحرروا من قيود الشيطان حتى يعينكم ربكم تبارك وتعالى على التحرر من قيود الشيطان، ومن تأثيره عليكم، ونجاحه في إبعادكم عن الجادة، وعن الصراط المستقيم يوفقكم ربكم تبارك وتعالى إلى التحرر من أعدائكم في مشارق الأرض ومغاربها، أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل صيامنا وقيامنا، وأن يوفقنا لعمل الصالحات إلى أن نلقاه، إنه هو السميع العليم، وأسأله أن يغفر لنا إنه هو الغفور الرحيم، وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم.
[1] أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص7)، وأحمد في الزهد (272) بنحوه.
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد:
فإن اليوم عيد يفرح فيه المسلم فرحة عظيمة بتوفيق الله له إلى أداء الطاعات، والقيام بحق الشهر الكريم وبما أمر الله به فيه من الطاعات، عيد يفرح فيه المؤمن بتوفيق ربه له لإنهاء الشهر الكريم أحسن نهاية.
عيدٌ يتبين المسلم من خلاله مدى الفرحة العظيمة الكبيرة يوم ينتهي فصل الأعمال يوم القيامة، ويساق المؤمنون إلى الجنة زمرًا، عيد يتبين للمسلمين من خلاله فرحتهم فيه مدى الفرحة العظيمة يوم يُنعم الله تبارك وتعالى عليهم بأن يتقبل منهم أعمالهم، وأن يغفر لهم ذنوبهم، وما وقع وسلف منهم، وما ألموا به، وهذا العيد ينبغي فيه ما ينبغي في كل يوم من الخلق الذي لا يسع المؤمن التفريط فيه من التواصل والتراحم والإحسان والبر والتزاور والتناصح وما إلى ذلك من الأخلاق الكريمة لكنها آكد في هذا اليوم الكريم، فاصبروا على الأذى وارحموا واعفوا وتجاوزوا، وأجمل العفو ما كان عن مقدرة، لا ما كان عن عجز، إن النبي لما قفل من غزوة حُنين، ووزع الكثير والكثير من الغنائم على من دخل في الإسلام حديثًا يتألفهم، حتى إنه كان يعطي الواحد منهم مائة بعير، تكلم من الأنصار رجل كما في صحيح البخاري وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما قسم رسول الله غنائم حنين قال رجل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. وقص ابن مسعود الخبر على رسول الله ، تصوروا معي، كم هي فادحة وعظيمة وكبيرة أن يقال في حق سيد ولد آدم، أن يقال في حق الشفيع المشفع يوم المحشر خاتم الأنبياء والرسل: إنه قسم قسمة ما أراد بها وجه الله عز وجل، كم هي كبيرة وعظيمة، ولما بلغت المقالة رسول الله قال ويا عظيم ما قال! ويا جميل ما قال! قال: ((رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)) [1] يصبر نفسه، بعد هذه الرحلة الشاقة في الدعوة إلى الله يقال عنه: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، كم نجزع نحن وكم نقنط وكم نغضب بسرعة على من لم يقل في حقنا مثل ما قيل في حق نبينا ، ونبينا يتسلى بحال موسى، يُسلي نفسه ويذكر نفسه ويقول: ((رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).
وجمع الأنصار في قبة من أدم وحدهم، وهذا هو الشأن لمن أراد أن ينصح المسيء بعيدًا عمن لم يسئ حتى لا يشمت به الآخرين وحتى لا يُعان الشيطان على المنصوح وحتى لا يُشنع ولا يوبخ أمام من يمكن أن يتخذ ذلك سوأة في حق المنصوح. انفرد بهم وقال: ((يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟!!)) ألم أجدكم، ألم أجدكم وأخذ يذكرهم بما كانوا عليه قبل أن ينعم الله عليهم بوجوده بين أظهرهم، ثم هم يردون عليه ويقولون: الله ورسوله أمنّ، الله ورسوله أمن، أي الله ورسوله أكثر منة علينا، لم نصنع مثلما صنعه الله ورسوله، لم يتمسكوا بمقالتهم بل أسفوا عليها وندموا وجعلوا يبكون. ثم قال: ((أوجدتم علي في أنفسكم من أهل العامة من حطام الدنيا آثرت بها غيركم أتألفهم بها أما ترضون أن يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله إلى رحالكم)) [2]، قالوا: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبرسول الله قسمًا ونصيبًا.
صبر ((رحمة الله على موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر)).
والعفو عند المقدرة كما روى البخاري عن جابر رضي الله عنه أنهم خرجوا في غداة مع رسول الله وأقبلوا فإذا هو برجل أعرابي من المشركين واقف على رأسه يقول له: من يمنعك مني؟ أخذ سيف النبي وقام به على رأسه من خلف ظهره حتى لا يستطيع فكاكًا ولا فرارًا وقال: من يمنعك مني؟ قال: ((الله)). ثم اختصرت الرواية الأمر وبعض الروايات ذكرت أن السيف سقط منه وأخذه النبي [3]، وأجلس الأعرابي بين يديه وجاء الصحابة فقص عليهم النبي الخبر قال لهم: هذا الذي هو جالس بين يدي فعل كذا وكذا. قال جابر: ثم لم يعاقبه النبي ، ولم يردعه ولم يهدده ولم يخوفه ولم يعامله بمثل ما عامله به هو[4].
أيها الإخوة الكرام.
لا أريد أن أطيل عليكم من خلال سرد هذين الحديثين أن أرغب نفسي وإياكم في الخلال الكريمة وفي كل ما يوصل إلى الله تبارك وتعالى ومحبته ويجعلنا أهلاً يوم العرض عليه للفوز بالجنة وبالنعيم المقيم في دار كرامته، أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل منا وأن يغفر لنا وأن يعفو عنا.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا، واغفر لنا جميع ما مضى من ذنوبنا واشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبلغنا مما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا، وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان وآمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واختم بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
[1] أخرجه البخاري في: الاستئذان، باب: إذا كانوا أكثر من ثلاثة فلا بأس بالمسارة (6291) واللفظ له، ومسلم في: ال+اة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام (1062).
[2] أخرجه البخاري في: المغازي، باب: غزوة الطائف في شوال سنة ثمان (4330)، ومسلم في: ال+اة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام (1061) من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
[3] رواية سقوط السيف: أخرجها أحمد (3/364)، وأبو يعلى (3/313)، والحاكم (3/31)، وصححها ابن حبان (7/138)، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين".
[4] البخاري في: الجهاد والسير، باب: من علق سيفه بالشجر في السفر عند القافلة (2910)، ومسلم في: الفضائل، باب: توكله على الله تعالى وعصمة الله تعالى (843)، من حديث جابر رضي الله عنهما، بنحوه.
| |
|