molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأسرة في الإسلام ـ تربية الأولاد - سعيد بن يوسف شعلان الأحد 13 نوفمبر - 3:27:43 | |
|
الأسرة في الإسلام ـ تربية الأولاد ـ
سعيد بن يوسف شعلان
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله تبارك وتعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:
فهذا آخر ما أتكلم عليه من الأحكام المتعلقة بالأولاد في الإسلام، ألا وهو حكم تربيتهم وتأديبهم وتعليمهم والعدل بينهم؛ لأنهي هذه السلسلة من الخطب، والذي كان موضوعها الأسرة في الإسلام.
أما عن تربية الأطفال فإن مما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرص وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحِدهَ وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يومًا ما، ولذلك تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قِبَل التربية التي نشؤوا عليها ولقنهم أثناءها المربي ما لا يجوز تلقينه ولا تعليمه من الأخلاق والعادات الرذيلة، وكذلك يجب أن يُجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء فإنه إذا علق بسمعه عَسُر عليه مفارقته في الكبر، وعزَّ على وليه استنقاذه منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور [التي] يحتاج صاحبها لإستجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسير جدًا، وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب، فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يُعطي، وعوده البذل والإعطاء، وإذا أراده أن يعطي شيئًا فليعطه إياه على يده، وليأمره بأن يتولى هو بنفسه إعطاءه لغيره ليذوق حلاوة الإعطاء. على ولي الطفل أن يعطيه الشيء ويقول: يا بني أعطي هذا لفلان ليذوق الولد الصغير حلاوة الإعطاء، وليعتاد على ذلك.
وعلى وليه أن يجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السُم الناقع، فمتى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمه كل خير، هذا أمر في غاية الأهمية، ما ينشأ الطفل الصغير على الكذب والخيانة إلا بعد أن يرى أحد أبويه يفعله ويأتيه، يكذب إما على أقاربه أو ضيفانه أو يكذب أحدهما على الآخر، والولد يراقب ذلك فيعتاده، وينشأ على أن هذا الأسلوب مُنج ومُفلت من العقاب ومن الحرج، ينبغي على ولي الطفل أن يجنبه ذلك أعظم من حرصه على تجنيبه السُم الناقع الذي يهلكه ويميته.
ويجنبه ال+ل والبطالة والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه، إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل فإن لل+ل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، والسيادة في الدنيا والسعادة في العُقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب، قال يحيى بن أبي كثير رحمه الله: لا يُنال العلم براحة الجسم.
وقال الشافعي رحمه الله في أبيات نُسبت إليه وفي شطر منها مخاطبًا طالب العلم، يقول:
"وتنام الليلَ وأسهرُ وتبغي لحاقي"
أنت تنام الليل وأسهرٌ طالبًا له وتبغي لحاقي هيهات.
وعلى ولي الأمر أن يعود صبيه الانتباه آخر الليل، فإنّه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز من الله عز وجل على خلقه فمستقل ومستكثر ومحروم. فمن الناس من يكون نصيبه قليلاً إذا استيقظ شيئًا قليلاً من آخر الليل، ومنهم من يكون نصيبه كبيرًا إذا استيقظ قبل نهاية الليل بوقت أطول، ومنهم من هو محروم ذلك الذي لا يستيقظ البتة.
فمتى اعتاد الصبي ذلك صغيرًا سهل عليه ذلك كبيرًا. ولم يشكو في كبره الحرمان من قيام الليل والانتباه آخر هذه الأوقات، وينبغي على ولي الصبي أن يجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام يجنبه الفضول من هذه الأمور ما لا حاجة إليه من الطعام والمنام والطعام ومخالطة الأنام التي لا حاجة إليه منها. يعود الولي ابنه على أن يتجنبها فإن الخسارة في هذه الفضلات، وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخره، وينبغي عليه أن يجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب. فإن تمكينه من أسبابها والفتح له فيها يفسده فسادًا يعز عليه بعدها صلاحه، وكم من والد أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهوته، وبزعم أنه يُكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة.
وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من الآباء، يجيبون أولادهم إلى كل ما يطلبون، ويمكنونهم الأموال الطائلة ومن العكوف على الشهوات مادام فيها سعادتهم، وهذا من أعظم الأخطاء في التربية، بل ينبغي أن يُعود الولي ابنه على ألا يجيبه أحيانًا إلى ما يطلب وأن يمنعه أحيانًا مما يطلب فإن ذلك في صالحه.
والحذر كل الحذر من تمكينه مما يزيل عقله من مسكر وغيره، أو عِشْرة من يُخشى فساده أو كلامه له أو الأخذ منه ينبغي عليه أن يجنبه ذلك، وأن يحرص على متابعته حتى لا يتعود هذه الأمور فتفسده، بل وتهلكه، وينبغي عليه أن يجنبه من يخشى فساده أو كلامه له، يكون ذا كلام سيئ، أو الأخذ منه فإن ذلك الهلاك كله.
فمتى سهل على الصبي ذلك فقد سهلت عليه الدياثة، ولا يدخل الجنة ديوث.
فما أفسد الأبناء مثل تفريط الآباء واهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أبناءهم أعظم ما يعتمده العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرموا أنفسهم الانتفاع بأولادهم وحرموا أولادهم خيرهم ونفعهم لهم، وهذا من عقوبة الآباء حتى إنهم ليحكون أن بعض الأبناء قال لأبيه لما عاتبه أبوه بسبب عقوقه له. قال: يا أبت عققتني صغيرًا فعققتك كبيرًا، وليس في ذلك دعوة إلى مبادلة سوء تربية الآباء بالعقوق في الكبر فمهما كان من الوالدين فإنهما يُبران ويطاعان إلا في معصية الله عز وجل، وهذا أمر إنما هو نتيجة لسوء تربيتهم لهم. حرمهم الانتفاع بأولادهم في الكبر وحرم أولادهم خيرهم ونفعهم لهم.
وينبغي لولي الأمر أن يجنب الولد دون البنت لبس الحرير والذهب؛ فإنه مفسد له ومخنث لطبيعته كما يخنثه اللواط وشرب الخمر والسرقة والكذب.
وقد قال : ((حُرم الحرير والذهب على ذكور أمُتي وأُحل لإناثهم)).
والصبي وإن لم يكن مكلفًا فوليه مكلف، لا يحل له تمكينه من المحرم فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه، وهذا أصح قولي العلماء، منع الأطفال (الذكور) من لبس الحرير والذهب، هذا أصح قولهم.
ومما ينبغي أن يعتمده الولي في تربية ابنه حال الصبا وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غيره مادام مأذونًا فيه شرعًا، فإنه إن حُمل على غير ما هو مُستعد له لم يفلح فيه وفاته ما هو مهيأ له. ومعنى ذلك ببساطه: أن على الولي أن يلاحظ ابنه وما هو نابغ فيه متطلع إليه، فلا يحمله إلى غيره مادام هذا الذي تطلع إليه الصبي ليس حرامًا شرعًا، فإن الولي إذا حمل ابنه على غير ما هو مستعد له لم يُفلح فيه، لأنه مخلوق لهذا الأمر الذي تطلع إليه ونبغ فيه مثلاً كأن يكون مهيأ لدراسة العلم الشرعي فيُجبر على أن يطلب علم الكيمياء والرياضيات والعلوم مثلاً، فلا يُفلح في ذلك لأنه أبدى استعدادًا لحفظ القرآن والحديث وعنده ذاكرة وحافظة جيدة، لكنه لما أجبر على ما هو غير مستعد له لم يُفلح فيه، أو أن يجبر ولده على تعلم الرياضيات وهو متفوق في العلوم ونحو ذلك وهَلم جرا.
فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ واعيًا فهذه من علامات قبوله وتهيؤه للعلم فلينقشه إذن في لوح قلبه ما دام خاليًا، فإنه يتمكن منه ويستقر وي+و معه.
وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يُخلق له، فليمكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينه مفتحة لصنعة من الصنائع مستعدًا لها وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها.
هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاجه في دينه؛ فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد فإن له على عباده الحجة البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة. والله أعلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعد:
فإنه ينبغي تأديب الأولاد وتعليمهم لقوله تعالى في سورة التحريم:
يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم: 6]، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "علموهم وأدبوهم"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "مروهم بطاعة الله وعلموهم الخير".
وفي المسند وسنن أبي داود من حديث عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله : ((مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربهم عليها، لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع))، ففي هذا الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بالصلاة وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع.
وفي معجم الطبراني عن جابر ابن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لأن يؤدب أحدكم ولده خير له من أن يتصدق كل يوم بنصف صاع على المساكين)).
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أدّب ابنك فإنك مسؤول عنه، ماذا أدّبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك.
وقال سعيد بن منصور: حدثنا حزم قال: سمعت الحسن البصري رحمه الله وسأله كثير ابن زياد عن تفسير قوله تعالى: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ [الفرقان:74].
فقال يا أبا سعيد: أفي الدنيا أم في الآخرة؟ هذا المسؤول في الآية ربنا هب لنا يكون في الدنيا أم في الآخرة؟ قال الحسن: "لا والله بل في الدنيا أن يُري العبد من زوجته من أخيه من حميمه طاعة الله" لا والله ما شيء أحب إلى المرء المسلم من أن يرى ولدًا أو والدًا أو حميمًا أو أخًا مطيعًا لله عز وجل!!.
وفي صحيح البخاري من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته، فالأمير راع على الناس ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه)) ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته، وحسبكم بذلك تنبيهًا وإيقاظًا وإرشادًا إلى ما أنتم بصدده من سؤال الله عز وجل عما استرعاكم إياه.
ومن حقوق الأولاد العدل بينهم في العطاء والمنع، ففي السنن والمسند وصحيح ابن حبان من حديث النعمان ابن بشير رضي الله عنهما قال قال رسول الله : ((اعدلوا بين أبناءكم، اعدلوا بين أبناءكم، اعدلوا بين أبناءكم)).
وفي الصحيح من حديث النعمان بن بشير أيضًا رضي الله عنهما أن أباه أتى به النبي , (بشير بن سعد أتى بابنه النعمان النبي ) فقال: إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي ـ نحلته أي أعطيته ومنحته ـ غلامًا أي عبدًا ليكون ملكًا له. فقال عليه الصلاة والسلام: ((أكل ولدك نحلت مثل هذا؟)) (أعطيت كل واحد من أولادك غلامًا كما أعطيت النعمان). قال: لا. فقال: ((أرجعه)). وفي رواية لمسلم ((فعلت هذا بولدك كلهم؟)) قال: لا. قال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) قال النعمان بن بشير: فرجع أبي في تلك الصدقة.
وفي الصحيح أنه قال لبشير أيضًا ـ في رواية أخرى ـ : ((أشهد على هذا غيري)) وهذا أمر تهديد لا للإباحة. النبي يهدد لا يبيح له أن يُمضي هذه العطية ولكن بشهادة غيره، فإن تلك العطية كانت جورًا بنص الحديث في روايات أخرى، قال عليه الصلاة والسلام: ((هذا جَور)) كانت جورًا بنص الحديث، والرسول لا يأذن لأحد أن يشهد على صحة الظلم، ومن ذا الذي كان يشهد على عطية أبى رسول الله أن يشهد عليها، وأخبر أنها لا تصلح، وأنها جورًا، وأنها خلاف العدل.
وإلى هذا الحد أصِل إلى آخر ما أمكنني أن أذكره حول موضوع الأسرة في الإسلام زوجًا وزوجة وأولادًا. سائلاً ربي عز وجل أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
| |
|