molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صفات المؤمنين في سورة الأنفال 2 - سعيد بن يوسف شعلان الأحد 13 نوفمبر - 3:09:36 | |
|
صفات المؤمنين في سورة الأنفال 2
سعيد بن يوسف شعلان
الخطبة الأولى
عباد الله: كنا قد ذكرنا منذ فترة أن هناك أموراً لا يحصل الإيمان الواجب في القلب إلا بالإتيان بها، ومثّلنا لذلك يومها بصفات المؤمنين الخمس المذكورة في سورة الأنفال في مطلعها، وذلك في الآيتين الثانية والثالثة منها حيث يقول الله عز وجل: إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون.
وعلم أن هذه الصفات لا يحصل الإيمان الواجب في القلب إلا بها، لقوله تعالى بعد هاتين الآيتين: أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ر بهم ومغفرة ورزق كريم وانتهينا يومها من الكلام على الصفة الأولى من هذه الصفات، وهي وجل القلب عند ذكر الله تعالى، وسنتكلم اليوم إن شاء الله وقدّر عن الصفة الثانية من صفات المؤمنين في هذه الصورة، وهي قوله تعالى: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.
معاشر الأخوة المستمعين: إن من صفات المؤمنين أنهم إذا قُرأت عليهم آيات كتاب الله تعالى صدقوا بها وأيقنوا أنها من عند الله، فازدادوا بتصديقهم بذلك إلى تصديقهم إلى ما كان بلغهم قبل ذلك تصديقاً، وذلك هو زيادة ما تُلي عليهم من آيات الله إياهم إيمانا. ووجه ذلك أنهم يلقون لهم السمع ويحضرون إليه قلوبهم لتدبره لأن التدبر من أعمال القلوب، فعند ذلك يزيد إيمانهم ولأنه لابد أن يبين لهم معنى كانوا يجهلونه ويتذكرون ما كانوا نسوه أو يحدث في قلوبهم رغبة في الخير واشتياقاً إلى كرامة ربهم أو وجلاً من العقوبة وازدجاراً من المعاصي، وكل ذلك مما يزيد به الإيمان.
ويمكننا أن نمثل لذلك بآيتين من كتاب الله تعالى لنرى كيف يمكن أن يزداد المؤمن بتلاوة كتاب الله تعالى إيماناً؟ بالتدبر والفهم والتأمل يحصل له ما يصبوا إليه من زيادة إيمان، والآيتان قوله تعالى في سورة الأنعام في الآية الثامنة والأربعين وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون.
فالمؤمن إذا تدبر هاتين الآيتين وفهمهما علم أن الله عز وجل ما أرسل رسولاً إلا ليبشر من أطاعه بالجنة ولينذر من عصاه بالنار.
والبشارة والنذارة موجودتان في هاتين الآيتين. أما البشارة ففي قوله تعالى: فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأما النذارة فقوله تعالى: والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون.
فالمؤمن يعلم بعد التدبر والفهم أن من آمن وعمل صالحاً لا يخاف مما هو آت ولا يحزن مما فات، وهذه هي البشارة، ويعلم أن من عصى الله تبارك وتعالى يمسه العذاب، ومس العذاب هو سرعة وقوعه على الأجسام كما قال تعالى في سورة الهمزة: نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة أي تقع على أجسامهم بسرعة وتخالط أجسادهم وتغوص فيها حتى تصل إلى داخل أفئدتهم وأجسامهم.
فالبشارة تحدث في قلب المؤمن رغبةً في الخير واشتياقاً إلى كرامة ربه والنذارة تحدث في قلبه وجلاً من العقوبات وازدجاراً عن المعاصي، وذلك مما يزاد به الإيمان، بل القرآن كله للبشارة والنذارة كما قال تعالى في الآية السابعة والتسعين من سورة مريم: فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لُدّا.
يخبر الله تبارك وتعالى رسوله أنه يسر القرآن بلسانه العربي ليبشر به المتقين الذين يجعلون بينهم وبين ما يغضب الله وقاية، ولينذر الخصوم الألداء. فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لُدّا وفي قوله تعالى: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً تصريح من الله عز وجل بزيادة الإيمان. هذا تصريح في أن الإيمان يزيد، وقد صرّح الله تعالى في سبعة مواضع من كتابه العزيز.
فقال في سورة آل عمران: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل الله كافينا وهو نعم الوكيل.
وقال سبحانه في سورة الأنفال في الآية التي معنا: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً.
وقال سبحانه في موضعين من سورة التوبة: وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى قالوا أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون.
وقال سبحانه في سورة الأحزاب: ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً.
وقال سبحانه في سورة الفتح: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم. وقال سبحانه أخيراً في سورة المدثر: ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيماناً.
كما صرح الله تعالى بأن الهدى يزيد وأنه يزيد المتقين هدى، وذلك في ثلاثة مواضع من كتابه العزيز في سورة الكهف ومريم وفي وسورة محمد .
قال سبحانه في سورة الكهف: نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وقال في سورة مريم: ويزيد الله الذين اهتدوا هدى.
وقال في سورة محمد : والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم.
وهذا مصرح به في أحاديث الشفاعة الصحيحة، ففي الحديث المتفق عليه من حديث أنس أن النبي قال: ((يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)) إذا دخل النار بسبب ما ارتكبه من الكبائر ولم يتب منها أو شاء الله أن يعذبه رغم توبته. شاء أن يعذبه وليس لأحد أن يسأله في شيء لأن الملك المحض والتصريف له سبحانه: لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون إذا أدخل بعض الموحدين النار بسبب ارتكاب الكبائر والمعاصي فإنه سبحانه يخرجهم منها لما في قلوبهم من الإيمان وللأصل الرئيس وهو قولهم (لا إله إلا الله) مع ما في قلبهم من الإيمان ولو كان مقدار مثقال حبة من خردل فإنهم يخرجون من النار.
وتدل الآيات بدلالة الالتزام مع الحديث المشار إليه على أن الإيمان ينقص أيضاً لأن ما يزيد ينقص، ولأن الحديث صريح في أن من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. فهذا يدل على تفاوت المؤمنين في الدرجات والأعمال والإيمان الذي في قلوبهم وهذا هو الحق الذي ينبغي أن يعتقده المؤمن، فإنه لا شك فيه ولا افتراء، وهو أن الإيمان يزيد وينقص.
وبهذا صرح الإمام البخاري رحمه الله تعالى وغيره من الأئمة كالشافعي وأبي عبيد وأحمد رحمهم الله جميعاً.
قال البخاري – رحمه الله – لقيت أكثر من ألف من العلماء في الأمصار كلهم يقول: إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وما أحسن قال الألوسي – رحمه الله تعالى – وهو صاحب كتاب "روح المعاني في تفسير القرآن العظيم" ما أحسن ما قال مبيناً لمخالفته لمذهبه الحنفي في القول في زيادة الإيمان ونقصانه فقال عند تفسير هذه الآية: وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً قال: وما علي إذا خالفت في بعض المسائل مذهب أبا حنيفة – رحمه الله تعالى – للأدلة التي لا تكاد تحصى، فالحق أحق بالاتباع، والتقليد في مثل هذه المسائل من سنن العوام.
نعم إن الذي يترك فهمه إلى فهم غيره ولا يتأمل ولا يتدبر ولا ينظر لا يكون من العلماء، بل سيكون من العوام الذين يقلدون من يرون أنه أعلم منهم وأفهم منهم، هذا وإن التقليد ليذهب ببعض الناس مذهباً بعيداً حتى أنهم ليقعون في أخطاء عظيمة جسيمة وحتى أنهم يقعون في ضلال بعيد كما وقع لصاحب الحاشية على الجلالين وهو "أحمد الصاري" عند قوله تعالى في الآية السابقة من سورة آل عمران حيث قال الله تعالى: فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وعند قوله تعالى في الآيتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة الكهف: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله قال: إن العلماء يرون أن تقديم ظاهر الكتاب والسنن على المذاهب الأربعة يُعدّ من أصول الكفر، وهذا خطأ عظيم وضلال كبير وضّحه فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى – في أضواء البيان في تفسيره القرآن بالقرآن.
عند تفسيره الآية الرابعة والعشرين من سورة محمد وهي أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها بين هذا القول وفساده ورد عليه رداً بليغاً، وأنكر عليه إنكاراً شديداً حيث يرى أن العمل بظاهر الكتاب والسنة وتقديمه على كلام المذاهب الأربعة والأئمة الأربعة يعد من أصول الكفر، ولم يبين من القائل بذلك من العلماء، وهو قول حريٌ بالرد، وحريٌ بأن ينكر عليه كما فعل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله تعالى.
فإياكم أيها الأخوة الكرام والتقليد الذي يسوق إلى هذه المهاوي ويوقع في مثل هذا الردى.
الكتاب والسنة إذا جاء فيهما قول فليس لأحد بعدهما مجال لأن يتكلم كائناً ما كان وكائناً من كان، وفقنا الله وإياكم لتدبر وفهم آيات كتابه، وأعاذنا وإياكم من التحول عما لا شك في صوابه. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله إمام المتقين وخاتم المرسلين، اللهم صلّ وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فإنه ليس شيء يمنع الناس أن يزدادوا إيماناً إذا تليت عليهم آيات كتاب الله تعالى مثل الاشتغال بالدنيا والاشتغال بالآخرة والعمل لها في غير ما آية، منها قوله تعالى في سورة الكهف: المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً.
فبعد أن بيّن الحياة الدنيا وزينتها بين الفرق بينها وبين الباقيات التي تنفع في الآخرة. وقال عن الباقيات الصالحات في سورة مريم: خيرٌ ثواباً وخيرٌ مردّا.
هذا البيان الشافي الوافي الكافي فيه تنبيه الناس للعمل الصالح الذي ينفعهم في الآخرة عند الله عز وجل وتحذير من الاشتغال بالحياة الدنيا كالمال والبنين والإلتهاء بذلك عما ينفعهم في الآخرة عند الله تبارك وتعالى يوم يحشر الله العباد ويفصل بينهم ويجازيهم بما كانوا عاملين. ولقد جاءت غير ما آية في الكتاب العزيز تشير إلى هذا المعنى – تشير إلى الفرق الشاسع بين العمل والاشتغال بها، قال الله تعالى في سورة آل عمران: زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث هذا كله مُزين حبه في القلوب، ولكن الله عز وجل وصفه بقوله: ذلك متاع الحياة الدنيا وبين الفرق بينه وبين هذا الزائل الفاني وبين ما يبقى فقال: والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد. وقال سبحانه في سورة الشعراء: يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وقال في سورة سبأ: وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون.
وقال سبحانه في سورة التغابن: إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم وقال في سورة المنافقون: يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون هذا بيان لا يبقى بعده مجال للشك في الفرق بين ما ينفع وما لا ينفع مما هو زائل غير باقٍ مضمحل عن قريب.
ثم إن الباقيات الصالحات التي جاء ذكرها في سورتي الكهف ومريم، قال فيها ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وأبو ميسرة وعمرو بن شرحبيل: إنها الصلوات الخمس، وأما الجمهور فهم على أن الباقيات الصالحات هي: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لأحاديث مرفوعة جاءت عن عائشة رضي الله عنها.
وهذا اللفظ عام يشمل الصلوات الخمس والكلمات المذكورة وغيرها من الأعمال التي ترضي الله تعالى، لأنها باقية لصاحبها غير زائلة ولا فانية، لأنها أيضاً صالحة لوقوعها على الوجه الذي يرضي الله تعالى. والله أعلم.
ثم إن على كل من يشكو من قلبه قسوةً لا سيما إذا تليت عليه آيات الله ولا يحس معها بزيادة الإيمان أن يكثر من الدعاء الذي ورد عن الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن زيد بن أرقم أن النبي كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخضع، ونفس لا تشبع، ودعاء ولا يُسمع)) لعل الله تبارك وتعالى بالإكثار من هذا الدعاء وتلاوة القرآن بتدبر وفهم وأداء الأذكار النافعة والبعد عن المعاصي والمحرمات ولزوم الصلوات في جماعة والبعد عن رفاق السوء، لعل الله بعد الأخذ بهذه الأسباب يُمن على القلب القاسي بعودة اللين والرقة والصفاء إليه، ويزول ما ران على القلوب بسبب الذنوب، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله وعليه التكلان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
| |
|