molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: إسلام باذان - سعود بن عبد الرحمن الشمراني الجمعة 11 نوفمبر - 6:22:19 | |
|
إسلام باذان
سعود بن عبد الرحمن الشمراني
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، فاتقوا الله تعالى في السر والنجوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الأنفال: 29].
أيها المؤمنون، هل تعرفون رجلاً اسمه باذان؟ اختر الإجابة الصحيحة: هل هو نجم كروي يباع ويشترى في سوق الكرة العالمي، أو هو بطل من أبطال الفن المعروفين في ساحات العربدة والسخف، أو هو رجل شاع صيته في عالم الاختراعات والابتكارات؟ أجب يا رعاك الله.
معذرة، إجابتك خاطئة، ليس هذا ولا ذاك، ولكنه كان واليًا لكسرى ملك الفرس على اليمن، كان يحكم اليمن باسم +رى إمبراطور زمانه، كان أمره نافذًا على بقعة كبيرة من جزيرة العرب، لكنه أسلم وصار من أتباع الرسول ، هل عرفته؟ تعال معي ـ أخي في الله ـ لنعلم قصته وقصة إسلامه:
أخي يا رعاك الله، كتب النبي كتابًا إلى كسرى ملك فارس، واختار لحمل هذا الكتاب عبد الله بنَ حذافة السهمي ، فجهَّز عبد الله بنُ حذافة راحلته، وودَّع صاحبته وولده، ومضى إلى غايته ترفعه النجاد، وتحطه الوهاد، وحيدًا فريدًا، ليس معه إلا الله، حتى بلغ ديار فارس، فاستأذن بالدخول على ملكها، وأخطرَ الحاشية بالرسالة التي يحملها له، عند ذلك أمر +رى بإيوانه فزُيِّن، ودعَا عظماء فارس لحضور مجلسه فحضروا، ثم أذِنَ لعبد الله بن حذافة بالدخول عليه.
دخل عبد الله بن حذافة على سيد فارس، مشتملاً شملته الرقيقة، مرتديًا عباءته الصفيقة، عليه بساطة الأعراب، لكنه كان عاليَ الهمَّة، مشدود القامة، بين جوانحه عزَّةُ الإسلام، وفي فؤاده كبرياءُ الإيمان، له هيبة المؤمن، ومَن هاب اللهَ هابه كلُّ شيء.
فما إن رآه كسرى مقبلاً حتى أومأ إلى أحدِ رجاله أن يأخذ الكتاب من يده، فقال عبد الله بن حذافة: لا، إنما أمرني رسول الله أن أدفعه إليك يدًا بيد، وأنا لا أخالف أمر رسول الله، فقال كسرى لرجاله: دعوه يدنو مني، فدنا من كسرى حتى ناوله الكتاب بيده، ثم دعا كسرى كاتبًا عربيًا مِن أهل الحيرة، وأمَرَه أن يفضَّ الكتاب بين يديه، وأن يقرأه عليه، فإذا فيه: ((بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى +رى عظيم فارس، سلام الله على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك)).
فما إن سمع كسرى هذه الرسالة حتى اشتعلت نار الغضب في صدره، فاحمر وجهه، وانتفخت أوداجه، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام بدأ بنفسه، وبدأه بقوله: ((من محمدٍ رسول الله إلى +رى))، غضب هذا الرجل المغرور المتكبر، وجعل يمزِّقها دون أن يعلم أي شر يجره على نفسه، مزقها وهو يصيح: أيكتبُ لي بهذا وهو عبدي؟! ثم أمر بعبد الله بن حذافة أن يُخرَج من مجلسه، فأُخرج. فلما بلغ النبيَّ ذلك الخبرُ قال: ((اللهم مزِّق ملكه)).
قام +رى منتفخا، وأمر كاتبه أن يكتب إلى باذان نائبه على اليمن أن ابعث إلى هذا الرجل الذي ظهر بالحجاز رجلين جَلْدين من عندك، ومُرهما أن يأتياني به. فما كان من باذان إلا أن انتدب رجلين من خيرة رجاله إلى رسول الله ، وحمَّلهما رسالةً له، يأمره فيها بأن ينصرف معهما إلى لقاء كِسرى دون إبطاء.
فخرج الرجلان يُغِذَّان السير إلى غايتهما شطر المدينة، حتى إذا بلغاها علما مما رأيا من تعظيم أهل المدينة للنبي وحبهم له مدى خطورة المهمة التي أقبلا من أجلها. ولما دخلا على رسول الله وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما أشاح بوجهه عنهما وقال: ((ويلكما، من أمركما بهذا؟)) قالا: أمرنا ربنا، يعنيان +رى، فقال رسول الله : ((ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي)).
ودفع الرجلان إلى النبي رسالة باذان، وقالا له: إن ملك الملوك كسرى كتب إلى ملكنا باذان أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد أتيناك لتنطلق معنا إليه، فإن أجبتنا كلَّمنا +رى بما ينفعك ويكفّ أذاه عنك، وإن أبيت فهو مَن قد علمت سطوته وبطشه وقدرته على إهلاكك وإهلاك قومك.
أيها الإخوة في الله، لم يغضب النبي ، بل تبسَّم عليه الصلاة والسلام، وقال لهما: ((ارجعا إلى رحالكما اليوم، وائتيا غدًا)). فلما غدوا على النبي في اليوم التالي قالا له: هل أعددتَ نفسك للمُضِيِّ معنا إلى لقاء كسرى؟ فقال لهما النبي : ((إن ربي قتل ربكما الليلة))، حيث سلَّط عليه ابنه شيرويه وقتَله، فحدَّقا في وجه النبي ، وبدت الدهشة على وجهيهما، وقالا: أتدري ما تقول؟! أنكتب بذلك لباذان؟! قال: ((نعم))، وقولا له: ((إن ديني سيبلغ ما وصل إليه ملك +رى، وإنَّك إن أسلمتَ أعطيتكَ ما تحت يديك وملَّكتكَ على قومك)).
إخوة الإسلام، خرج الرجلان من عند رسول الله ، وقدما على باذان، وأخبراه الخبر. طار عقل باذان، لكن باذان كان رجلا لبيبًا عاقلا حازما، فقال لمن حوله: إن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من شهر لنعرف حقيقة محمد، قال له جلساؤه: كيف ذلك؟ قال باذان: ننتظر حتى تأتينا الرسل من فارس، فلئن كان ما قال محمّدٌ من قتل كسرى حقًا فإن محمدًا نبيّ صادق، وإن كان غير ذلك فلنا معه شأن آخر. وعلم أهل اليمن بالقصة كلها، فظل باذان ومن معه من أهل اليمن في انتظار الرسل من قبل +رى.
انتظروا شهرًا كاملاً حتى جاءت الرسل، فقال لهم أهل اليمن: هل حقًا قُتل كسرى؟ فتعجب الرسل قائلين: من أخبركم؟! من أعلمكم؟! قال باذان: كيف تم ذلك؟! قالوا: لقد قامت ثورة كبيرة ضد كسرى من داخل بيته بعد أن لاقت جنوده هزيمة منكرة أمام جنود قيصر، فقام شيرويه بن كسرى على أبيه فقتله، وأخذ الملك لنفسه، وكان ذلك في ليلة الثلاثاء لعشر مضين من جمادى الأولى سنة سبع، واستلم حكمه، فحسبوا الليلة التي قتل فيها فإذا هي الليلة التي أخبر عنها رسول الله ، ثم فض باذان رسالة شيرويه التي فيها: "أما بعد: فقد قتلت +رى، ولم أقتله إلا انتقامًا لقومنا، فقد استحلَّ قتلَ أشرافهم وسبيَ نسائهم وانتهابَ أموالهم، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممّن عندك". فما إن قرأ باذان كتاب شيرويه حتى طرحه جانبًا، وأعلن دخوله في الإسلام، وأسلم من كان معه من الفرس في بلاد اليمن.
يا لا باذان، لقد آمن قلبه وفؤاده، وآمن معه أهل اليمن.
قلت ما قلت، وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات، فاستغفروا ربكم إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه.
وبعد: فعندما دخل أهل اليمن في دين الله أفواجا أرسل لهم من أصحابه معلمين يعلمونهم الدين، كان منهم علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأبو موسى الأشعري ووبْر بن يُحَنّس وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. وقد أمر رسول الله وبر بن يُحنَّس الخزاعي الذي وجهه إلى صنعاء أن يبني لهم مسجدًا في أرض جعلها باذان وقفًا لله، وحدد الرسول أوصاف المسجد، فحدد موضعه في صنعاء بين الصخرة الململة والمنقورة، وهي موجودة إلى اليوم، وحدد علامة واضحة هي جبل ضين الذي يبعد عن صنعاء 30 كلم ليكون قبلة للمسجد.
ولما كان الرسول المعصوم من الخطأ هو الذي حدد الصفات التي يكون عليها المسجد من حيث دقة الموقع وزاوية الميل نحو الكعبة وجِهة المسجد بالنسبة للكعبة فلا شك أن هذا التوجيه سيكون دقيقًا، لذلك كان أهل اليمن ولا يزالون يعتبرونه أفضل مساجد اليمن؛ لأنه بني طبقا لتوجيهات الرسول ووصفه.
وجاءت التقنية الحديثة فاستعملوا البرنامج الذي يعرفه المهتمون بالحاسب الآلي (جوجل إيرث) فوجدوا أن من يجعل خطًا من قبلة المسجد إلى جبل ضين يجده يتوازى مع الكعبة تماما دون أي انحراف. فسبحان الله الذي علم نبيه ما عجزت عنه البشرية إلى عصور متأخرة.
عباد الله، إن لنا في قصة باذان دروسًا كثيرة نستقي بعضها ونترك بعضها لكل مسلم يستخلصها لنفسه؛ فإن الذي قدر أن ينتهي ملك كسرى قادر على أن يدمر ملك إمبراطوريات قائمة على الفساد والإفساد في الأرض، وإن الذي قتل +رى وهو آمن في دولته لقادر على أن يهلك كل جبار أشر.
أيها المؤمنون، ولنا معجزات النبي تصديق يرفع إيماننا ويزيدنا يقينًا فيما نحمله من عقيدة في الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام. وإن الذي كتب أن يؤمن الوالي الفارسي باليمن لقادر على أن يكتب الإيمان والهداية لقادة غربيين قد يكون على أيديهم إسلام قومهم. والإيمان إذا تغلغل في النفوس يرفعها بعد أن كانت مهينة، ويجعلها قائدة بعد أن كانت منقادة، ويجعل لها الرفعة والسيادة بعد الذلة والهوان.
أيها المؤمنون، إننا في زمن إن لم ننتبه فيه لأنفسنا صرنا لقمة سائغة في أفواه الغرب المارد، فعلينا أن نعتز بما نحمله من قيم ومبادئ، ولنقل للعالمين: إننا نحن المؤمنون بربنا السعداء بديننا الفرحون بفضل الله علينا.
لقد أصدر الرئيس الفرنسي مرسوما يمنع افتتاح أي فرع لمطاعم "مكدونالدز" الأمريكية في برج إيفل الفرنسي الشهير، وذلك لأن هذه المطاعم تمثل عادات وثقافات أمريكية تناقض العادات والثقافات الأوربية، فأين نحن من عادات غربية وتقاليد وأعياد وموضات يفتعلها الغرب فيصفق لها بعض أبنائنا السذج الذين لا يعرفون حقيقتها؟! فلنعتز بقيمنا، ولنرفع رؤوسنا عاليًا، فإنا نحن الأعزاء إن تمسكنا بديننا.
إخواني، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم ردهم إليك ردًا جميلاً، اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم وفقنا لكل خير واجعلنا من أهل الخير واجعل عواقبنا إلى خير...
| |
|