molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المسلم والمال- سعود بن عبد الرحمن الشمراني الجمعة 11 نوفمبر - 6:19:31 | |
|
المسلم والمال
سعود بن عبد الرحمن الشمراني
الخطبة الأولى
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله عز وجل.
واعلموا أن حبّ المال غريزة أودعها الله نفوس الناس، وهذا ليس عيبًا، بل العيب أن يترك الإنسان سلوك طرق ال+ب المشرَعَة ويبقى عالة على غيره، وقد كان هناك رجل عابد في عهد رسول الله فقال : ((من ينفق عليه؟)) قالوا: أخوه، قال: ((أخوه خير منه)).
والمال كالسلاح، فهو في يد المجرم يقتل به الآخرين, ولكنه في يد الجندي يدفع به عن وطنه أو يحرس به الأمن في بلده، وقد قال الله تعالى في المال وما يجلب لأصحابه في الدنيا والآخرة من خير أو شر قال: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَٱتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ.
عباد الله، إن المال كما يكون زينة الحياة ييسر مباهجها ويقرب شهواتها فقد يكون كذلك سياج الدين وضمان بقائه ومَدَد تسليحه وحماتيه، وقد قال الله في وصف المال والبنين: ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا.
وإن المتتبع للقرآن والسنة يرى اعتبار المال الصالح قوام الحياة والحث على تحصيله وحسن تدبيره وتثميره، بل لقد أجمع الأنبياء والرسل قاطبة على حفظ المال والنفس والعقل والعرض. ومن المسلمات المعلومة بالضرورة أن الإسلام لا يمنع طلبه عن طريق طيبه وحله، بل إنه يحرض على +به وحسن التصرف؛ لتقضى به الحقوق وتؤدى الواجبات وتصان الحرمات.
إن المال في الحقيقة لا يطلب لذاته في هذه الدنيا، وإنما يطلب عادة لما يضمنه من مصالح ولما يحققه من منافع، إنه في حد ذاته وسيلة لا غاية، والوسيلة عادة تحمد أو تعاب بمقدار ما يترتب عليها من نتائج حسنة وآثار سيئة.
وخلاصة ما قدمنا به أنه ليس عيبًا طلب المال، فإن المغترب ما اغترب عن أهله ودياره إلا لأجله، وما تعب إلا لتحصيله، ولا ترك فراشه الوثير في برد قارص إلا لجمعه.
وهناك أسباب شرعية لزيادة الرزق منها:
أولا: الإكثار من الاستغفار، قال تعالى: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا، قال القرطبي رحمه الله: "هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق والأمطار".
ثانيا: التوكل على الله، قال الرسول : ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا)) رواه الإمام أحمد والترمذي وغيره بسند صحيح.
ثالثا: المتابعة بين الحج والعمرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه النسائي وغيره بسند صحيح. قال أهل العلم: "إزالة المتابعة بين الحج والعمرة للفقر كزيادة الصدقة للمال".
رابعا: صلة الرحم، قال رسول الله : ((من أحب أن يبسط له في رزقه ويُنْسَأ له في أثره فليصل رحمه)) رواه البخاري.
خامسا: الإنفاق في سبيل الله، قال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوِ يُخْلِفُهُ، وروى مسلم في صحيحه عن النبي قال: ((يقول الله تعالى: يا ابن آدم، أنفِقْ أُنفِقُ عليك)).
إخوتي في الله، إن من حكمة الله تعالى أن يكون المال متفاوتًا من شخص إلى آخر، فلو اغتنى الناس كلهم على مستوى واحد لفسدت الحياة، ولما عاد لها طعم؛ لأن الفقير يحتاج إلى مال الغني، والغني يحتاج إلى عمل الفقير، وهذه سنة الله تعالى أن جعل الناس مسخرين لبعضهم، فمنهم من سخر لغيره بعمله، ومنهم من سخر بماله، ومنهم من سخر بجاهه، ومنهم من سخر بسلطانه، قال السعدي رحمه الله في قوله تعالى: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا: "وفي هذه الآية تنبيه على حكمة الله تعالى في تفضيل الله بعض العباد على بعض في الدنيا أي: ليسخر بعضهم بعضا في الأعمال والحرف والصنائع، فلو تساوى الناس في الغنى ولم يحتج بعضهم إلى بعض لتعطلت كثير من مصالحهم ومنافعهم" اهـ.
أيها الأخيار، احذروا غدر المال وخيانته، وهل المال يغدر أو يخون؟ نعم، إن المال لا يزال صديق العبد ثم يأتي عليه زمان ينقلب عدوًا له خائنًا لصحبته، وذلك حينما تنع+ القضية، فبدل أن يكون المال في يد مالكه يصبح في قلبه شاغلاً له عن ربه، فيتسلط المال على مالكه فيجعله من أشقى الناس، هل تريدون دليلاً على هذا؟ تذكروا قصة قارون الذي كان يملك أموالاً وخزائن حتى إن مفاتيح تلك الخزائن يصعب على الأقوياء من الرجال حملها، لكنه جعل المال في قلبه واغتر بما عنده ونسي فضل الله عليه، قال الله تعالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ.
إن بعض الناس أضاع دينه وقيمه ونسي ربه بل وأضاع أهله في سبيل تحصيل المال، فصار عبدًا له، فهمه المال، وتفكيره في المال، وغايته جمع المال حتى ولو كان من طريق محرمة، كثر جشعه، وعظم طمعه، وقلّ في سبيل المال حياؤه، وإذا أردت أن تعرف مقصودي فانظر إليهم حينما يصير التعامل بالمال، فهم شحيحون به، وكأنهم ينفقون أرواحهم لا أموالهم، كم قطعوا من رحم! وكم ضيعوا من عيال! وكم عقوا من والدين! وكم أساؤوا إلى جار! وانظر ـ أخي في الله ـ إلى بعض من قلَّ حياؤهم وافتقرت قلوبهم واستعبدتهم أهواؤهم كيف يطلبون المال الذي يستحقونه والذي لا يستحقونه، ولو أن أحدهم سمع بدينار أو درهم أو ثوبٍ بالٍ يوزعه أهل الإحسان لفزع إليه حتى ولو خسر في الحصول عليه راحته وصحته أو دينه أحيانًا.
ولا يلام المحتاج الذي لا يملك ما يسدّ رمقه وعياله، ولكن اللوم كل اللوم ينصبّ على غنيّ اليد فقير القلب الذي لا يشبع، فتراه يستجدي الناس، وتراه يقف على الأبواب لينال تافهًا من الدنيا.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.
قلت ما قلت إخواني، وأستغفر الله من كل ذنب وخطيئة، واستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، فقد صحّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ما شبع آل محمد من طعام ثلاثة أيام تباعًا حتى قبض . رواه البخاري. وكانت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول لعروة: والله يا ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله نار، قال: قلت: يا خالة، فما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. رواه مسلم.
وهنا ـ أيها الأحبة في الله ـ بعض القواعد التي أرى أن على المسلم أن يأخذ بها في حياته:
أولاً: لا بد من التأكد حين الحصول على المال هل هو من حلال أو من حرام، فإن كان حلالاً فادع الله أن يبارك لك فيه، وإن كان حرامًا فاجتنبه يعوّضك الله خيرًا منه، واعلم بأن أكل الحرام سبب لمحق البركة وبغض الله ودخول النار، نسأل الله العافية.
ثانيًا: لا تستغل وظيفتك وعملك في أخذ ما لا يحل لك عن طريق الاختلاس أو الرشوة، أو تسوّغ لنفسك أخذ شيء بحجة أنك أنت المسؤول. واعلم أن أخذك من أموال الدولة شيئًا أعظم جرمًا من أخذك لمال أحد من المسلمين؛ لأن أخذ شيء من أموال الدولة يعدّ ظلمًا للمسلمين كلهم.
ثالثًا: لا تدّخر من مالك شيئًا يحتاجه أهلك وعيالك، بل أنفق عليهم؛ فإن الإنفاق عليهم من أعظم القربات عند الله، واحتسب في ذلك الأجر من الله، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه : ((أفضل الدينار دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله)) رواه الترمذي وصححه الألباني.
رابعًا: إن استطعت أن تنفق على تعليم عيالك وتثقيفهم وتربيتهم أكثر من إنفاقك على مطعمهم وملبسهم فافعل؛ لأن التعليم والتثقيف والتربية سبب لحصول المال بإذن الله، أما إهمال تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم فإن ذلك مؤذن بتنشئة جيل جاهل +ول دنيء الهمة، واختر لهم مما يقرؤون ويشاهدون ويلعبون ما يزيدهم ذكاء وثقافة ونشاطًا وعلمًا.
خامسًا: إياك أن يذلك المال فتقف أمام أحد تستجديه شيئًا من الدنيا مهما كانت مكانته وقدره، قال رسول الله : ((ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفًا عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزًا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)) رواه أحمد والبزار.
سادسًا: ادع الله تعالى أن يغنيك وأن يكفيك الفقر، فعن عليّ رضي الله عنه قال: ألا أعلمك كلماتٍ علمنيهن رسولُ الله ، لو كان عليك مثل جبل صِيرٍ دينًا أداه عنك؟ قل: ((اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ)) قال الترمذي: "حديث حسن".
فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يجعلنا من عباده المؤمنين المتوكلين عليه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك.
وصلوا ـ عباد الله ـ على نبي الرحمة وإمام الأمة محمد بن عبد الله.
اللهم صل عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم يا جواد جد علينا، ويا كريم أكرمنا، ويا رحيم ارحمنا، ويا غفور اغفر لنا، ويا رزاق ارزقنا، وأنت رب العالمين...
| |
|