molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المتحدثون عن الإسلام في زمان الفتن - سعود بن إبراهيم الشريم الخميس 10 نوفمبر - 10:37:18 | |
|
المتحدثون عن الإسلام في زمان الفتن
سعود بن إبراهيم الشريم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، إن شريعة الإسلام شريعةٌ غراء، سِمَتُها الجُلَّى أن يعبد الله وحده في الأرض ولا يشرك به، مُتْبعةً بقواعد فرضها رب البرية، هي خيرٌ كلها، ونورٌ كلها، وسلامٌ كلها، وفرحٌ كلها، إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلَـٰمُ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهِ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [آل عمران:19]، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران:85].
الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعة الله العادلة للعالم أجمع، وما إرساله لخاتم رسله إلا للناس كافةً بشيراً ونذيراً، من أجل أن يدخل الناس في دين الله وصبغته، صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبْغَةًَ [البقرة:138].
الدين الإسلامي ـ عباد الله ـ هو شريعةٌ مبناها على الاتباع لا الابتداع، وعلى الاقتداء والتأسي لا على النكوص والتنسِّي، ودين المرء لن يكون ديناً حقاً إلا إذا كان الخضوع فيه للحق سبحانه دون سواه.
وإن خير هدي ينتهجه الناهجون هو هدي رسوله ، وهيهات هيهات أن يأتي الناس في أعقاب الزمن بأهدى منهما حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفاً كَثِيراً [النساء:82]، قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَـٰبٍ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ [القصص:49].
إنه في أعقاب الزمن ـ عباد الله ـ، ووسط عصور الانتقال تتعدد مسالك الحياة، وتتزاحم تداعياتها، هبوطاً وصعوداً، بمدى قرب الناس من دينهم أو بعدهم عنه، ومكان رسالة خاتم النبيين بين ذلك كله أنها دعوة كمال وعدل، فكلما تردد الإنسان عبر هذه العصور التي تُسمى عصور الانفتاح بين طريقين اثنين، أو حارت نفسه في اختيار أحد مسلكين، فإن السنة تدعوه ـ ولا شك ـ إلى خيرهما، وإذا تردد العقل في خضم هذه النوازل المدلهمّة بين الحق والباطل، والزَّين والشَّين، دعته السنة إلى الحق والزَّين ؛ لأن الحق أبلج، والباطل لجلج[1].
وبهذا يُعلم أن دعوة السنة وسط هذه الزوابع إنما تكون لأصعب الطريقين، وأشق الأمرين بالنسبة لأهواء البشر، المحاطة بعالم أصبح عبر وسائله المختلفة كالكتلة الواحدة، ولا غرو في ذلك فإن النار حُفَّت بالشهوات، والجنة حُفَّت بالمكاره.
ويبدو ذلك بوضوح في أن الانحدار مع الهوى سهل يسير، ولكن الصعود إلى العلو من الصعوبة والمشقة بمكان، ألا ترون ـ حماكم الله ـ أن الماء ينزل وحده حتى يستقرَّ في عمق الوادي، ولكنه لا يصعد إلى العلو إلا بالجهد والمضخّات.
أيها المسلمون، إن البعد عن زمن النبوة مظنة ـ ولا شك ـ [للبعد] عن تعاليمها وآدابها، فرسول الله يقول: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) [2]، ويقول أيضاً: ((إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)) [3]، ويقول أيضاً: ((لا يأتي على الناس زمان إلا والذي بعده شر منه، حتى تلقوا ربكم)) [4].
ولأجل هذا ـ عباد الله ـ فإن الثوابت الشرعية من توحيد الله، والإيمان به، والدعوة إليه، والحب والبغض فيه، قد يذوي[5] أكثرها أو بعضها مع مرور الزمن، وغلبة الأهواء، وشيوع الهزل، حتى إنها لتحتاج إلى من يردّ لها الحياة بعدما اعتراها ما اعتراها من ذبول، إذ لدينا كتاب الله لا تخلق جلدته، ولا تفنى ثروته، ولدينا نور نبوة مُلهمَ السيرة، نقيَّ السنن.
وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تعمى النفس المؤمنة مع هذا الإشعاع؟! بل كيف يستوحش المرء في هذا العالم الموّار، ومصدر الأمن والطمأنينة فوق ظهره محمول؟! شريطة أن لا يغفل عن قوله سبحانه: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
إنه رغم الدمار البالغ الذي تصاب به المجتمعات حيناً بعد حين، والوكزات التي تتلقاها أمة الإسلام فجأةً، ثم هي تصرع أمامها إثر تقويض الرابطة الإسلامية الجامعة الحقة، وعلى الرغم من المكانة الملحوظة التي وفّرها الإسلام للمجتمعات الإسلامية بأسرها، من خلال تعاليمه المحكمة، وثوابته التي لا تتغير، بل يخضع لها كل عصر، وليست تخضع هي لكل عصر، إنه رغم ذلك كله إلا أن ثمة خللاً ما، يؤكد أن تلك المجتمعات أحوج ما تكون إلى أن تلتمس لطف الله وعفوه، وترتقب رحمته وإحسانه، وتل+َ اللجوء إليه والعياذ به، عاملةً بما دعا به المصطفى : تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64]. فلا إله إلا الله، أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83].
إنه ينبغي علينا ـ معاشر المسلمين ـ أن ندعو إلى دين الله جل وعلا، الذي هو مصدر عزتنا، وسر قوتنا، من خلال التحدث عنه على حقيقته وصورته التي ارتضاها الله جل شأنه، دون استحياء ولا تخوف ولا استجداء، مُتْبعين ذلك على أنه دين العبودية لله وحده في كل شيء، والاتباع لرسوله ، وحذار حذار من أن يخطئ أحد حال التحدث عنه فيعدل عن الوجه الصحيح.
ثم إن الدعوة إلى الإسلام برمتها أشبه ما تكون بالقضية العادلة، غير أنها ـ وللأسف الشديد ـ قد تقع بين أيدي محامين عنها يفشلون في عرض حقيقة الدفوع، وإيضاح البينات، وما ذلك إلا من خلال التنازل عن ثوابتها وأسسها، بحثاً لعرض أو خوفاً من عرض. ولا غرو في ذلك ـ عباد الله ـ فلربما نسمع كثيراً لمتحدثين عن الإسلام يحامون عنه، ويودّ المرء منا لو أنهم سكتوا فلم ينبسوا بحرف واحد. إن أمثال هؤلاء ـ ولا ريب ـ لم يفهموا الإسلام بكماله كما تنزل من عند الله، والنزر اليسير ممن يتحدث عنه، ويدَّعي فهمه قد لا يحسنون الإبانة عنه من خلال الخلط والمزج بين ما يصحّ وما لا يصحّ. ومن هنا يعظم الخطر؛ لأننا في أزمنة خداعة، تحتاج إلى المهرة من ذوي الأفهام، عبر عصور يتزين فيها القبيح من المبادئ، فتعرض نفسها على الناس في تزاويق خادعة كما تتوارى الشمطاء وراء حجب من الأصباغ والحلي.
إن الإسلام في حدِّ ذاته كالدواء، لا يحتمل أن يجتهد فيه كل محتسٍ له، كما أن الدواء لا يكون دواء لأن مادته تحوي أسباب الشفاء فحسب، كلا، بل لا بد من تناوله بطريقته التي يشير بها الطبيب على الوجه الذي وُضع له الدواء، ومن تكلّف طريقة من عنده لم يقل بها الطبيب، فلا يلومن [أحداً] حينئذ إذا استفحل الداء، ولات ساعة استشفاء، وهيهات هيهات أن تصلح المجتمعات، وقد وهت فيها حبال مقوماته الشرعية الحقة، وأسس الحياة المحكومة بصبغة الله وشرعته دون اكتراث بما يرضي الله وما يسخطه، فكيف إذا كانت الحال إذاً في التشكيك في تلك المقومات، أو السعي الدؤوب في إماتتها، أو بث ما من شأنه اتهام المسلمين، أو بذر الفرقة بينهم، أو التطلع إلى إرساء قواعد التراجع عن الدين، أو على أقل تقدير إشعار الغير بأن من يتجرع الإسلام بآدابه وكماله فإنه لا يكاد يسغيها إلا متهوّعاً[6]، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون، من خصائص رسالة المصطفى أنه ما من خير إلا ودلَّ الأمة عليه، وما من شر إلا وحذَّر الأمة منه، وقد كان مما حذر الأمة منه الفتن التي تكون في آخر الزمان وتكاثرها، والغواسق التي تحيط بالأمة من كل جانب، فتموج بهم كموج البحر، حتى إنها لتدع الحليم حيران، بل ولربما تستمرئها النفوس الضعيفة، وتستشرف لها رويداً رويدا إلى أن تلغ في حمئها وهي لا تشعر، فإذا ألفتها لم تكد تتحول عنها إلا في صعوبة بالغة بعد أن تفقد خصائصها، ومن ثم تموع وتذوب، تُمَّة ما لجرح بميت إيلام، وإذا لم يغبِّر حائط في وقوعه فليس له بعد الوقوع غُبار، حتى تقع النفس في أتُّون الفتن فتحترق بلا لهب. ففي الصحيحين أن النبي قال: ((ستكون فتن، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)) الحديث[7]، يقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: "معنى قوله: ((من تشرف لها)) أي تطلع لها بأن يتصدى ويتعرض لها، ولا يعرض عنها"[8].
وفي الصحيحين أيضاً أن النبي قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)) قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: ((القتل، القتل)) [9].
عباد الله، إننا في زمن تداعت فيه الفتن كداهية دهياء، فقلّت فيه الأمانة، ونزعت فيه الخشية من الله، وتنافس الناس فيه على الدنيا، وحظوظ النفس، وكثر فيه القتل، وبلغ أوج صوره، على اختلاف تنوعه، حتى لربما لا يدري القاتل فيم قَتَل، ولا المقتول فيم قُتِل، كما قال ذلك النبي فما صح عنه[10]، ولكن لمستفهم أن يقول: ما النجاة في خضم هذه الأحداث، وما موقف المؤمن من متغيرات زمانه، وفجاءة النقمة فيه؟ فالجواب على هذا بيِّن بحمد الله، فإن لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، والدواء في مثل هذا كثير التنوع، فمن ذلك: أولاً حمد الله على العافية مما ابتلى به كثيراً من الناس من الفتن والرزايا، والحروب المدمرة، ثم الصبر على أقدار الله المؤلمة، والإيمان بأن ما يريده الله كائن لا محالة، وأن ما أصاب الناس لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ [الرعد:41].
عند مسلم في صحيحه أن النبي قال: ((إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة)) [11]، وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]. فلا إله إلا الله ما أوسع علم الله، انظروا إلى الأحداث والمستجدات ـ عباد الله ـ كيف تحل بنا فجأة على حين غِرّة دون أن تقع في ظن أحدنا، أو يدور بخلده أن أحداثا ما ستكون يوما ما، مما يؤكد الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله ، واللجوء إليه، وخشيته وحده، بالتوبة والإنابة، وكثرة الدعاء والاستغفار والصدقة، وبذل الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا ملجأ من الله إلا إليه.
ألا إن من خاف البشر فر منهم، غير أن من خاف الله فإنه لا يفر إلا إليه، فَفِرُّواْ إِلَى ٱللَّهِ إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50].
ولقد صح عن النبي أنه قال: ((لا يردّ القدر إلا الدعاء)) [12].
ألا وإن ما يحدث في هذه الأزمنة من كوارث تحل بنا بغتة ليذكرنا باليوم الذي تقوم فيه الساعة، والناس في غفلة معرضون، مع ما يتقدمها من أمارات وأشراط تدلّ عليها، فقد جاء في الصحيحين أن النبي قال: ((لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لِقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يُليط حوضه فلا يسقي منه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها)) [13]، كل ذلك عباد الله دليل على فجاءة النقمة، وأن نفسا لا تدري ماذا ت+ب غدا، ولا تدري بأي أرض تموت.
ثم اعلموا ـ رحمكم الله ـ أنه ينبغي للمرء المسلم في خضم الأحداث الرهيبة والمتغيرات المتنوعة ألا يصاب بشيء من الاسترسال مع مشاعر القنوط واليأس، وألا يحبس أنفاسه مع الجانب الذي قد يكلح في وجهه على حين غفلة من جوانب الخير الأخرى في حياته، دون التفات إلى المشوشات من حوله، والتخوفات التي ليس لها ضريب، فليس بلازم عقلاً أن تكون تلك المخاوف صادقة كلها، فلربما كانت كاذبة إذ قد تصح الأجسام بالعلل، وقد يكون مع المحنة منحة، ومع الكرب فرج، فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5، 6]. ولن يغلب عسر يسيرين، وإِنَّهُ لاَ يَايْـئَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ [يوسف:87].
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.
[1] مثل عربي معناه: الحق واضح، والباطل ملتبس . انظر: مجمع الأمثال (1/207).
[2] أخرجه البخاري في الشهادات [2652]، ومسلم في كتاب الفضائل [2533] من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
[3] أخرجه أحمد (4/126-127)، وأبو داود في السنة [4607]، والترمذي في العلم [2676]، وابن ماجه في المقدمة [44] من حديث العرباض بن سارية، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان [5]، والحاكم (1/95)، ووافقه الذهبي . وهو في صحيح الترغيب [37].
[4] أخرجه البخاري في الفتن [7068] من حديث أنس رضي الله عنه.
[5] أي يَذبل.
[6] أي إلا متكلفاً للقيء.
[7] أخرجه البخاري في الفتن [7081]، ومسلم في الفتن [2886] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[8] فتح الباري (13/31).
[9] أخرجه البخاري في الفتن [7061]، ومسلم في العلم [157] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[10] أخرجه مسلم في الفتن [2908] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[11] أخرجه مسلم في القدر [2653] من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[12] أخرجه أحمد (37/68) [22386]، وابن ماجه في المقدمة [90] من حديث ثوبان رضي الله عنه، وصححه ابن حبان، والحاكم (1/493)، وقال البوصيري في الزوائد: "سألت شيخنا أبا الفضل العراقي عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن"، وأخرجه الترمذي في القدر [2139] من حديث سلمان وقال: "حديث حسن غريب"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة [154].
[13] أخرجه البخاري في الفتن [7121] عن أبي هريرة في حديث طويل، وهو في صحيح مسلم لكن ليس فيه هذا الجزء.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، إن مما لا شك فيه أن كثرة الفتن تزلزل كيان الناس، وأن فتيل الحروب إذا اشتعل عسر انطفاؤه، وأن التهويش والتشويش، والقيل والقال، والظن والخرص، لمما يزيد الأمر سوءاً وتعقيدًا، والنار اشتعالا واضطراماً، ولا جرم فإن النار قد تذكى بالعيدان، كما أن في مبدأ الحرب كلام اللسان.
ولقد كان السلف الصالح أحرص الناس على اتقاء الفتن، والنأي بأنفسهم عن أن يقعوا في شَرَكها، بل يستعيذون بالله منها، وكلما لاحت لهم في الأفق فتنة تمثلوا بما رواه البخاري في صحيحه عن خلف بن حوشب أن السلف كانوا يقولون عند الفتن:
الحـرب أوّل ما تكـون فتيـة تسـعى بزينتها لكل جهـول
حتى إذا اشتعلت وشبَّ ضرامها ولَّت عجوزاً غير ذات حليل شمطـاء يُكره لونهـا وتغيرت مكروهـة للشـم والتقبيـل[1]
ثم اعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن من أدب الإسلام في الفتن كفّ اللسان وحبسه وعدم الزج به فيما لا يعني، وزمَّه عن الفحش والتفحش، أو الوقوع في الظن والخرص، فإن إطلاق اللسان، وسيلان الأقلام، خائضةً في المدلهمات، ولاتَّة[2] في المتشبهات، والقضايا المزعجات دون زمام ولا خطام لمن شأنه أن يضعف إيمان المرء المسلم، ويوقعه مواقع الزلل، غير آبه بوصية النبي لعقبة بن عامر حينما سأله: ما النجاة؟ قال: ((أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) [رواه الترمذي في جامعه] [3].
إن اللهث وراء كل حدث وخبر باللسان تارة، وبالأقلام أضعافها، في البيت وفي السوق، والمجالس والمنتديات، وعبر شبكات تقنية يكثر فيها اللغط دون تروٍّ أو توثقٍ أو محصَّلة من العلم والفهم لمما يقلل العافية والسلامة من الخطأ، فضلاً عن أن يقدِّم حلا عاجلا سوى الخلط والجهل والتضليل، ولله در أبي حاتم البستي حين قال: "إن العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في السكوت"[4]، لأن من الناس من لا يكرم إلا للسانه، ولا يهان إلا به، فالواجب على العاقل أن لا يكون ممن يهان به.
ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أن الحوارات الشفهية، والمطارحات الورقية، لا ينبغي أن تكون لكل راكب، ولا عِلكًا يلوكه الكل، وأمور الناس بعامة لا ينبغي أن يتصدى لها أي أحد كيفما اتفق، دون تمييز بين الغث والسمين، وبين ما يعقل وما لا يعقل، وإنه لمن المستكره أن يكون مقدار لسان الإنسان أو قلمه فاضلاً على مقدار علمه، ومقدار علمه فاضلاً على مقدار عقله، فلقد روى البخاري في صحيحه عن علي رضي الله عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟!)[5]، فمن هرف بما لا يعرف فهو ممن قال الله فيهم: قُتِلَ ٱلْخَراصُونَ [الذاريات:10]، قال قتادة ـ رحمه الله ـ: "هم أهل الغرة والظنون"[6] وروى الإمام أحمد وغيره عن النبي أنه قال: ((إن أمام الدجال سنون خداعات، يكذَّب فيها الصادق، ويصدَّق فيها الكذوب، ويخوَّن فيها الأمين، ويؤتَمَن فيها الخائن، ويتكلم الرويبضة))، قيل: وما الرويبضة؟ قال: ((الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)) [7].
فعلى حملة الأقلام وذوي اللسان أن يتقوا الله سبحانه، وألا يستخفُّوا بأحد، وأن لا يبغوا على أحد من المسلمين، يقول ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: "أحق الناس بالإجلال ثلاثة: العلماء والإخوان والسلطان، فمن استخف بالعلماء أفسد مروءته، ومن استخف بالسلطان أفسد دنياه، والعاقل لا يستخف بأحد"[8].
ومما يزيد الأمر توكيداً وتوثيقاً ـ عباد الله ـ حينما يكون الخوض فيما قال الله أو قال رسوله ، فليس لذلك إلا العلماء الأتقياء الأنقياء، فهم ورثة الأنبياء، ومصابيح الدجى، فحذار حذار لمن تجاوز طريقهم أن يقع في قول النبي : ((من أُفتِي له بغير علم كان إثمه على من أفتاه)) [رواه أبو داود] [9]، وقد قال عبد الله بن وهب: قال لي مالك بن أنس: "يا عبد الله، لا تحملنَّ الناس على ظهرك، وما كنت لاعباً به من شيء، فلا تلعبنّ بدينك"[10]، ولذلك قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ: "ما كفيت عن المسألة والفتيا فاغتنم ذلك ولا تُنافِس، وإياك أن تكون ممن يحب أن يعمل بقوله، أو ينشر قوله، أو يسمع قوله، وإياك وحب الشهرة، فإن الرجل يكون حب الشهرة أحب إليه من الذهب والفضة، وهو باب غامض لا يبصره إلا العلماء السماسرة"[11]، وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
اللهم صلّ على محمد وعلى آله محمد ...
[1] علقه البخاري في كتاب الفتن، باب الفتنة التي تموج كموج البحر عن ابن عيينه عن خلف بن حوشب، ووصله في التاريخ الصغير كما في الفتح.
[2] اللتّ هو الفت والسحق.
[3] أخرجه أحمد (36/570-571) [22235]، والترمذي في الزهد [2406] من حديث عقبة بن عامر، وقال: حديث حسن. وهو في السلسلة الصحيحة [890، 891].
[4] روي مرفوعاً عند الديلمي في مسند الفردوس من حديث ابن عباس، وقال العراقي: حديث منكر كما في كشف الخفاء (2/84)، وهو في ضعيف الجامع [3838].
[5] أخرجه البخاري في العلم [127].
[6] أخرجه ابن جرير عنه في تفسيره (13/192) بنحوه، وانظر: تفسير ابن كثير (7/393).
[7] أخرجه أحمد (21/24-25) [13298]، وأبو يعلى [3715]، والبزار [3373] من حديث أنس، وقال الحافظ في الفتح (13/84). "سنده جيد"، وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أحمد (13/291) [7912]، وابن ماجه في الفتن [4036]، وصححه الحاكم (4/465-466)، وشاهد آخر من حديث عوف بن مالك عند الطبراني في الكبير (18/ ح123، 124، 125).
[8] هذا من كلام أيوب بن القرّيّة أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم [996].
[9] أخرجه أحمد (14/17) [8266]، وأبو داود في العلم [3657]، وابن ماجه في المقدمة [53] من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم (1/126) ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني صحيح الجامع [6068، 6069].
[10] انظر: السنة للخلال (1/215)، والحلية لأبي نعيم (3/320).
[11] أخرجه ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل (ص88)، وأبو نعيم في الحلية (6/377).
| |
|