molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الزلازل صورة من عظمة الله - سعد بن مليك العوفي الأربعاء 9 نوفمبر - 11:07:50 | |
|
الزلازل صورة من عظمة الله
سعد بن مليك العوفي
الخطبة الأولى
عباد الله، ما أشد تقلب أحوال الدنيا وأكثر أطوارَها، قد كنا نسمع بالزلازل وهي تضرب في تلك الناحية وتلك فنرثي حال أهلها ونتوجع للمسلمين فيها ونأمن على أحوالنا، فها هي اليوم تضرب أرضا لا يفصلنا عنها إلا ساعتان من السفر، والزلازل لا تعرف السفر، إنها حقيقة لا نكاد نصدقها، وليس لنا إلا أن نسترجع، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم إننا نملأ قلوبنا بتعظيم الله سبحانه ونتذكر قوله: وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ. رحمته وسعت كل شيء، وقدرته لا يخرج عنها جماد ولا حي، عظيم قادر وذو جبروت قاهر، يمهل ولا يهمل، يخوف عباده بجنود الأرض والسماء، قال تعالى: وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا.
وإن الحروب -أيها الكرام- مهما استعرت نارها واستفحل شنارها إلا أنها لا تعدل شيئا عند زلزال خطير واحد، ففي إحدى السنين ضرب زلزال أدى إلى مقتل أكثر من 255 إلى 600 ألف قتيل إثر هزة أرضية في الصين. هل سمعنا بهذا العدد ضحايا لقنابل كثيفة في وقت مقارب لوقت الزلزال؟! قد كانوا آمنين كما نحن آمنون، وفي رفاهية وهدوء تام لا تشوبه شائبة كما أننا في هذه الرفاهية متقلبون، أطافَ بهم طائفُ الزلازل، فأحال الأمنَ خوفًا والحياة موتًا والعامِر خرابًا، وجعل المدينة الناضِرة يبابًا، وفي مثلِ طرفةِ عينٍ غير الله حالهم، فإذا ألوفُ القتلى، وألوفٌ من الجرحَى، وألوف من المشرَّدين، فاستبدَّ الألمُ بهم حتى خُيِّل إليهم أنَّ القيامةَ قامت.
والزلازلُ -وقانا الله وإياكم منها- لا تقرَع الأبوابَ إلا بغتةً، فعندما تضطرب الأرضُ بصوتها المخيفِ ودويِّها الرهيب وعندما تتساقط الجُدران وسُقُف الأبنية حتى يصبِح أعلى الأرضِ أسفلَها وأسفلُها أعلاها، في تلك اللحظةِ يشعر الإنسانُ بجلال الله وعظمتِه وسلطانه وجبروتِه، لتنطلق من أعماقه صرخات الاستغاثة حرّى متوجدة، قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.
في المحنِ والمصائِبِ يعرِف الناسُ عزَّ الرّبوبيّة وقهرَها، وذلَّ العبودية وان+ارَها، وأنّ الخلقَ كلَّهم ملكُه وعبيده، راجِعون إلى حكمِه وتدبيره، لا مفرَّ لهم منه، ولا محيدَ لهم عنه، والمؤمِنون على يقينٍ أنّ أفعالَ الله عز وجل تتضمَّن الحكمةَ وإن غابت عن عقولِنا المحدودةِ هذه الحكمةُ، في بعضِ الأحيان تكون في دمار الأرض وخرابها وجرح الأبدان وقبض الأرواح، والمؤمِنُ يعتقد أن الله خالقُ هذا الكون، كلّ ما يتحرَّك في السماء وما تمورُ به الأرض بإذنه تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.
لا يفعل الله شيئًا عَبثًا، ولا يجرِي في الكون أمرٌ إلا بتدبيره وتقديرِه لحكمةٍ ارتضاها، قال تعالى: وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.
إن الأرض -سلمكم الله- تسبح على صهير ناري لولا الفجوات التي جعلها الله في الأرض لانفجرت الأرض بأكملها كما تنفجر قنبلة ذرية ضخمة، هذا ما أثبته علماء الأرض, والظواهر الطبيعية لا ينظر إليها المسلم كما ينظر إليها الكافر، بل إن المسلم يتأملها بعين ملؤها الخشية من الله تعالى، ثم هو يتذكر أن كثرة الزلازل من علامات الساعة تصديقا لما جاء في الحديثِ الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى تكثُر الزلازل))، وعن سلمةَ بن نفَيل قال: كنا جلوسًا عند رسول الله فذكر الحديث وفيه: ((بينَ يديِ الساعةِ موَتان شديدٌ، وبعده سنواتُ الزّلازل)) أخرجه أحمد. فإذا علم المسلم هذا هرع مسرعا إلى ربه تائبا مخبتا ومنيبا، ولم يبحث عن تفسيرات أرضية لا تفيده في دينه.
إن المسلم -أيها الكرام- حين يسمع أنباء الزلازل ليس جزوعا كما هو حال الكافر؛ لأن الكافر قد نظر إلى الدنيا فلم يجد وراءها إلا حياته هذه، فليس يؤمن بأن هنالك بعثا ينتظره من بعدها، فإذا أصيب في دنياه جن لمصابه وضاقت عليه الأرض بما رحبت حتى وإن كان المصاب متوقعا وليس متحققا، ففي إحدى الأعوام توقع بعض علماء الفلك في أمريكا أن يصطدم مذنب في الأرض فانتشر الهلع بين الناس في بلاده حتى دفع بعضهم إلى الإقدام على الانتحار الجماعي، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ. ترى هل كانوا سينتحرون لو أنهم علموا أن المذنب سيمر بسلام؟! إنهم في غيبة عن الدستور الإلهي الخالد الذي فيه: وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ. هذه الزلازلُ لها مغزًى عميق وعِبرةٌ للمعتبرين، ورسالة لمن اغترَّ بعلمه وخُيِّل إليه أنّه بلغ الآفاقَ وقدر على كلِّ شيءٍ، تقول له: إنك ضعيف أمام قدرة الله، عاجزٌ أنت وعِلمك عن دفع أمرٍ كتَبَه الله عليك. الإنسانُ مهما بلَغ عِلمه وماله وجاهُه فهو ضعيفٌ أمام قدرةِ الله، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا. الإنسان المغرورُ المختال الفخور هذا هو شأنُه، إنه ضعيفٌ لا يملك شيئًا من هذا الكون، قال الله تعالى: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28]، وقال تعالى: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
هذه الأحداثُ تبيِّن للإنسانِ قيمةَ هذه الدنيا وقدرَها ومِقدارها ومآلها، فهي معرَّضَة للزوال صائِرةٌ إلى الفناء، وأنها مَتاع الغرور، وأنها ظِلّ زائل ونعيم خادِع. هذه الدّنيا التي عليها يتقاتَلون وخلفَ حُطامها يلهثون لا تساوِي شيئًا، قال الله تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ.
زلزالُ الدنيا مَهول، وآثارُه مدمِّرة، وواقعُه مُفجِع، وهو في ذاتِ الوقت موقِظٌ لنا من رَقدتنا لنتذكَّرَ الآخرةَ، لقد خدَّرتَنا الدنيا بمفاتِنها، وشغَلتنا بهجتُها، حتى كأنّنا مخلَّدون على ظهرها، غير مرتَحِلين إلى بطنِها، وكأنَّ الموتَ صائِرٌ إلى غيرِنا دونَ أن يمسَّنا، وغدَتِ الآخرة قِصصًا تُتلَى وحديثًا يُروى ثم ينسَى، قال تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. إنّه إنذارٌ شامِل لنعلمَ أنّ الحياةَ مؤقَّتة، وأنّ الأجلَ قريب مهما طالَ الأمل، وأنّ العبدَ عُرضة في كلِّ لحظةٍ وآنٍ للرّحيل عن دار الدنيا، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
زلزالُ الدّنيا أرضٌ ترتجِف ومبانٍ تسقُط، يموت مَن يموت، ويحيَا مَن بقِيَ له من عُمُره بقيّة، أمّا زِلزال الآخرةِ ففيها تذهَل المراضع، وتضَع الحوامل، وتشيبُ الولدان، والنّاس كالسُّكارى من هولِ الموقِفِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ.
في الآخرة الأرض والسماوات كلُّها تتبدَّل، والجِبالُ الشامخة تنسَفُ نَسفًا، والبِحارُ تتفجَّر، وتنشقُّ السماء وتُكشَط، قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ، وقال تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
عباد الله، إن سبيلَ النجاة منَ الكرب والشِدّة والمحنة في اللّجوء إلى الله تعالى وحدَه والفزَعِ إليه والصلاة، قال تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. وإنها لفرصة للتضرع والان+ار بين يدي الربوبية وعن حذيفة رفعه قال: ((يأتي عليكم زمانٌ لا ينجو فيه إلاّ من دعا دعاءَ الغريق)) أخرجه الحاكم وصححه، وقال : ((لا يرُدُّ القدَرَ إلا الدعاء)) حسنه الألباني, ودعوةُ المضطرِّ مجابَةٌ، قال تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ.
مِن أسبابِ النجاةِ التوبةُ والاستغفار، وذلك بتركِ الذنوب والعَزم على عدَم العودةِ إليها، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33].
مِن أسبابِ النّجاةِ الإصلاحُ والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.
الصّدقةُ وبَذل المعروفِ مِن أسبابِ النّجاةِ، قال : ((صنائِعُ المعروف تقِي مصارعَ السوء، وصدَقَة السِرّ تطفِئ غضَبَ الربِّ، وصِلةُ الرحم تطيل العمرَ)).
نسأل الله أن يصرف عنا وعن المسلمين جميعا الزلازل والنقم والفتن ما ظهر منها وما بطن...
| |
|