molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مفهوم العبادة في الإسلام (1) - سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الثلاثاء 8 نوفمبر - 7:37:02 | |
|
مفهوم العبادة في الإسلام (1)
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن بعض المسلمين لا يفهم من كلمة العبادة إذا ذكرت إلا الصلاة والصيام والصدقة والحج والعمرة ونحو ذلك من الأدعية والأذكار، ولا يحسب أن لها علاقة بالأخلاق والآداب أو النظم والقوانين أو العادات والتقاليد حسب المتداول من التعبيرات وكل حياة المسلم، وإذا سألت أحدهم: لأي شيء خلق الله الخلق؟ قال: لعبادته سبحانه وتعالى، وما هي العبادة؟ قال: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. إنه كلام جيد وتعريف يحفظه الطالب والمعلم في المرحلة الابتدائية، ولكن هل يعرف ويعلم تمامًا بأن مفهوم العبادة في الإسلام أشمل مما يتصوره هُوَ، وَهُوَ على حسب هذا التعريف فعلاً؟! هل يعلم معنى قول الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] على الحقيقة فعلاً وأنها تشمل جميع مناحي حياته وكل حركة له في هذه الحياة بحيث يجب أن يتحقق فيها معنى العبودية لله؟!
إنَّ قَصْرَ مفهوم العبادة على الصلاة والزكاة والحج والعمرة والصوم وبعض الأدعية والأذكار مفهوم خاطئ يجب أن يُصَحَّحَ، فالصلاة لا تستغرق في اليوم والليلة إلا قرابة ساعة، فأين تذهب الساعات الباقية من حياة المسلم إذا لم تكن في العبودية الصحيحة وفي المفهوم الصحيح لمعنى العبادة؟! والصوم شهر واحد في العام، فكيف يقضي المسلم بقية أشهر العام إذا لم يعلم ويعمل بمعنى العبودية الحقة لله تعالى؟! والحج والعمرة لا تجب إلا مرة واحدة في العمر، وال+اة مرة واحدة في السنة.
فهؤلاء الذين يفهمون أو يعتقدون بأن العبادة في الإسلام مقصورة على هذه الشعائر التعبدية أو أنه يجب أن تقتصر على المسجد قد جانبوا الصواب، ويجب عليهم أن يعلموا معنى العبادة الصادقة لله تعالى، وأنها شاملة لحياتهم كلها، في النوم واليقظة ودخول المسجد والبيت والخروج منهما والبيع والشراء والعمل والتعامل مع الناس والكلام والضحك والأكل والشرب وركوب الدابة ونزول أي منزل وحتى إتيان الرجل شهوته ودخوله الخلاء والخروج منه، كل هذه وغيرها للإسلام فيها توجيه، فبذلك يتحقق معنى العبودية لله رب العالمين، وأن العبادة شاملة فعلاً لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.
لقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قول الله تعالى: يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ [البقرة: 21]: ما العبادة؟ وما فروعها؟ وهل مجموع الدين داخل فيها أم لا؟ فأجاب رحمه الله إجابة مبسوطة مفصلة وقد بدأها بقوله: "العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالصلاة وال+اة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة"، ثم قال: "وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله" انتهى كلامه رحمه الله.
وهكذا نجد أن للعبادة ـ كما شرحها ابن تيمية رحمه الله ـ أفقًا رحبًا ودائرة واسعة، فهي تشمل الفرائض والأركان فيما يسمى بالشعائر التعبدية من الصلاة والصيام وال+اة والحج، وتشمل ما زاد عن الفرائض من ألوان التعبد التطوعي من ذكر وتلاوة ودعاء واستغفار وتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد وحسن المعاملة والوفاء بحقوق العباد والأخلاق والفضائل الإنسانية كلها وحب الله ورسوله وتوحيد الله وإفراده بالعبادة وخشيته والإنابة إليه وإخلاص الدين له، وتشمل العبادة كذلك الفريضتين الكبيرتين اللتين هما سياج ذلك كله وملاكه وهما: 1- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 2- وجهاد الكفار والمنافقين في سبيل الله، كما تشمل العبادة أمرًا له أهميته في الحياة المادية للناس، وهو الأخذ بالأسباب ومراعاة السنن التي أقام الله عليها الكون. ثم قال رحمه الله: "فكل ما أمر الله به عِبَادَهُ من الأسباب فهو عِبَادَةٌ".
بهذا نعرف ونعلم أن دين الإسلام كله عبادة، وأنه جاء ليرسم للإنسان منهج حياته الظاهرة والباطنة، ويحدد سلوكه وعلاقاته وفقًا لما جاء في الكتاب والسنة، إذًا فعبادة الله تَسَعُ الحياةَ كلَّها وتنظم أمورها قاطبة، من أدب الأكل والشرب وقضاء الحاجة، إلى بناء الدولة وسياسة الحكم وسياسة المال وشؤون المعاملات والعقوبات وأصول العلاقات الدولية في السلم والحرب.
إن هذه الشعائر العظيمة والأركان الأساسية في الإسلام على منزلتها وأهميتها إنما هي جزء من العبادة لله، وليست هي كل العبادة التي يريدها الله من عباده. والحق الذي لا شك فيه أن دائرة العبادة التي خلق الله لها الجن والإنس وجعلها غاية للإنسان في الحياة ومهمة في الأرض دائرة رحبة واسعة تشمل شؤونه كلها وتستوعب حياته جميعًا.
وبذلك تتحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبد الله ورسوله وقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ [الذاريات: 56-58]، وقوله تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام: 162، 163].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره وأسأله المزيد من فضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.
أما بعد: فإن مقتضى عبادة المسلم لله وحده أن يُخضِع أموره كلها لما يحبه الله تعالى ويرضاه في الاعتقاد والأقوال والأعمال، وأن يكيّف حياته وسلوكه وفقًا لهداية الله وشرعه، فإذا أمره الله تعالى أو نهاه أو أحلَّ له أو حرم عليه كان موقفه في ذلك كله: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
فَفَرْقُ ما بين المؤمن وغيره أن المؤمن خرج من العبودية لنفسه وللمخلوقين إلى العبودية لله رب العالمين، خرج من طاعة هواه إلى طاعة الله، ليس المؤمن سائبًا ولا هملاً يفعل ما تهوى نفسه أو يهوى له غيره من الخلق، إنما هو ملتزم بعهد يجب أن يَفِيَ به وميثاق يجب أن يحترمه ومنهج يجب أن يتبعه، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا [الأحزاب: 36]، ويقول عز وجل: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [النور: 51].
ليس بعابد لله إذًا من قال: أصَلي وأصوم وأحج ولكني حرٌّ في أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر والمسكرات أو أكل الربا أو الزنا أو رفض ما لا يصلح لي من أحكام الشريعة فأحكم فيه بغير ما أنزل الله، وليس بعابد لله أيضًا من أدى الشعائر ولكنه لم يخضع لآداب الإسلام وما جاء به في نفسه أو أهله، كالرجل الذي يلبس الحرير ويتحلى بالذهب ويتشبه بالنساء، والمرأة التي تلبس ما يبرز مفاتنها ولا يغطي جسدها ولا تضرب بخمارها على جيبها وتتشبه بالرجال، ليس بعابد لله من ظن أن عبوديته لله لا تعدو جدران المسجد، فإذا انطلق في ميادين الحياة المتشعبة فهو حرٌّ في إعطاء نفسه هواها أو اتباع أهواء عبيدِ أنفسِهم من المخلوقين.
على المسلم أن يعلم أن كل عمل اجتماعي نافع فهو في الإسلام عبادة ما دام قَصْدُ فاعله الخير لا تصيُّد الثناء واكتساب السمعة الزائفة عند الناس،كل عمل يمسح به المسلمُ دمعةَ محزون أو يخفف به كربة مكروب أو يضمِّد به جراح منكوب أو يسدُّ به رمق محروم أو يشد به أزر مظلوم أو يقيل به عثرة مغلوب أو يقضي به دَيْنَ غَارِمٍ مثقل أو يأخذ بيد فقير متعفف ذي عيال أو يهدي حائرًا أو يعلم جاهلاً أو يؤوي غريبًا أو يدفع شرًا عن مخلوق أو يُميط أذى عن طريق أو يسوق نفعًا إلى ذي كبدٍ رطبة أو يسعى لإصلاح ذات البين، كل ذلك وغيره إذا صحت وصلحت فيه النية فهو عبادة وقربة إلى الله تعالى.
ولقد كانت حياة رسول الله كلها عبادة لله عز وجل وذكرًا لله جل جلاله، وأيضًا كانت توجيهاته لأمته عليه الصلاة والسلام عبادة لله عز وجل. فعلى المسلمين الاتباع والاقتداء برسول الله حتى يحققوا معنى العبودية لله تعالى في حياتهم كلها، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21]، وقال عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 31، 32].
| |
|