molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: المرض - سعد بن عبد الله العجمة الغامدي الثلاثاء 8 نوفمبر - 7:34:57 | |
|
المرض
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فإن من رحمة الله تبارك وتعالى بالمؤمن أن جعل كل أمره يحمل الخير العميم له ويسعد بذلك، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن الصابر المحتسب، بشرط أن يشكر الله عز وجل عندما يأتيه ما يسره ويصبر عندما يصيبه ما يضره، قال رسول الله : ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضَرَّاءُ صبر فكان خيرًا له)) رواه مسلم.
ومن الأمر الذي يحمل الخير للمؤمن حين ينزل به هو المرض الذي يكفر الله به من خطايا المؤمن، وهو معنى الوصب الذي ورد في الحديث عن النبي : ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وَصَبٍ ولا همٍّ ولا حَزَنٍٍ ولا أَذَى ولا غَمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّرَ الله بها من خطاياه)) رواه البخاري، ولفظه عند مسلم: ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يَهُمُّهُ إلا كَفَّرَ اللهُ به من سيئاته))، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي وهو يوعك فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا! قال: ((أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم))، قلت: ذلك بأن لك أجرين؟ قال: ((أجل، ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها من سيئاته، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها)) رواه البخاري ومسلم بألفاظ مختلفة. والوعك: مغث الحمى أو هو الحمى. وجاء عنه : ((إذا مرض العبد ثلاثة أيام خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) رواه الطبراني في الصغير والأوسط.
ومن هنا يُفهم أن البلاء والمرض رحمة للمؤمن في هذه الحياة الدنيا؛ ليكفر الله به عنه الخطايا، لا كما يفهمه بعض المسلمين بأن البلاء إذا نزل بالمؤمن أن ذلك من سخط الله عليه، وهذا هو المفهوم السائد عند كثير من المسلمين اليوم، وقال رسول الله : ((من يرد الله به خيرًا يصب منه)) رواه البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى، وقال رسول الله : ((إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)) رواه الترمذي وابن ماجة. ولما دخل رسول الله على امرأة مريضة فوجدها تَسُبُّ الحمَّى فَكَرِهَ ذلك وقال لها: ((إنها ـ أي: الحمى ـ تُذْهِبُ خطايا بني آدم كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد)). ويوم القيامة يتمنى أهل الصحة والعافية في الدنيا لو أن جلودَهم قُرِضَتْ بالْمَقَارِيضِ حين يُعطى أهلُ البلاء الثوابَ الذي ادَّخَرَهُ الله لعباده الصابرين على البلاء في الدنيا، قال رسول الله : ((يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يعطَى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت بالمقاريض)) رواه الترمذي.
ويجب على المسلم أن يصبر ولا يتسخط ولا يجزع إذا نزل به الضرّ، ويحتسب أجر ذلك عند الله عز وجل، ويصبر على قضاء الله وقدره، ويحسن الظن بربه، ويتذكر قول الله تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر: 10]، وعليه أن يكون بين الخوف والرجاء، يخاف عقاب الله بسبب الذنوب، ويرجو رحمة ربه جل وعلا، ومع ذلك الحب لله والطاعة والامتثال، ومهما اشتد به المرض فلا يجوز له أن يتمنى الموت لحديث أم الفضل رضي الله عنها أن رسول الله دخل عليهم وعباس عم رسول الله يشتكي، فتمنى عباس الموت، فقال له رسول الله : ((يا عم، لا تَتَمَنَّ الموت؛ فإنك إن كنت محسنًا فأنْ تُؤَخَّرْ تَزْدَدْ إحسانًا إلى إحسانك خير لك، وإن كنت مسيئًا فأن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك، فلا تتمنّ الموت))، وورد من حديث أنس مرفوعًا: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما دامت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)).
وعلى المسلم أن يطلب الدواء لمرضه، ولا ينافي ذلك التوكل أو الصبر والاحتساب، ومرد ذلك إلى النية التي يجدها المسلم في فؤاده، وهو أعرف بنفسه من غيره، والله أعلم سبحانه وتعالى بذلك وبغيره. روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل))، وفي المسند من حديث ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: ((إن الله عز وجل لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله)). ولكن على المسلم أن يتداوى بالمباح ويجتنب المحرم؛ لأنه لا يجوز له التداوي بالمحرم، لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) ذكره البخاري رحمه الله.
ويحرم تعليق التمائم واستعمال العزائم، فلا يجوز للمسلم أن يعلّق تميمة أو ودعة لقول رسول الله : ((من علق تميمة فقد أشرك))، وقوله : ((من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له))، وقوله أيضًا للذي أبصر على يده حلقة من صُفْر: ((ويحك! ما هذه؟)) قال: من الواهنة، قال: ((انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهْنًا، وإنك لو متَّ وهي عليك ما أفلحت أبدًا)).
ويجب على المسلم عيادة أخيه المسلم إذا مرض، وهذه من محاسن الإسلام التي تهاون بها المسلمون اليوم، ولا يزورون المرضى طلبًا للأجر ولوجوب الزيارة، وإنما هي للعادة المتعارف عليها أو للقرابة، وبعض المرضى من الرجال المتهاونين بصلاة الجماعة لا أحد يعلم عنهم إذا مرضوا لأنهم لا يحضرون المسجد ولا يشهدون صلاة الجماعة في غالب أوقاتهم ولا يُرون إلا يوم الجمعة، فلهذا لا يُفْتَقَدُون ولا يعلم عنهم أحد عن مرضهم حتى يُزاروا، وبعض المصلين يمرض بمرض ولا أحد يعلم عنه لأنه إذا سُئِلَ عنه عند غيابه وافتقاده في غيابه عن المسجد يقول: لماذا تسألون عني؟! فحال كثير من المسلمين اليوم يرثى له، حيث تركوا تعاليم الإسلام ورضوا بتطبيق جاهلية أعداء الإسلام.
وإن زيارة المرضى من الحقوق الواجبة على المسلمين بعضهم لبعض، والتي تربطهم وتجعلهم كالجسد الواحد والبنيان المتراصِّ والمتماسك، وتشعر المريض بأن له إخوة متى مرض افتقدوه وكانوا إلى جانبه في مرضه، يلازمونه ويقومون بالواجب نحوه ونحو أسرته وأولاده وماله، وهم يحوزون وينالون على فعلهم ذلك الأجر العظيم من الله جل جلاله، قال رسول الله : ((حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس))، وكذلك الحديث الذي رواه مسلم والذي قال فيه رسول الله : ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت ولم تعدني، قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلانًا مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟)) الحديث، وقال رسول الله : ((عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفُكُّوا العاني)). وبهذا يتبين وجوب عيادة المريض.
وأما ثواب الزائر للمريض فقد وردت أحاديث عديدة عن النبي ترغب في عيادة المرضى وتوضح ما للزائر من أجر جزاء زيارته لأخيه المسلم المريض، ومنها قول رسول الله : ((إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع))، قيل: يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال: ((جناها)) أي: ما يجتنى من الثمر. وعن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من مسلم يعود مسلمًا غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة))، والخريف: الثمر المخروف أي: المجتنى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال تعالى: وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ وَٱلَّذِى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ ٱلدِينِ [الشعراء: 80-82].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وتعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه.
أما بعد: فإن زيارة المرضى تدعو المسلم الصحيح المعافى في بدنه للتذكر والشكر لله عز وجل على نعمه وآلائه، ومنها نعمة الصحة التي يجب أن يستعملها في طاعة الله، وأن لا تضيع عليه فيما لا يرضي الله أو في التهاون والتكاسل عن عبادة الله، وعيادة المرضى أيضًا تذكر الإنسان بالموت، وحتى لا يسرح ويمرح ويغدو ويروح في هذه الحياة الدنيا دون يقظة واعتبار، وتكون الزيارة أكثر اعتبارًا وتذكرًا عند الزيارة في المستشفيات ولأصحاب الأمراض المزمنة أو المروعة وعند قرب الموت ودُنُوِّ الأجل.
وعلى الزائر أن يُطَيِّبَ خاطر المريض ويدعو له ويمسح بيده اليمنى على رأسه، ومن الدعاء المأثور عن الرسول : ((اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا))، وكان يضع إصبعه في الأرض ثم يرفعها ويقول: ((بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشْفَى به سَقِيمُنا، بإذن ربنا))، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي قال: ((من عاد مريضًا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه الله من ذلك المرض)). وكان من هديه إذا دخل على من يعوده قال: ((لا بأس، طهور إن شاء الله)). وعلى الزائر أن لا يُطِيلَ الجلوس عند المريض، فلربما تأذى من ذلك لما نعلمه جميعًا.
ولا بأس على المريض إذا سئل عن مرضه وحاله أن يخبر زائره بما يجد على سبيل الإخبار لا بقصد الشكوى، ولا كراهة في الإخبار إذا لم يكن على سبيل التسخط وإظهار الجزع أو أنه يشكو حاله ومرضه إلى المخلوقين، كما يقول بعض الناس: أنا ماذا عملت حتى يصيبني الله بهذا المرض؟! أو: أنا لم أفعل ما يغضب الله، أو: لم أقترف ذنبًا، أو أي كلام من هذا القبيل الذي يجري على ألسنة بعض الناس، فمتى كان الإخبار على هذا الحال فهو شكوى يشتكي فيها الخالقَ سبحانه إلى المخلوقين وهذا هو المنهي عنه، وهو بفعله هذا يُذْهِبُ أجرَه ولا حظَّ له في مرضه ذلك الذي جعله الله رحمة له وتكفيرًا لسيئاته، وأما إن كان عن طريق الإخبار كما سبق فإن ذلك جائز للأحاديث المروية في هذا عن النبي من حديث ابن مسعود وسعد بن أبي وقاص رضي الله وعائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وعلى المريض أن يعلم أولاً وأخيرًا وقبل كل شيء أن الشفاء بيد الله ومن عنده سبحانه، فهو الذي أنزل الداء وهو الذي يرفعه، وما على المريض إلا بذل السبب مع طلب الشفاء من الله تعالى.
| |
|