molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشباب والزواج (1) - سامي بن عبد العزيز الماجد الثلاثاء 8 نوفمبر - 3:21:19 | |
|
الشباب والزواج (1)
سامي بن عبد العزيز الماجد
الخطبة الأولى
أيها الأحبة في الله، الذكر والأنثى طرفا الزوجية، وقاعدة في الخلق عريضة، تتجاوز بني الإنسان لتشمل الحيوانات والنبات وما سوى ذلك، ولا يخلق أحدهما إلا وله شطر، وله بقية تقتضي وجوده ضرورة لامتداد الحياة وعمارة الأرض، وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الذاريات:49]، سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ [يس:36].
لقد ركب في الذكر ميله الفطري للأنثى، كما ركب في الأنثى ميلها الغريزي للذكر، ولله في ذلك الحكمة البالغة، فهو ميلٌ فطري طبيعي، له وظيفته في الحياة، وظيفةُ بقاء النوع وحفظِ النسل.
ولا بد لهذه الوظيفة أن تُؤدَّى؛ ضمانًا لبقاء النوع، ومن أجل ذلك ركب في فطرة الإنسان دوافعُ غريزية جعلته يؤدي هذه الوظيفةَ وهو في أغلب الأحوال غيرُ شاعرٍ بها ولا قاصدٍ لها، إنما قصده إفراغُ شهوته وقضاءُ نَهمته، مدفوعًا إليها بدافع الفطرة.
والإسلام يمتاز بواقعيته ومراعاته للفطرة، فجاءت تشريعاتُه وتكاليفُه لتهذِّب الفطرة وترفعَها، لا لتكبتَها وتقمعَها؛ فراعتْ ذاك الميلَ الفطري الذي يحسه كل طرف تجاه الآخر، وأقرّته إقرارًا يضمن السلامة ويأمن العاقبة، وليس هو بالإذن المطلق الذي يُفضي إلى الفوضى، وأخذت تشريعاته ترتقي بهذه الفطرة صُعدًا إلى حيث تكون كرامة الإنسان في علياء بعيدًا عن النزوات البهيمية، قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المعارج:29].
والإسلام حين شرع حد الزنا لم يكن غافلاً عن الدافع الفطري أو محاربًا لها، فقد علم الله جل جلاله أن لا حيلة للبشر في دفع هذه الميول الغريزية، ولا خير لهم في كبتها واستئصالها، إنما أراد سبحانه أن يهذب هذه الفطرة ويوجهها الوجهة التي لا يكون معها فسادٌ ولا فوضى، والنفس حين تجمح بها الفطرة عن سواء الصراط لا بد من قسرها وزجرها، ولا بد أن يقام لها زاجر يردّها إلى الصراط كلما ندّت.
والغريزة لا ترتقي إلا بالتهذيب والضبط وبتضمينها غاياتٍ أسمى من مجرد إتيان الشهوة وإشباع الرغبة، ولا يكون ذلك إلا حين تحاط الغريزة نفسُها برباط مقدسٍ يقيِّدها ويقرنها بتبعاتٍ ومسؤولياتٍ، تجعل الإنسان مؤديًا لوظيفة لا مجرد ستمتعٍ بشهوة.
لقد شرع الإسلام الزواج طريقًا أوحدَ لإشباع هذه الغريزة، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، وهذا في نظر العقلاء ضبطٌ للغريزة لا كبتٌ لها.
إن الكبت يعني حبس النفس عن إشباع غريزتها، وما هو إلا الترهبُ الذي حرّمه الإسلام، وأنحى على فاعليه الراغبين عن الزواج تعبدًا لله وتقربًا إليه، فقال : ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)).
والذين يحذِّرون من الكبت وما ينشأُ عنه من إضرارٍ وعقدٍ نفسيةٍ سيجدون الإسلامَ قد سبقهم إلى محاربة الكبتِ والتحذيرِ منه، وذلك بالنهي عن التبتل، وحثِّ الشباب على الزواج، ودعوةِ المجتمع إلى تيسيره. فقد صح عنه أنه كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيًا شديدًا، ويقول: ((تزوجوا الودود الولود؛ إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة))، وصح عنه أنه قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه لو وِجاء))، وقال الله: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].
لقد سمّى اللهُ الزواجَ إحصانًا أي: وقايةً وصيانة، ويستقر في أخلاد المؤمنين أن البقاءَ بدون إحصانٍ ولو فترة قصيرة أمر لا يحبذه الشرع؛ فهذا الإمام علي يقول وقد سارع بالزواج بعد وفاة زوجِه فاطمة: (لقد خشيت أن ألقى الله وأنا ع+).
إن أقوى ما تكون هذه الشهوة في سن الشباب، فإن لم يتيسّر له وضعُها في الحلال فيوشك أن يضعها في الحرام؛ لشدة منازعتها وتأججها إلا من عصم اللهُ، فلما كان في النكاح استعفافٌ عن الحرام كان مبتغيه مأجورًا عليه لهذا المعنى.
وكما يكون مأزورًا إن وضعها في الحرام فهو مأجورٌ إن وضعها في الحلال، وجاء في الحديث: ((وفي بضع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكون له فيها أجرٌ؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر)).
أيها الآباء الكرام، ما منا أحدٌ إلا وهو يكره أن يرى شابًا من شباب المسلمين قد زلّت به قدمه إلى فاحشةٍ؛ فأصبح غرضًا مستهدفًا لشبكات البغاء والدعارة، وما منا من أحد إلا ويغار على حرمات المسلمين أن تنتهكَ وتَلغَ فيها الذئاب، وما منا من أحد إلا وهو كارهٌ أن تشيعَ الفاحشةُ في مجتمعات المسلمين. فلماذا إذن كل هذا الإشقاق والإعناتِ في الزواج؟! لماذا إذا جاءنا أحدُهم يطلب الأمر من حِلّهِ ويطرقُ الحلال من بابه أوصدناه دونه وأقمنا له من الأحمال ما يثقل كاهله ويعوزُه للديون ويكرِّهُه في طِلبته؟! أهكذا تكون إعانتُنا له على ابتغاء الحلال وتيسيرُه له؟!
سيقول بعض الآباء: معاذَ الله أن نكون قد قصدنا كل هذا الإشقاقِ والإعنات للخاطب ونحن الذين قد رضيناه لبنتِنا زوجًا، وفرِحْنا لرغبته في الحلال عن الحرام.
ونحن نقول: وما الفائدة أن نكون قاصدين له العنت أو غيرَ قاصدين فرحِين لابتغائه الإحصان أو غير فرحين إذا كان الواقع هو هذا؛ مغالاةً في المهور، وبذخًا في الأعراس، وإعناتًا في الشروط؟!! وما أثرُ سلامةِ النية وبراءتِها عن هذا القصد إذا كانت النتيجةُ واحدة؟!
كم هو عجيب أمرنا! نتذاكر سماحة الإسلام ويُسرَه إذا توجّهت إلينا تكاليفُه، فإذا جاءنا خاطبٌ يبتغي العفاف في النكاح نسينا سماحةَ الإسلام ويُسرَه، وتذكّرنا شيئًا واحدًا، وهو أن بناتِنا لسْن بأقل حظًا ولا قدرًا من غيرهن، وكأننا في سباق مضاهاةٍ وسمعة.
فلندرك أن سماحة الإسلام في تكاليفه ويُسرَه في تشريعاته فيه تربية لنا على السماحةِ وتعويدٌ لنا على التيسير؛ فلْنتَحَلَّ بحُلّة الإسلام، ولنجعل من سماته سَمتًا لنا في سلوكنا وأخلاقنا.
لنتذكّر ـ ونحن مصرّون على تعسير الزواج ـ أنَّ الفاحشةَ قد ذلِّلتْ أسبابُها للشبابِ تذليلاً، وكثرت أمامَهم مُغرياتُها، وبرزت للعِيان إغراءاتُها، وصارت غرضًا قريبًا، والسفر إليها قاصدًا غيرَ بعيد الشقة؛ فلنجعل من سُبُلِ مجاهدة الفاحشة تيسير عقبات الزواج؛ تطهيرًا للمجتمع من نتنِها وفتنتها.
ولنتذكر أن تواطؤَنا على هذا الإعنات قد يدفع كثيرًا من شبابِنا إلى ابتغاء الحرام؛ فالحلال قد تعسَّر لهم، ولا بد لهم من إشباع الغريزة، وهم مع ذلك ملومُون غيرُ معذورين، فلا نكن عونًا للشيطان عليهم.
وأين نحن من فعل لوط عليه السلام يوم دعا قومَه للزواج ببناتِه ليصرفهم عن الفاحشة؟! وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:78، 79].
إن الأمر الذي يعالجه نبينا لوطٌ عليه السلام هو ولا شك مغايرٌ للأمر الذي نحن بصدد الحديث عنه بعضَ المغايرةِ، من حيث دعوته قومه إلى الزواج ببناتِه الطاهرات العفيفات، وهو الذي لم يَخْفَ عليه فجورُهم، وما اضطره إلى ذلك إلا درءُ مفسدةٍ أكبر، وهي عزمهم الصارم على فعل الفاحشة بضيفه، إلا أنه مع ذلك تَبقى له دلالتُه الظاهرةُ على أن من سبل محاربة الفاحشة تيسيرَ أمر الزواج.
إن الدعوةَ إلى تيسير الزواج لا تعني الرضا بأي خاطب، بحيث تُزفُّ العفيفةُ للفاجر، وتُزوَّجُ ذاتُ الخلق بسيئ الخلق، إنما هي دعوة تتمثّل وصيةَ رسول الله : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفساد عريض)).
نعم، نريد من شبابِنا أن يُعظِّموا رباطَ الزواجِ المقدَّس، وأن يقدُروه حقَّ قدره، ويستشعروا مسؤوليتَه، ولكن ليس من تعظيم رِباطه المقدّسِ أن نُشقّ على طالبيه بفرض الرغبات ونجعلَ من أموالهم مادةً للمباهاة. وليس من تعظيم مسؤوليتِه في أعينهم أن نُعْنِتَهم بفرضِ الشروط والمغالاة والبذخِ، بل ما أكثر ما يكون ذلك سببًا في الشقاق وتأجيجِ النزاعِ لأتفه الأسباب.
لو كانت المغالاةُ في المهور والبذخُ في الأعراس يزيدُ من تعظيم الشباب لرباط الزواج المقدس إذن لشرعه الإسلام سبيلاً يهدف إلى هذا المقصد الشرعي، ولَمَا قال : ((خير النساء أيسرهن صداقًا))، ولما نهى عمر عن المغالاة في المهور تأسّيًا برسول الله : (ألا لا تغالوا في صُدُق النساء ـ أي: مهورهن ـ، فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسولُ الله ، ما أصدق امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثنتي عشرةَ أوقية).
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية
أما بعد: فإن تعظيم الرباطِ المقدس لا يكون بالإشقاق والمغالاة، كما أن تذليلَ الطريقِ إليه لا يكون سببًا للاستخفافِ به.
إن من تعظيم رباط الزواج المقدس أن لا يرضى الولي لفتاته إلا من رضي منه دينَه وخلقَه، وإن من الاستخفاف بالرباط المقدس أن يزوجَها من يعلم أنه ليس لها بأهل في دينٍ ولا خُلُقٍ.
وإن من الاستخفاف برباطِ الزواجِ المقدس أن يزوج الولي فتاته لأول خاطبٍ قبل أن يتحرَّى بالسؤال عن دينه وخلقه، فهذا استخفاف به ولا شك ولو غالى في مهرها أو بذخ في زفافها.
ولا بد هنا من لفتة إلى مسألة مهمة وهي أن التحري عن الخاطب يجب أن يكون في الخلق كما يكون في الدين، فلا يدفع الولي إعجابُه بِشَارَتِه وسَمْتِه وصلاحِ ظاهرِه إلى أن يتساهلَ في التحري عن خُلُقِه، فالدين معاملةٌ، كما هو عبادة، وإنما قال الرسول : ((من ترضون دينه وخلقه))، فنصَّ على الخُلق، لأن الزواج علاقة وطيدة بين روحين وجسدين، ولا صلاح لهذه العلاقة إلا بحسنِ الخلق والمعاملة، ولذا قال بعض السلف: "إذا زوَّجت ابنتك فزوجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها".
إذا أردنا أن يعظّم شبابُنا رباطَ الزواجِ المقدّسَ فلنُهيِّئهم لذلك بعُدَّتِه الصالحة، وبالتربية الفاضلة التي تجعلهم يُعظّمون حقَّ كلِّ ذي حق، ويأخذون الإسلام بشموليته، فلا يقدّمون مفضولاً على فاضل ولا مهم على أهم.
ولن يعظم شبابنا رباطَ الزواجِ المقدس ما لم يفهموا طبيعة العلاقة بين الزوجين، وأن يدركوا مقاصد الزواج، ويعرفوا حقَّ كلِّ طرف على الآخر.
ينبغي قبل أن يُقدمَ الشاب على الزواج أن يتذكّرَ أن الله سمى النكاح ميثاقًا غليظًا، وجعله سكنًا يتبادل فيه الزوجان المودةَ والرحمةَ، وأن يتذكّر بأن الزواج علاقةٌ بين روحين ونفسين قبل أن يكون علاقة بين جسدين، وأن يتفهّم مع ذلك طبيعةَ المرأة وأن يستحضرَه كلَّ حين؛ حتى يعرفَ كيف يعالجُ الأمور ويسددُ النقص والخلل.
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم حبب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين...
| |
|