molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: صلاة الفجر الفريضة الضائعة - سامي بن بشير علي حافظ الثلاثاء 8 نوفمبر - 3:00:22 | |
|
صلاة الفجر الفريضة الضائعة
سامي بن بشير علي حافظ
الخطبة الأولى
ثمة مشهد أراه كل يوم ويراه بعضنا، هو ليس مشهدًا طريفًا، بل والله إنه مشهد محزن يصيبني بالضيق والحزن حين أتذكره، المشهد باختصار هو مشهد الساعة الخامسة والنصف فجرًا في هذه الأيام، والمشهد الآخر مشهد الساعة السابعة صباحًا. هل قارنت بين هاتين الساعتين وتأملت فيهما جيدًا؟!
واقع المشهد الأول في الساعة الخامسة والنصف فجرًا، والتي هي وقت أذان الفجر، الكون بظلمته يعمه الهدوء والسكينة، لا تسمع سوى خطوات لطائفة موفقة من الناس توضأت واستقبلت بيوت الله، تتهادى بسكينه لأداء صلاة الفجر، إما تسبح وإما تستاك في طريقها إلى بيوت الله لأداء فريضة الله، بينما هناك أمم كثيرة من المسلمين أضعاف هؤلاء لا يزالون في فرشهم نياما، سمعوا الأذان ولكنهم استجابوا لنصيحة الشيطان: عليك ليل طويل فارقد.
ثم ننتقل لمشهد الساعة السابعة صباحًا، والتي يكون وقت صلاة الفجر قد خرج وطلعت الشمس وبدأ وقت الدراسة والدوام، فتتحول الشوارع والطرقات وكأنما أطلقت في البيوت صافرات الإنذار، حركة للسيارات، وطرقات تتدافع، وزحام شديد، والنائمون قد استيقظوا من سباتهم العميق ليلحقوا بأمور دنياهم حتى لا تفوتهم الأموال وتخصم عليهم الرواتب والدرجات.
أيها المؤمنون، هل هناك عيب أن يهتم الناس بأرزاقهم؟! هل هناك عيب بأن يهتم الناس بحصول أبنائهم على شهادات يتوظفون على أساسها؟! طبعًا لا، بل هذا شيء محمود، ومن العيب أن يبقى الإنسان عالة على غيره. ولكن العيب كل العيب والمصيبة العظمى أن يكون الدوام والشهادات أعظم في قلب الإنسان من الصلاة.
هل تعلمون -أيها المؤمنون- أن أحد الموظفين وهو طبيب ومثقف يقول: بأنه منذ أكثر من عشر سنوات لم يصل الفجر إلا مع وقت الدوام، ويقول آخر: إنهم في استراحتهم التي يجتمعون فيها، وفيها ثلة من الأصدقاء من الموظفين من طبقة متعلمة، يقول: إننا قمنا مرة بمكاشفة من فينا الذي يصلي الفجر في وقتها؟ فلم نجد بيننا إلا واحدًا من الأصدقاء قال لهم: إن زوجته هي التي توقظه للصلاة. يا الله! هل صارت الوظيفة والمدرسة التي هي طريق الشهادة والمال أعظم في قلوبنا من عمود الإسلام؟!
هذه المقارنة الأليمة بين الساعة الخامسة والنصف والسابعة صباحًا هي أكثر صورة محرجة تكشف لنا كيف صارت الدنيا في نفوسنا أعظم من ديننا، بل وانظر إلى ما هو أعجب من ذلك، فكثير من الناس ممن يُخرج صلاة الفجر عن وقتها إذا تأخر عن دوامه يحصل له من الحسرة في قلبه والألم ما لا يحصل له إذا أخرج الصلاة عن وقتها. قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ.
أخي الغالي، أليس يصدق على هؤلاء قوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى؟!
أيها المسلمون، نعم إنها الصلاة أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، إن إخراج الصلاة عن وقتها المحدد كبيرة من كبائر الذنوب، بل يقول الشيخ محمد ابن عثيمين بأن الذي يصلي الفجر بعد طلوع الشمس متعمدًا فصلاته غير مقبولة ومردودة عليه، لأن الله تعالى يقول: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا، فهي محددة بوقت، ومع ذلك يجب عليه أن يصليها متى استيقظ قضاء كما يقول العلماء.
ومن الناس من يصلي الفجر حين يستيقظ لدوامه الوظيفي، سواء كان الساعة السابعة أو الثامنة، المهم حين يستيقظ للدوام، ولكن حين لا يكون لديه دوام تجده لا يقوم، ويصليها متى قام: الساعة العاشرة أو الحادية عشرة أو مع صلاة الظهر أو ربما لا يصليها، وكلهم على خطر عظيم.
أخي الحبيب، يا من تركت صلاة الفجر وتهاونت فيها حتى أخرجتها عن وقتها، ألم تعلم أن الذي ينام عن الصلاة المكتوبة متعمدًا متوعد بالعذاب الشديد في قبره؟! أخرج البخاري عن سمرة بن جندب أن النبي قال في حديث الرؤيا الطويل: ((إنه أتاني الليلة آتيان -جبريل وميكائيل-، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه، فيتدهده الحجر ها هنا، فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه، فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى، قال: قلت لهما: سبحان الله! ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق))، وفي آخر الحديث قالا للنبي : ((أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة)). ويقول تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ اتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. يقول ابن مسعود : (غي واد في جهنم، بعيد قعره، خبيث طعمه، أعده الله لمن أضاع الصلاة). وضياعها المقصود به تأخيرها عن وقتها وليس تركها، فكيف يكون إذًا عذاب من تركها بالكلية؟!
يا من تركت صلاة الفجر وتهاونت فيها، ألم تعلم أن من ترك صلاة الفجر يُضرب عليه الكسل طوال يومه ويشعر بضيق في صدره ويصبح خبيث النفس كسلان؟! فقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس +لان)). قيل: إن الصلاة المذكورة هنا قيام الليل، ولا ريب أن صلاة الفجر تدخل في الحديث، ويؤيد هذا أنه قال: ((وإلا أصبح)).
ألم تعلم أن الذي ينام عن صلاة الفجر فقد استحوذ عليه الشيطان واستهزأ به؟! فقد أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: ذكر عند النبي رجل فقيل: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: ((بال الشيطانُ في أذنه)). والصلاة المذكورة هي الفجر، ومعنى ((بال الشيطانُ في أُذنه)) قيل: إن الشيطان استولى عليه واستخف به حتى اتخذه كالكنيف المُعد للبول إذ من عادة المستخف بالشيء أن يبول عليه.
ألم تعلم -يا من تركت صلاة الفجر وتهاونت عنها- أن من ترك صلاة الفجر ضرب على قلبه النفاق؟! فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((أثقلُ الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقام، ثم آمر رجُلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معي برجال معهم حُزَم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأُحرّقَ عليهم بيوتهم بالنار)) رواه البخاري ومسلم.
وكان رسول الله إذا شكَّ في إيمان رجلٍ بحث عنه في صلاة الفجر، فإن لم يجده تأكد عنده الشك الذي في قلبه. فقد أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي بن كعب قال: صلى النبي صلاة الصبح ثم قال: ((أَشَهِدَ فلان الصلاة؟)) قالوا: لا، قال: ((ففلان))، فقالوا: لا، فقال: ((إن هاتين الصلاتين -أي: الصبح والعشاء- من أثقل الصلاة على المنافقين، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)). وروى ابن أبي شيبة بسندٍ صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا إذا فقدنا الرجل في صلاة الفجر والعشاء أساءنا به الظن.
فالمحافظة على هاتين الصلاتين معيار صدق الرجل وإيمانه، ومعيار يُقاس به إخلاصه، لأن ما سواهما من الصلوات قد يستطيعها المرء لمناسبتها لظروف العمل ووقت الاستيقاظ، في حين لا يستطيع المحافظة على الفجر مع الجماعة إلا الحازم الصادق الذي يرجى له الخير.
أخي الحبيب، يا من تهاونت في هذه الصلاة، ألم تعلم أن من ترك صلاة الفجر متعمدًا فقد برِئت منه ذمة الله ورسوله؟! فقد أخرج الإمام أحمد عن أم أيمن قالت: قال رسول الله : ((لا تترك الصلاة، فإنه من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله)) صححه الألباني في الترغيب والترهيب.
ومما لا شك فيه أن من تعمد ضبط المنبه على الساعة السابعة أو الثامنة -أي: بعد الشروق- هو ممن تعمد ترك صلاة الفجر.
أيها النائم، أيها الغافل، كيف تنام قرير العين وربك يدعوك: "حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح"، وحبيبك يخبرك بأن الصلاة خيرٌ من النوم. فأنت بفعلك هذا تقول بأن النوم خير من الصلاة. فمن آثر لذة الوسادة على لذة العبادة فقد السعادة.
فيا غافلًا، متى تستيقظ من غفلتك؟! هل تستيقظ عند السكرات وعند القبر والظلمات؟! فهيا هيا لا تحرموا أنفسكم تلك الخيرات، فكل شيء يهون إلا ترك الصلوات. ووالله، إن لذة الدقائق التي تنامُها وقت الفجر لا تعدل ضمةً من ضمات القبر أو زفرة من زفرات النار.
أخي الحبيب، يا من ضيعت صلاة الفجر، أريد أن أهمس في أذنك بسؤال وأرجو الإجابة بصدق: ما حالك عندما تفوتك صلاة الفجر في جماعة؟ هل بكيت مرة؟ هل ندمتَ على تركها؟ هل تشعر بحرقة عند فواتها؟ هل تستغفر من هذا الأمر؟ أم أنك تنام وتقوم قرير العين وكأنك ما قصرت وما أذنبت وقد يتكرر منك هذا مرات ومرات ولم يتمعر وجهك ولم يحترق قلبك.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه والغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام وصلاة على المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الجزا.
وبعد: ربما تقول لي: لا أستطيع أن أستيقظ لهذه الصلاة؛ وذلك لثقل نومي وصعوبة الأمر.
فأقول لك: هب أنك على سفر وأن الطائرة ستقلع في تمام الساعة الثالثة أو الرابعة صباحًا، هل ستتخلف عن الميعاد؟! الجواب: طبعًا لا، فلماذا لا تحرص على صلاة الفجر كحرصك على موعد السفر؟!
كذلك، أوَلست تحرص على الاستيقاظ قبل ميعاد العمل حتى تصل إلى العمل في الموعد المحدد مخافة اللوم من المدير أو خشية الخصومات من المرتب، فكيف استيقظت لعملك ودوامك مع أنه كل يوم ولم تجد لذلك مشقة، بل ربما لو نمت متأخرًا من الليل لقمت مسرعًا إلى الدوام ولا تقول: إنك تعب ولم تنم طول الليل! بل والله لو كان عملك ووظيفتك الساعة الثالثة ليلًا أو الرابعة فلن تتخلف عنها، فما بالك بصلاة الفجر التي هي خيرٌ من الدنيا وما فيها؟! فهل حرصت -يا محب- على صلاة الفجر كحرصك على ذهابك لعملك؟!
تخيل لو أن رجلًا من الأغنياء وعدك بأنه سيعطيك ألفًا من الريالات في وقت الفجر، هل ستتخلف عن القيام وتتعلل بأنك نمت متأخرًا أم ستقوم في جد ونشاط لتحصيل الألف ريـال؟! وهل تحب أن يكون معك مال الدنيا في قبرك وليس معك صلاة الفجر أم يكون معك صلاة الفجر وليس معك ريـال واحد؟!
والله، من أراد الاستيقاظ والمحافظة على هذه الصلاة فسيقدر على ذلك، ولكن الأمر يحتاج إلى عزيمة وإرادة قوية جادة، وليس مجرد أمنية يتمناها المرء.
أخي، والله إني مشفق عليك، ومحب لك الخير، فأفق من سباتك، وحافظ على هذه الصلاة في وقتها مع جماعة المسلمين من الغد، فالأمر سهل ويسير على من يسره الله له. وتذكر أنك لو ملكت أموال الدنيا كلها وتهاونت في هذه الصلاة، فلن تنفعك أموالك ولن تنجيك من عذاب الله، فأفق قبل الندم وقبل حلول الموت.
| |
|