molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: قراءة في نصيحة سماحة المفتي بشأن خروج الشباب للجهاد- سالم بن مبارك المحارفي الثلاثاء 8 نوفمبر - 2:53:43 | |
|
قراءة في نصيحة سماحة المفتي بشأن خروج الشباب للجهاد
سالم بن مبارك المحارفي
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى, وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
معاشر المسلمين، من أجلّ صفات العلماء الربانيين أنهم يخلصون النصيحة للناس, ويدعونهم للخير والفلاح, ويهدونهم للفوز والنجاح, ويحذّرونهم من مغبة مخالفة أمر الله تعالى وأمر رسوله ؛ وذلك لأن أهل العلم ورثة الأنبياء, ومن شأن الأنبياء أن يمحضوا النصيحة للمؤمنين, قال تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 62], وقال تعالى: وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [هود: 34]. وفي الحديث الصحيح قال : ((الدين النصيحة)), قالوا: لمن؟ قال: ((لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم)) رواه مسلم.
أيها المسلمون، تناولت الصحف في الأيام الماضية نصيحة سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ حفظه الله تعالى, وقد وجهها سماحته لأبنائه الشباب في هذه البلاد الطيبة بلاد الحرمين الشريفين حينما حملتهم الغيرة على أعراض المسلمين المنتهكة وحركتهم الدماء التي تسيل من عروق إخوانهم المضطهدين على أيدي أعداء الملة والدّين في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، وحرَّكتهم تلك المشاهد الدموية التي تذاع في اليوم والليلة عبر وسائل الإعلام عن مقتل بعضهم وهدم بيوتهم وانتهاك حقوقهم وسلب أموالهم؛ مما جعل الشباب ينظرون للمستقبل نظرةً ملؤها الشؤم واليأس, ولم يجدوا من الحكومات القريبة والبعيدة من تنتصر لهم وترفع الضر عنهم وتنادي للجهاد في سبيل الله تعالى. هذا وغيره دفع ببعض الشباب ـ وفقهم الله لكل خير وهداهم سواء السبيل ـ أن يبذلوا النصرة لإخوانهم هناك بأنفسهم وأموالهم, ولم يرقبوا في ذلك طاعة آبائهم ورضاهم ولا إذن ولاة أمر المسلمين في هذه البلاد وطاعتهم.
ولا شك أن الدافع لهؤلاء الشباب الحماسةُ لدينهم وغيرةً عليه, لكنهم لم يبلغوا في العلم مبلغًا يميزون به بين الحق والباطل, فكان هذا سببًا لاستدراجهم والإيقاع بهم من قبل أطراف مشبوهة, وأصبحوا أداةً فتاكةً في أيدي أجهزةٍ خارجيةٍ تعبثُ بهم باسم الجهاد الذي يحبونه وجاؤوا من أجله, يحقّقون بهم مآربهم, وينفذون أهدافهم, في عملياتٍ غاية في القذارة والقباحة, هي أبعد ما تكون عن الدّين الحنيف, حتى بات شبابنا سلعةً تباع وتشترى لأطراف شرقية وغربية, لأهداف وغايات لا يعلم مدى ضررها على الإسلام والمسلمين إلا الله سبحانه.
أيها الشباب المسلم، لقد ترتب على الذهاب للخارج بحجة الجهاد مع كون الأوضاع مضطربة والأحوال ملتبسة والرايات غير واضحة, ترتب على ذلك مفاسد عظيمة, منها:
أولاً: عصيان ولي أمرهم والافتيات عليه, وهذا من كبائر الذنوب, قال : ((من أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي)) رواه البخاري, ويقول : ((السمع والطاعة على المرء فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) رواه البخاري, والأدلة في تحريم معصية ولي الأمر كثيرة.
ثانيًا: وُجد من بعض الشباب ـ وفقهم الله لكل خير ـ الذين خرجوا لما يظنونه جهادًا خلعُ بيعةٍ صحيحةٍ منعقدةٍ لولي أمر هذه البلاد الطاهرة بإجماع أهل الحل والعقد, وهذا محرّم ومن كبائر الذنوب, يقول النبي : ((من خلع يدًا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له, ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)) رواه مسلم.
ثالثًا: وقوعهم فريسةً سهلةً لكل من أراد الإفساد في الأرض واستغلال حماستهم حتى جعلوهم أفخاخًا متحركةً يقتلون أنفسهم لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية لجهاتٍ مشبوهة من حيث لا يشعرون.
رابعًا: استغلالهم من قبل أطرافٍ خارجيةٍ لإحراج هذه البلاد الطاهرة وإلحاق الضرر والعنت بها وتسليط الأعداء عليها وتبرير مطامعهم فيها. وقد تبيّن في الواقع حدوث عمليات تفجيرية بأيدي الأعداء لإحداث فوضى بين المسلمين, ولتسويغ مهاجمتهم وقتلهم واحتلالهم، وإحياء فتنة الطائفية لينشغلوا بقتل بعضهم بعضًا في حين يتسنى لهم نهب خيرات بلاد المسلمين وهم عنهم غافلون.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء: 59].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة, ونفعنا بما فيهما من البينات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله.
الخطبة الثانية
معاشر المسلمين، من المتقرِّر في الشريعة الإسلامية السمحة في أمر الجهاد في سبيل كونه من خصائص ولاة الأمور, وعليهم يقع واجب إعداد العدة وتجهيز الجيوش, ولهم الحق في تسيير الجيش والنداء للجهاد وتحديد الجهة التي تقصد والزمان الذي يصلح للقتال, إلى غير ذلك من أمور الجهاد كلها موكولة لولي الأمر, بل إن علماء الأمة أهل الحديث والأثر قد أدخلوا ذلك في كتب العقائد, وأكدوا عليه في كلامهم. قال الحسن البصري رحمه الله في الأمراء: "هم يلون من أمورنا خمسًا: الجمعة والجماعة والعيد والثغور والحدود, واللهِ ما يستقيم الدّين إلا بهم وإن جاروا وظلموا, واللهِ لما يصلح الله بهم أكثر مما يفسدون, واللهِ إن طاعتهم لغيظ, وإن فرقتهم لكفر"، وقال الطحاوي رحمه الله: "والحج والجهاد ماضيان مع ولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى يوم القيامة, لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: "ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع والأمراء, أبرارًا كانوا أو فجارًا".
وهذا الأمر ولله الحمد مستقرٌ عند أهل السنة والجماعة أن لا جهاد إلا بأمر الإمام وتحت رايته, والأصلُ في هذا قول النبي : ((وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ من وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ، فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَعَدَلَ فإن له بِذَلِكَ أَجْرًا، وَإِنْ قال بِغَيْرِهِ فإن عليه منه)) أخرجه البخاري ومسلم. وعلى هذا جرى إجماع الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من سائر المسلمين.
قال سماحة المفتي: "وعليه فإن الذهاب بغير إذن ولي الأمر مخالفة للأصول الشرعية وارتكاب لكبائر الذنوب, والمحرض لهؤلاء أحد رجلين:
إما جاهلٌ بحقيقة الحال, فهذا يجب عليه تقوى الله عز وجل في نفسه وفي بلاده وفي المسلمين وفي هؤلاء الشباب, فلا يزج بهم في ميادين تختلط فيها الرايات وتلتبس فيها الأمور, فلا تتضح الراية الصحيحة من غيرها, ويزعم أن ذلك جهاد.
وإما رجل يعرف حقيقة الحال ويقصد إلحاق الضرر بهذه البلاد وأهلها بصنيعه هذا, فهذا والعياذ بالله يخشى عليه أن يكون من المظاهرين لأعداء الدّين على بلاد التوحيد وأهل التوحيد, وهذا خطر عظيم.
أيها المسلمون، هذه الشريعة الإسلامية شريعة ربانية, جاءت كاملةً غير منقوصة, تامةً غير قابلة للزيادة, هاديةً لا ضلالةَ فيها, مستقيمةً لا اعوجاجَ فيها, وإن الحقَ أبلجُ لا غيايةَ عليه, يراه كلُ من فقه في دين الله وتعلم أحكامه واهتدى بهدى أهل البصيرة والنور واستمسك بغرزهم ووسعه ما وسعهم, فاتبع ولم يبتدع, وأخذ الهدى وطرح الهوى, وصبر وصابر, ولم يغتر ويكابر, والحماسة قرينة العقل, فإن خلت منه كانت تهورًا, والأمة بحاجةٍ إلى قوة الشباب وحكمة الشيوخ, فمن كان مع الجماعة هدي إلى صراط مستقيم, ومن فارقها قيد شبرٍ ضل ضلالاً بعيدًا.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]...
| |
|