molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة - زيد بن عبد الكريم الزيد الأحد 6 نوفمبر - 4:13:46 | |
|
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة
زيد بن عبد الكريم الزيد
الخطبة الأولى
في النصوص الشرعية دروس، وفي التاريخ عبر، يقول الله جل شأنه: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ [البقرة:152]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
من الناس من يقول الله جل شأنه عنهم: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16].
ومن الناس من لا يعرف الله إلا في الشدة, أما في الرخاء فَلَهْو وغفلة ومعاصي فَإِذَا رَكِبُواْ فِى ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ [العنكبوت:65]. ويقول جل شأنه: فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ ءامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَـٰفِرُونَ [غافر:84، 85].
هذه ـ يا عباد الله ـ النصوص الشرعية التي تبين حال المسلم وغيره، والكل مضطر إلى ربه، لا غنى له عنه، يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ [فاطر:15].
فريق ذاكر لله محافظ على طاعته، في رخائه مصلّ, في رخائه متصدق, في رخائه متذكر لأهل الحاجة والفاقة, في رخائه كثير الدعاء .
وفريق في لهو وغفلة، في صلاته متكاسل، أو متهاون، لا يعرف في ماله حقاً لمسكين أو فقير أو قريب، لا يعرف الدعاء ولا صلة له به .
فماذا كانت نتيجة الغافلين عن الله جل شأنه؟ وما كانت نتيجة من كان ذاكراً لله جل شأنه؟ تعالوا أيها المسلمون ننظر في التاريخ, في قصص القرآن الكريم؛ لنأخذ مثلاً واحداً من هؤلاء وآخر من هؤلاء .
هذا يونس بن متّى نبي الله يسقط في لجج البحار فيبتلعه الحوت فهو في ظلمة جوف الحوت, في ظلمة جوف البحر, في ظلمة الليل, في ظلمات ثلاث, فلا أحد يعلم مكانه ولا أحد يسمع نداءه, ولكن يسمع نداءه من لا يخفى عليه الكلام, ويعلم مكانه من لا يغيب عنه مكان, فدعا وقال وهو على هذه الحال: لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [الأنبياء:87], فسمعت الملائكة دعاءه, فقالت: ((صوت معروف في أرض غريبة هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة)) .
فتأتي الإجابة من مجيب الدعاء كاشف الضراء فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَـٰهُ مِنَ ٱلْغَمّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـى ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:88]. ويقول تعالى: فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات:144,143]. أي فلولا أن يونس كان من المسبحين المكثرين من الصلاة والذكر والدعاء والتسبيح قبل البلاء لما كان يلهم قوله: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين, ولما كان يستجاب له.. ولأجل كثرة الصلاة والذكر والدعاء قبل البلاء استجاب الله له ونجاه من الغم [أيسر التفاسير 3/696].
قال الحسن البصري: "ما كان ليونس صلاة في بطن الحوت, ولكن قدم عملاً صالحًا في حال الرخاء فذكره الله في حال البلاء, وإن العمل الصالح ليرفع صاحبه، فإذا عثر وجد متكأً". وهذا تصديق كلام المصطفى: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
وفي البحر قصة أخرى فيها العبرة والعظة, فهذا الطاغية فرعون يدركه الغرق فيدعو بالتوحيد ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، وسمعت الملائكة دعاءه فنزل جبريل إليه سريعًا ليأخذ من حال البحر ووحله فيدسه في فيه خشية أن تدركه الرحمة. عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لما أغرق الله فرعون قال: ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ. فقال جبريل: يا محمد لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة)) أخرجه الترمذي وانظر صحيح سنن الترمذي للألباني (رقم 2483,ورقم 2484). ومعنى حال البحر: أي طينه الأسود.
وبعدها آتاه الجواب ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ [يونس:91]. لقد سمعت الملائكة دعاء كلا المكروبين, ولكن فرق عظيم, فالأول تقول فيه: صوت معروف في أرض غريبة, هذا يونس لم يزل يرفع له عمل صالح ودعوة مستجابة .
وأما الآخر فينزل جبريل يدسّ الوحل في فيه خشية أن تدركه الرحمة.
يا ترى! ما الفرق بين الحالين, والكرب واحد, والصورة واحدة؟! إن الفرق واضح, والبون شاسع.
فرق بين من عرف الله في الرخاء ومن ضيعه, فرق بين من أطاع الله في الرخاء ومن عصاه.
فيونس رخاؤه صلاة ودعاء ودعوة. وفرعون رخاؤه ظلم وفسق وكفر وجحود. والله جل شأنه يقول: فَٱذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ, ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)).
عباد الله, أحسنوا اليوم، أحسنوا اليوم، وأنتم في الرخاء، تجدوا أثر هذا الإحسان يوم شدتكم، يوم ضيق، يوم بلاء .
واعلم أيها المسلم أنك لابد لك من شدة, لابد لك من ضيق في هذه الدنيا، والدنيا مملوءة بالفتن والهموم, فاجعل لك في رخائك من الطاعة ما ينفعك يوم شدتك, وإنك وإن نجوت من كثير من شدائد الدنيا فاعلم أنك لا بد لك من شدة يوم ينزل ملك الموت ولا بد لك من شدة يوم الفرع الأكبر، وكل في وقت الشدة يدعو, ففئة كانت مع الله فيستجاب لها, وفئة يقال لها كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:100]. تعرف على الله في الرخاء يعرفك في البلاء! يعرفك يوم الفتن! يوم الشدائد! وما أكثرها في عصرنا بل في أيامنا.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|