molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم (2) - زياد بن محمد الصغير الأحد 6 نوفمبر - 3:56:30 | |
|
عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم (2)
زياد بن محمد الصغير
الخطبة الأولى
أما بعد:
فقد تحدثنا في خطبة سابقة حول عظمة الرسول محمد ، وأنه كان هو المعلم والمربي الأول.
وقلنا: إن أهم مهمة من مهام الرسول هي تعليم الكتاب والحكمة وتربية الأنفس عليهما، وكان الجانب الأعظم من حياة رسول الله مستغرقاً بهذا الجانب حيث أنه هو الجانب الذي ينبع عنه كل خير.
وقلنا أيضاً ـ حول آثار تربيته لأصحابه ـ بأننا إذا أجرينا مقارنة بين حياة هؤلاء قبل تلمذتهم على رسول الله وبين حياتهم بعده، بين واقعهم وسلوكهم وتصوراتهم قبل وبعد، فإننا سوف نخرج بالنقلة البعيدة الكبيرة الواسعة التي نقل إليها رسول الله هؤلاء، من حضيض إلى سمو لا يوازيه سمو آخر.
ثم أخذنا مثالين لتربية رسول الله لأصحابه، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهما وغيرهما من الصحابة الكرام، ما كانا ليكونا شيئاً لولا أنهما تربيا على يد رسول الله فأخذا منه العلم والحكمة والتربية، أحدهما أصبح رمز العدل ورجل الدولة العظيم بعد ما كان وكان، والآخر أصبح مؤسس أكبر مدرسة في الفقه الإسلامي والتي ينتمي لها أبو حنيفة النعمان.
ثم ذكرنا في فضل الصحابة رضوان الله عليهم الكثير من الأحاديث، وأنهم ما كانوا ليتغيروا ويبلغوا ما بلغوه إلا لأنهم أخذوا تعاليم الإسلام للتطبيق، لا للتفلسف والمناظرة، وأن الذي يجب اعتقاده في فضل الصحابة أنهم أفضل الأمة وخير القرون لِسَبْقِهم واختصاصهم بصحبة النبي والجهاد معه وتحمل الشريعة عنه وتبليغها لمن بعدهم، لذلك لا يجوز سب الصحابة أو الانتقاص من قدرهم أو قدر أحد منهم، والرسول قال حينما فعل سيدنا حاطب ما فعل: ((صدق لا تقولوا إلا خيراً))، وبذلك يكون قد نهانا نحن عن الخوض في أفعالهم وما شجر بينهم.
صحيح أن صحابة رسول الله غير معصومين من الخطأ، فالعصمة كما نعلم إنما هي للأنبياء والرسل فقط، ولكنهم عدول بنص القرآن الكريم، وقد أثنى عليهم الله تعالى في آيات عدة من القرآن الكريم، والرسول قال: ((لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)) متفق عليه.
وهناك تيارات ومشاريع، بل ودول، تنتقص من قدر الصحابة إما لإثبات فشل المشروع الإسلامي، أو الانتصار لمذهب باطل، والمساكين الذين يسبون الصحابة يهدمون الدين سواء دروا أم لم يدروا، لأن الدين إنما جاءنا عن طريقهم بعد رسول الله ، بل إن هناك من يكفِّر أبا هريرة ويتهم السيدة عائشة في شرفها، وغيرهم كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي هذا الخصوص نذكر قول العلامة ابن حمدان في نهاية المبتدئين:
"من سب أحداً من الصحابة مستحلاً كفر، وإن لم يستحل فسق، ومن فسّقهم أو طعن في دينهم أو كفَّرهم كفر" [شرح عقيدة السفاريني: 2/388].
فانظروا إلى عظم هذه الجريمة لذلك علينا ألا نجلس في مجلس يسب فيه الصحابة، وقد يسب فاسق خبيث الصحابة ولكن في قالب تاريخي برئ بنية الانتقاص منهم، فلنحذر ولنتق الله.
أما عن مقدار ما رفع رسول الله النفس البشرية من حضيض إلى سمو لا يدانيه سمو آخر، فإن خير ما نوضح به ذلك الأمثلة الحية التي رباها رسول الله وارتقى بها وخطا بها هذه الخطوات الواسعة.
أخرج النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن فتاة قالت ـ يعني للنبي ـ: إن أبي زوجني من ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة فأرسل النبي إلى أبيها فجاء، فجعل الأمر إليها، فقالت: يا رسول الله، إني قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعَلِمَ الناس أن ليس للآباء من الأمر شيء.
أرأيتم كيف ارتفعت نفسية المرأة حتى أصبحت تُعَرِفَ حقها، وتريد أن تعرف الأخريات عليه، وأصبحت تستطيع أن تشكو إذا هُضِمَ حقُّها، وتجد من يسمع لها ويعطيها إياه، متى كان ذلك لو لا تربية الرسول لهذا الأمة؟
وحول عزة النفس: أخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال: أعطى النبي حكيم بن حزام رضي الله عنها يوم حنين عطاءاً، فاستقله فزاده، فقال: يا رسول الله! أي عطيتك خير، قال: ((الأولى))، فقال النبي : ((يا حكيم بن حزام! إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس وحسن أكلة بورك له فيه، ومن أخذه باستشراف نفس وسوء أكلة لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))، قال: ومنك يا رسول الله؟ قال: ((ومني!)) قال: (فوالذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً أبداً).
قال: فلم يقبل ديواناً ولا عطاءً حتى مات.
قال: وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (اللهم إني أشهدك على حكيم بن حزام أني أدعوه لحقه من هذا المال، وهو يأبى، فقال: إني والله ما أرزأك ولا غيرك شيئاً). [الكنز:ج3، ص322].
أرأيت هذه النقلة العظيمة من حالة إلى حالة أخرى: عزة نفس لا مثيل لها، وماذا في طياتها من أبلغ ما تصل إليه التربية الاستقلالية التي لا يكون معها معنى من معاني الاتِّكال على الغير؟!
وحتى الأسماء غيَّرها حتى يُري الأمة، فغيَّر اسم العاص وعزيز وشيطان والحكم وغراب، وغيَّر اسم شهاب فسماه هشاماً، وسمى حرباً سلماً، وأرضاً تسمى عفرة سماها خضرة، وبنى الزنية سماهم بني الرشدة، وهكذا.
ومثال آخر، روى الطبراني في الكبير عن بكير بن معروف بن علقمة عن رسول الله قال: ((ما بال أقوام لا يُفقِّهون جيرانهم ولا يعلمونهم ولا يعظونهم ولا يأمرونهم ولا ينهونهم؟ وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون؟ والله ليُعَلِمَن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وِلَيَتعَلَمْن قوم من جيرانهم ويتفقهون ويتفطنون أو لأعاجلنهم بالعقوبة)) ثم نزل فقال قوم: من ترونه عني بهؤلاء؟ قال: الأشعريين، نعم، قوم فقهاء ولهم جيران جفاة من أهل المياه والأعراب.
فبلغ ذلك الأشعريين فأتوا رسول الله وقالوا: ذكرت قوماً بخير وذكرتنا بشر فما بالنا؟ فردد عليهم نفس الكلام دون أن يخصص، فقالوا: يا رسول الله أنفطن، غيرنا (مرتين)، فرد عليهم مرتين بنفس الكلام ولم يخصص.
فقالوا: أمهلنا سنة، فأمهلهم سنة ليفقهونهم ويعلمونهم ويفطنونهم، ثم قرأ هذه الآية: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79].
أرأيت أبلغ من هذه التربية التي تفرض على المتعلم أن يُعَلِم، وعلى الجاهل أن يتعلم، حتى تترقى الأمة كلها؟
وشيء آخر إنه ليس لمرتكب المعصية أن يقول ـ إذا نهاه أخوه المسلم ونصحه ـ ليس له أن يقول أن ذلك شيء يخصني وحدي: (أو من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه) مثلاً، فالمسؤولية تضامنية، والله تبارك وتعالى كما أنه سيحاسبني إن ارتكبت المعاصي فإنه تعالى سيسألني عن جاري أو صديقي أو حتى من أرى إذا زنا أو شرب الخمر أو عصى أي معصية كانت وعلمتها، فهو سوف يتعلق برقبتي يوم القيامة، ويقول يا رب شاهدني ولم ينصحني ولم ينهني، ولنتذكر أن الله تعالى يأخذ الخاصة بذنوب العامة كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها: ((يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث)).
والأحاديث والآيات في ذلك لا حصر لها.
أما من مقدار النضج الفكري الذي وصل إليه صحابة رسول الله حيث جابهوا كل الثقافات الأخرى غالبين فسنروي مثالين:
المثال الأول هو مقطع من مناقشة حاطب بن أبي بلتعة ـ رسول رسول الله إلى المقوقس ـ مع المقوقس:
قال المقوقس لحاطب: ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده؟
فقال حاطب: ما منع عيسى وقد أخذه قومه ليقتلوه أن يدعو الله عليهم فيهلكهم؟
فقال المقوقس: أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم.
فهو يعلم أن المقوقس نصراني، فرد عليه من خلال ما يؤمن به.
أما المثال الثاني فهو خطاب العلاء الحضرمي للمنذر بن ساوى أمير البحرين، قال له العلاء الحضرمي:
(يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا فلا تصغرن عن الآخرة، إن هذه المجوسية شر دين ليس فيها تكرم العرب ولا على أهل الكتاب، ينكحون ما يستحيا من نكاحه، ويأكلون ما يتنزه عن أكله، ويعبدون في الدنيا ناراً تأكلهم يوم القيامة، ولست بعديم عقل ولا رأي فانظر:
هل ينبغي لمن لا يكذب في الدنيا ألا تصدقه، ولمن لا يخون ألا تأمنه، ولمن لا يخلف ألا تثق به، هذا هو النبي الأمين الذي لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه، أو ما نهى عنه أمر به، أو ليته زاد في عفوه، أو أنقص من عقابه، إذ كل ذلك منه على أمنية أهل العقل، وفكر أهل النظر).
وقد أسلم المنذر بعد ذلك.
فهذه الأمثلة الحية وغيرها كثير تدلنا على أن رسول الله هو المعلم والمربي الأول، وأنه ما كان ليكون كذلك إلا لأنه رسول الله وخاتم النبيين وأحب خلق الله إلى الله تعالى .
وفي النهاية، أذكركم ونفسي بالزهد في الدنيا إذا تعارضت مع الآخرة، فتؤثر الباقي على الفاني، جنة الخلد التي: ((فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)).
وأذكركم بحديث الرسول ما معناه، الذي يدفعنا للبذل والعطاء ويحذرنا من الغفلة والركون إلى الدنيا:
((يؤتى بأشقى أهل الأرض وهو من أهل الجنة فيغمس غمسة واحدةً في الجنة، ثم يقال له: هل رأيت شقاء قط؟ فيقول: لا يا رب ما رأيت شقاء قط.
ويؤتى بأنعم أهل الأرض وهو من أهل النار، ثم يغمس غمسة واحدة في النار ويقال له: هل رأيت نعيماً قط؟ فيقول: لا يا رب ما رأيت نعيماً قط)).
هذا من غمسة واحدة، فكيف بالخلود فيها؟ أعاذنا الله وإياكم من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|