molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإسراء والمعراج - زياد بن محمد الصغير الأحد 6 نوفمبر - 3:52:03 | |
|
الإسراء والمعراج
زياد بن محمد الصغير
الخطبة الأولى
أما بعد, فيقول الله تعالى في كتابه الكريم: سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلاْقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ [الإسراء:1] .
آية كريمة من كتاب الله عز وجل، يتلوها المسلمون في كل زمان ومكان، ويرددونها في صلواتهم وعباداتهم، والإيمان بها جزء من إيمانهم بقرآنهم، والآية تحكي لنا معجزة الإسراء في عبارة موجزة بليغة.
وقد وردت قصة الإسراء والمعراج في كتب السنن، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم أُتي بالبراق، وهو دابة فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه.
وفيها أنه صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الأقصى فصلى فيه ركعتين، وأنه صلى إماماً بالأنبياء.
وفيها أن جبريل أتاه بإناء من خمر وإناء من لبن، فاختار صلى الله عليه وسلم اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة.
وفيها أنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الأولى فالثانية فالثالثة، وهكذا حتى ذُهب به إلى سدرة المنتهى، وأوحى الله إليه عندئذ ما أوحى.
وفيها فرضت الصلوات الخمس على المسلمين، وهي في أصلها خمسون صلاة في اليوم والليلة، ثم خففها الله إلى خمس في العمل لها ثواب الخمسين[1].
ولكن ما هي الظروف التي صادفت رحلته؟
لقد عانى رسول الله صلى الله عليه وسلم ألواناً كثيرةً من المحن التي لاقاها من قريش، وكان آخرها ما عاناه لدى خروجه إلى الطائف، فقد خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ماشياً ـ وذلك بعد موت عمه وزوجه خديجة وبعد أن اشتد الأذى وتوقف إسلام المشركين وتجمد الوضع في مكة ـ خرج إلى الطائف رجاء أن يؤووه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى يبلغ رسالة ربه، ودعاهم إلى الله عز وجل، فلم ير ناصراً, آذوه أشد الأذى، ونالوا منه ما لم ينل منه قومه، وأغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتان، فانصرف إلى مكة محزوناً[2]، وفي مرجعه دعا بالدعاء المشهور: ((اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي...))[3].
فجاءت ضيافة الإسراء والمعراج من بعد ذلك؛ تكريماًُ من الله تعالى له، وتجديداً لعزيمته وثباته، ثم جاءت دليلاً على أن هذا الذي يلاقيه صلى الله عليه وسلم من قومه ليس بسبب أن الله تعالى قد تخلى عنه، أو أنه تعالى قد غضب عليه، وإنما هي سُنَّة الله مع محبيه ومحبوبيه، وهي سنة الدعوة الإسلامية في كل زمن وعصر، لذلك لا ينبغي أن يتصور الواحد منا أن الذين ينادون بعودة الإسلام ليحكم ويوجه الحياة، لا نتصور أنهم على خطأ، والدليل على خطئهم في نظر البعض هو أنهم مضطهدون ومطاردون ومحاربون في أرزاقهم وأنفسهم، وكذلك في أهليهم، لا ينبغي أن نتصور أنهم مخطئون لأن المفسدين والظالمين والطغاة يسومونهم سوء العذاب، بل يجب أن نعلم أن هذه هي سنة الله في الدعوات حتى يأذن الله بالنصر والتمكين، وكل هذا العنت ـ وأكثر منه ـ عاناه الرسل والأنبياء على مدار العصور في مرحلة معينة من مراحل الدعوة.
إن أهم ما نفهمه من رحلة الإسراء والمعراج هو المعنى الموجود في الإسراء به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل العروج به إلى السماء، مما يدل على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى، وفيه دلالة على ما ينبغي أن يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدين، وكأن الحكمة الإلهية تهيب بمسلمي هذا العصر ألا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان اليهود على هذه الأرض المقدسة، وأن يطهروها من رجسهم وأن يعيدوا فلسطين ـ كل فلسطين ـ إلى أصحابها المؤمنين.
وكما نعلم جميعاً أننا برغم أن اليهود تمكنوا من اغتصاب فلسطين بمؤامرة دولية شارك فيها الشرق والغرب حينها, فشردوا أهلها وأحلوا اليهود مكانهم، وبرغم المجازر التي ترتكب في حق إخوتنا في فلسطين، فإن الغرب برغم كل ذلك لديه قناعة لايتردد فيها, بأن اليهود هم المُعْتَدَى عليهم, وهم الآن يدافعون عن أنفسهم، وهو يساند الدولة اليهودية المغتصبة بكل ما يملك مادياً ومعنوياً، وما نراه في الإعلام هو خير دليل على ذلك، والغرب لا يستمع إلينا مطلقاً، وإذا استمع فإنه يدعى المنطقية في كل شيء إلا فيما يتعلق بقضايانا، يحار العقل كيف لا يفهمون برغم وضوح الأدلة؟ وهي كراهية لن تتغير أبداً، وقد أخبرنا الله تعالى عن هذه الكراهية فقال سبحانه: وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلاَ ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] .
وأمام هذه الكراهية الناتجة عن كوننا مسلمين, ليس أمام المسلمين إلا أحد حلين:
أولهما أن نكفر بالله تعالى والعياذ بالله, فيرضوا عنا بعد أن نضل كما ضلوا، وهذا محال حدوثه، والحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
والحل الآخر هو أن نعود أقوياء فنجبر العالم على احترامنا، وقوتنا هي التي ستفتح ساعتها أذنيه وبصره وعقله فيفهم حينها.
ولكن السؤال هو كيف نعود أقوياء حتى نجبرهم على احترامنا؟ وكيف يمكننا الوقوف أمام قوى الكفر الهائلة في الجو والبر والبحر وربما في الفضاء أيضاً؟
إننا ولله الحمد موحدون، ويدخل في توحيد الله تعالى الإقرار بأنه سبحانه هو وحده خالق الخلق، ومالكهم، ومحييهم ومميتهم، ونافعهم وضارهم، والقادرعليهم، وله الخلق والأمر كله، كما قال سبحانه عن نفسه: أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأعراف:54].
ويدخل في هذا التوحيد الإيمان بأن كل محدث صادر عن علم الله تعالى وإرادته وقدرته، ومن يعتصم بالله تعالى يتحدى قوى الكون كلها، فكم تبلغ كل هذه القوى إذا قورنت بقدرة الله تعالى؟ لا شيء.
والله وعدنا بالنصر إن نحن نصرناه سبحانه وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنينَ [الروم:47].
إذاً، فالحل هو في العودة إلى الله تعالى وتحكيم شرعه، فإننا لو ربطنا شعوبنا بالله القوي المتين، وأطلقنا طاقاتهم في الطريق الصحيح، فإنهم ستحيا ضمائرهم أكثر، وسيتقنون العمل ويتعبدون به الله، وسيجدون ويجتهدون, فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وسنتقدم ـ مع حسن الإدارة الرشيدة المؤيدة بكتاب الله وسنة رسوله ـ بخطاً سريعة في جميع المجالات، وصدق صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن))[4].
فالمسلم الذي أحيتْ مراقبةُ الله ضميرَه, لا يجبن ولا يتخاذل ولا يغدر ولا يخون، ولا يضيع ولو لحظة من عمره في غير عمل جاد، ومما يدفع للعمل من سير الصالحين العلماء, أن أحدهم كان من حرصه على وقته يجفف الخبز، ثم يطحنه، فإذا ما جاع يقوم بسف هذا الخبز، وذلك حتى يُوفر فارق الوقت بين المضغ والسفِّ للطعام.
فاللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً، وأعزنا بالإسلام، إنك سميع قريب مجيب الدعاء .
[1] انظر روايات الإسراء والمعراج: صحيح البخاري، كتاب الصلاة – باب كيف فرضت الصـلاة في الإسراء (349)، كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة (3207)، (3239)، كتاب أحاديث الأنبياء – باب ذكر إدريس عليه السلام.. (3342، 3393، 3394، 3396)، (3437)، كتاب المناقب – باب المعراج (3887، 3888)، كتاب التوحيد – باب قوله: وكلم الله موسى تكليماً (7517)، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان – باب الإسراء برسول الله (162، 163، 14، 165، 168، 170، 172، 173)، كتاب الأشربة – باب جواز شرب اللبن (168).
[2] إسناده صحيح إلى محمد بن كعب القرظي مرسلاً، أخرجه ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام (2/419)، وأصل الحديث في الصحيحين مختصراً: صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق – باب ذكر الملائكة (3231)، وصحيح مسلم: كتاب الجهاد – باب ما لقي النبي (1795).
[3] ضعيف، ذكره ابن إسحاق كما في سيرة ابن هشام بدون إسناد (2/420)، وانظر فقه السيرة للغزالي بتعليق الألباني (ص125-126).
[4] ذكره ابن كثير في تفسيره (3/63) عند تفسير قوله تعالى: وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق... [الإسراء:80]، ولم يذكر مخرجه ولا راويه. وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (4/107) بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: لما يزع الله بالسلطان أعظم مما يزع بالقرآن. وروى ابن عبد البر في التمهيد (1/118) بإسناده إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|