molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضل الشهادة - زهير بن حسن حميدات الأحد 6 نوفمبر - 3:40:15 | |
|
فضل الشهادة
زهير بن حسن حميدات
الخطبة الأولى
وبعد: أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في هذه الديار، لقد اختاركم الله حلقة ممتدة في سلسلة الرباط الممتد في هذه الديار إلى يوم الدين، فكنتم أهلا لذلك، تذودون عن شرف أمتكم وكرامتها، وتحرسون مقدساتها، وكنتم طليعة متقدمة للأمة، فنلتم شرف الرباط في سبيل الله الذي يقول عنه نبيكم رسول الله : ((رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)).
واتخذ الله منكم شهداء، ففازوا بأوسمة الشهادة، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمران:170].
فالشهداء في الأمة هم تاج شرفها، ومفخرة مفاخرها، وجوهرة هامتها العالية.
وكم من شهيد يتمنى الرجوع إلى الدنيا ليذوق ثانية حلاوة الشهادة، يقول النبي : ((ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع للدنيا فيقتل عشرات مرات لما يرى من فضل الشهادة)).
وهذا رسول الله يعبر عما في نفسه الشريفة من حب عميق للشهادة حمله على التمني أن يرزق بها مرات متعددة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل, ثم أغزو فأقتل, ثم أغزو فأقتل)), وإنها لأمنية يا لها من أمنية، كيف انبعثت من هذا القلب الطهور معبرة أبلغ التعبير عن هذا الحب العميق والشوق الغامر إلى هذا الباب العظيم من أبواب جنات النعيم.
قال الله تعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوٰتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
آيات من كتاب الله نزلت في شهداء أحد، حيث جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق؛ لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هذه الآيات.
هؤلاء الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله قد أمنوا من عظيم الأهوال والكربات، وسكنوا بأجل المحالّ في أعلى الغرفات، وشربوا من النعيم أكوابا، وادرعُوا من التنعيم أثوابا، ومتعوا بجنان الفردوس مستقرا ومآبا، وتمتعوا بحور عين كواعب وأترابا.
أرواحهم في جوف طير خضر تجول في الجنان، تأكل وتشرب وتأوي إلى قناديل معلقة في عرش الرحمن، يتمنون الرجوع إلى هذه الدار ليقتلوا في سبيل الله مرات ومرات لما بهرهم من ثواب الله الجزيل.
قال النبي : ((إن للشهيد عند ربه سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلّى حلية الإيمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه)).
ومنها أن كل الناس يموتون فتنقطع أعمالهم إلا من ثلاثة: من ولده الصالح يدعو له، والولد الصالح مصيره الموت، ومن ترك علما ينتفع به، والعلم قد يأتي عليه زمان يندثر، ومن ترك صدقة جارية، وهذه كذلك قد يأتي طاغوت يعطل جريانها، ثم ماذا بقي بعد ذلك؟! بقي ما للشهيد، يُنمّى له في عمله، ليس منقطعا أثره إلى قيام الساعة، فالعمل جَارٍ، الصلاة تكتب وال+اة والصيام وغيرها من الصالحات، كل ذلك وهو في قبره في عالم الشهداء. هل هناك فضل أعظم من هذا؟!
إن الشهيد لمّا بذل حياته لله أعطاه الله سبحانه حياة أكمل منها عنده في محلّ قربه وكرامته، ولكن أي حياة؟! غير الشهيد يحيا مع من؟! والشهيد يحيا عند من؟! فارق أهل الدنيا الذين يموتون، فمنّ الله عليه بالحياة عند الحي الذي لا يموت.
مُزِّقَت أجسادهم في دار الدنيا لله عز وجل، فمنّ الله عليهم بحواصل طير خضر، حبست أقدامهم عن السعي، فمنّ الله عليهم بأن يسرحوا في الجنة حيث شاؤوا.
فانظر وتأمل ـ أخي المسلم ـ لمّا ترك المجاهد الفراش والأزواج، جاد عليه الملك الوهاب بكثرة الأزواج من الحور العين، والجزاء عند الله من جنس العمل.
فاز بوصالِ مَن خلقتَ من النور، والله لا يجف دم الشهيد حتى تلقاه، وتستمتع برؤية نورها عيناه، حوراء عيناء، جميلة حسناء، بكر عذراء، كأنها الياقوت والمرجان، لم يطمثها إنس قبله ولا جان.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوٰلَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ يُقَـٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقّا فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءانِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُمْ بِهِ وَذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ [التوبة:111].
عباد الله، لقد عرف الصحابة جنة ربهم, فتوطدت في نفوسهم أعمق معاني الشهادة, وترسخت في قلوبهم أسمى درجات الحب لها والولع بها، والعمل الدؤوب لبلوغ مقامها والتنعم برياضها.
قال رسول الله في غزوة بدر: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)), فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله، إلى جنة عرضها السموات والأرض؟! قال: ((نعم)), قال: بخ بخ, قال الرسول : ((ما يحملك على قول: بخ بخ؟)) قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها, فقال: ((فإنك من أهلها)), فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن, ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة, فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل.
فانظروا ـ رحمكم الله ـ كيف استبطأ رضي الله عنه الشهادة لتأخرها عنه دقائق معدودات.
ولقد كانت كلمات بعضهم عند الشهادة صرخات مدوّية زلزلت قلوب قاتليهم, وحملتهم على الدخول في دين الله, فهذا حرام بن ملحان رضي الله عنه يصيح عند الاستشهاد في وجه قاتله: (فزتُ ورب الكعبة), فكانت تلك العبارة سببًا في إسلام هذا القاتل. وهذا سيف الله المسلول خالد بن الوليد الذي عرف معنى الاستشهاد في سبيل الله يقول عند احتضاره وهو يبكي بكاء شديدا: (خضت أكثر من مائة معركة، وما في جسمي موضع شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا قرت أعين الجبناء).
ثم استمعوا ـ رعاكم الله ـ إلى خبر هذا الأعرابي المسلم، كيف صدق الله في طلب الشهادة فصدقه الله وبلغه ما أراد:
جاء أعرابي إلى النبي بعد أن قَسَمَ له النبي من الغنائم ما قسم، فقال الأعرابي: ما هذا؟ قال النبي : ((قسمته لك)), قال الأعرابي: ما على هذا اتبعتك, ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا بسهم فأموت فأدخل الجنة, فقال النبي : ((إن تصدق الله يصدقك)), فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو فأتي به إلى النبي وقد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي : ((أهو هو؟))، قالوا: نعم, قال: ((صدق الله فصدقه)), ثم كفنه النبي في جبته, ثم قدمه فصلى عليه، وكان مما قال في صلاته: ((اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا, أنا شهيد على ذلك)).
فأي شهادة ـ يا عباد الله ـ أرفع وأسمى وأصدق وأخلص من هذه الشهادة الكريمة العظيمة, وكم في حياة السلف الصالح من صور هذا الحب العاطر والشوق الظامئ إلى الظفر بمقام الشهادة، يا له من مقام.
وهكذا مضت على بذل الشهادة كواكب متتابعة وقوافل متعاقبة من الشهداء الأبرار، الذين بدمائهم ال+ية سطروا أروع صحائف التضحية والبذل، وأرفع أمثلة العطاء والجود, إنه الجود بالنفس, وهو أقصى غاية الجود.
فها هم شهداء المسلمين في الشيشان, وفي أفغانستان, ومن قبل في البوسنة والهرسك، وفي غيرها من ديار الإسلام.
وها نحن اليوم نرى بأم أعيننا, نرى ويرى العالم كله معنا هذه الصور العظيمة المتجددة من صور الشهادة على أرض بيت المقدس, أرض الإسراء والمعراج، أرض الجهاد والرباط.
إن الإنسان الفلسطيني الذي يتوق للحرية ويرفض القهر والظلم والاحتلال يسعى ليموت شهيدا محفوظة كرامته، رافعا هامته، تشده عزة الإيمان ليطاول الجبال، ويدفعه عبق الشهادة نحو الجنان، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولـئك رفيقا.
عباد الله، نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة رسوله، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الشهادة بابا من أعظم أبواب الجنة, أحمده سبحانه حث الأمة على المضي في درب الشهادة في سبيله, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله, خير من ضرب الأمثال في حب الشهادة, وفي بذل التضحيات العظام, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار الأعلام وسلم تسليما كثيرا.
وبعد: فإن للشهيد كرامات، ومن كراماته أنه يخفف عنه ألم الموت حتى إنه لا يجد من ألمه إلا كما يجد أحدنا من مس القرصة, قال رسول الله : ((ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة)).
ومنها أن دار الشهداء في الجنة أحسن الدور وأفضلها, قال رسول الله : ((رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أر قط أحسن منها، قالا لي: أما هذه فدار الشهداء)).
ومن ألوان الكرامة أيضا أن الملائكة تظله بأجنحتها، ويأتي يوم القيامة بجرحه والدم ينزف منه، قال رسول الله : ((والذي نفسي بيده، لا يكلم أحد في سبيل الله ـ والله أعلم بمن يكلم في سبيله ـ إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك)).
وهم الذين قال عنهم الله عز وجل في قوله: وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَن فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ [الزمر:68]، فهم الذين شاء الله أن لا يصعقوا يوم النفخ في الصور؛ حيث يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه.
أيها المسلمون، لعل أحدنا لا يدرك ما معنى أن يتزوج الشهيد بثنتين وسبعين من الحور العين، ولا يدرك جمالهنّ، إنهن الكواعب الأتراب. فالحوراء ـ يا إخوة ـ تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، يرى وجهه في خدها، ويرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم والحلل، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولنَصِيفُها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.
فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت: هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها، وإذا غنّت فيا لذة الأبصار والأسماع، ينادين بأصوات غنجة لذيذة: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن الغانجات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، ونحن الحور الحسان، أزواج أقوام كرام، ونحن الأبكار السوام، للعباد المؤمنين، طوبى لمن كان لنا وكنا له. فكلما نظرت إليها ازدادت في عينيك حسنا، وكلما جالستها زادت إلى ذلك الحسن حسنا.
أفيجمل بعاقل ـ أيها الناس ـ أن يسمع بهذه ويقعد عن وصالها؟! كيف وله في الجنة من الحور العين أمثال أمثالها؟!
إنها الجنة التي غرس غراسها الرحمن بيده، قال النبي : ((يا رب، أخبرني بأعلاهم منزلة، قال: أولئك الذين أردت، وسوف أخبرك، غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر)). نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.
| |
|