molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: يوم عاشوراء – الرحلات البرية - راشد بن عبد الرحمن البداح السبت 5 نوفمبر - 9:22:22 | |
|
يوم عاشوراء – الرحلات البرية
راشد بن عبد الرحمن البداح
الخطبة الأولى
عباد الله، ولا نزال ننتشي فرحة الانتصار لسيّد الأبرار على أعدائنا الكفار، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ، فصلى الله وسلم على من كان مِنَّةً بل مِنَنًا يفيض الله به علينا، وتمتد المِنَنُ من ربنا المنَّان برسوله حتى وإن أوذي بعد مماته، فكيف بتشريعاته؟! حقًا؛ ما أطيبه حيًّا وميّتًا!
وإن من الفيوض التي مَنَّ ربنا علينا بها عن طريق رسوله الكريم أن هيأ لنا مواسم، مع تواليها تتوالى خلالها رحمات مولانا لمغفرة ما سلف من ذنوبنا السالفات في أيامنا الخاليات؛ فهذا شهر الله المحرم يُقبل، فيدعو النبي المسلمين للصيام حيث يقول: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)). وأما صيام عاشوراء فسئل عنه فقال: ((يكفِّر السنة الماضية))، وفي رواية: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)). وتكفير صيام عاشوراء للسيئات بحسب كمال الصيام ونقصانه. وأما قول من قال: فكيف يقع تكفير ثلاث سنين كلَّ سنة لمن صام يوم عرفة ويوم عاشوراء؟ فهذا إشكال قد أحسن الجواب عنه ابن القيم رحمه الله فقال في الوابل الصيب: "ويا لله العجب! فليت العبد إذا أتى بهذه المكفّرات كلِّها أن تكفَّر عنه سيئاته باجتماع بعضها إلى بعض... وأما عمل شملته الغفلة أو لأكثره وفقد الإخلاص الذي هو روحه فأي شيء يكفر هذا؟! ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه".
وفي الوقت الذي يذكِّرنا فيه هذا الشهر بهجرة المصطفى بداية ظهور الدعوة وقيام دولة الإسلام نجد فيه يومًا يذكِّرنا بانتصار نبي آخر هو موسى عليه الصلاة والسلام، ذلكم هو يوم العاشر من المحرم. إذًا فنحن نعيش الفرحة فرحتين؛ فبينما يبتهج المؤمنون بهذه المقاطعة العارمة التي ظهرت آثارها على الكفار بالبوار، وعلى المؤمنين بأن يَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا، وبأن يَشْفِيَ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبَ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ، بينما نعيش هذا الإجماع من عامة الأمة وولاة أمرهم ـ وفقهم الله ـ على محبة رسوله إذ بنا نوافق معها ذكرى فرحة بانتصار آخر؛ ألا وهو نصرة الله لكليم الرحمن موسى على وليّ الشيطان فرعون؛ فكما نصر الله رسولاً من عنده في شهر الله المحرم فالله ينصر أفضل رسله وهو في الرفيق الأعلى، ويجعل كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فاليوم إذًا موسويّ ومحمدي، وبالرغم من هاتين الفرحتين المتزامنتين بقدر الله الكوني فلا يحسن أن نقيم احتفالاً بالفرح ولا حتى بالحزن، خلافًا لما يفعله الشيعة من إظهار الحزن لمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، وقد كان أبوه أفضلَ منه وقُتل، بل مات سيد الخلق ولم يتخذوا موتهما مأتمًا. قال ابن رجب: "ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتمًا، فكيف بمن دونهم؟!".
معاشر المسلمين، في عاشوراء عشر دروس وعبر فمنها:
1- أنه حدث تاريخي ونقطة تحول في حرب الإيمان مع الكفر، ولذلك كانت حتى الأمة الجاهلية والكتابية تصومه، كما قالت عائشة رضي الله عنها: إن قريشًا كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية. رواه البخاري ومسلم.
2- يوم عاشوراء ربط بين أهل الإيمان ولو اختلفت أنسابهم ولغاتهم، فأصله ارتبط بموسى ومن معه من المؤمنين، ثم امتدّ لكل مؤمن، وإلا فإن أهل الكتاب أقرب لموسى عليه السلام من حيث النسب.
3- يوم عاشوراء يدلّ على أن الأنبياء بعضهم أولى ببعض؛ ففي رواية: ((أنا أولى بموسى منكم))، وهذه الولاية لاتحادهم في الدين والرسالة.
4- صيام عاشوراء يدل أنّ أمتنا هذه أولى بأنبياء الأمم من قومهم الذين كذبوهم، ويدل عليه قوله : ((أنتم أحق بموسى منهم))، وهذه ميزة لهذه الأمة، فإنهم يكونون شهداء على تبليغ الأنبياء دينَهم يوم القيامة.
5- يوم عاشوراء تذكير لأهل الأرض عامّة بنصرة الله لأوليائه، وهذا يجدّد في النفس كلّ سنة البحث عن هذه النصرة وأسبابها، كما أنه يجدد في النفس الأمل ويبعث التفاؤل بهزيمة الله لأعدائه.
6- في عاشوراء دليل على تنوّع النصر بالنسبة للمسلمين، فقد لا يكون النصر على الأعداء بهزيمتهم والغنيمة منهم، بل قد يكون النصر عليهم بتضررهم اقتصاديًا، وقد يكون بهلاكهم وكفاية المسلمين شرّهم كما حدث مع موسى عليه السلام، وكما حدث مع النبي في الخندق.
7- يوم عاشوراء تأكيد على وجوب مخالفة هدي المشركين حتى في العبادة، ويدل لهذه المخالفة أن اليهود والنصارى اتخذوه عيدًا، فأمرهم بصيامه كما حثّ أن يصام التاسع معه.
8- صيام عاشوراء دليل على عظم كرم الله سبحانه، وأنه يعطي الجزاء الأوفى على العمل القليل؛ فتكفير سنة كاملة يكون بصيام يوم واحد.
9- في عاشوراء دليل على أنه ينبغي إظهار شعائر الدّين حتى عند الصغار؛ لينمو الانتماء لديهم لدينهم، وفيه التربية الجادة على التحمل والصبر حتى للصبيان، فقد قالت الربيِّع بنت معوِّذ رضي الله عنها: كنا نصومه ونصوِّم صبياننا، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه اللعبة من العهن.
10- وأما الدرس العاشر في عاشوراء فقد قال : ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر))؛ ولذا قال ابن سيرين وأحمد: "من أراد أن يصوم عاشوراء صام التاسع والعاشر، إلا أن تشكل الشهور فيصوم ثلاثة أيام".
الخطبة الثانية
ففي هذه الإجازة التي بدأت يخرج الناس في رحلاتٍ عديدة، منها ما تكون للصيد، ومنها ما تكونُ للاستجمام والراحة والمبيت في البر، وهي نوع محبَّب إلى النفس. وكما أن فيها ترويحًا كبيرًا وإنعاشًا للنفس فهي فرصة سانحة لأن يتأمّل المسلمُ ملكوتَ السموات والأرض، أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ.
وثمةَ توجيهات مهمّة للخارجين لهذه الرحلات البرية فمنها:
أنه يجب عليهم الحرصُ على الاستيقاظِ لصلاة الفجر، فإن الغالب على من يخرج إلى مثل هذه الأماكن السهرُ الطويل الذي يفوِّتُ عليهم أداءها في وقتها.
وعليهم معرفة دخول الوقت والحرص على الصلاة في وقتها، لما صح عنه عندما سئل عن أفضل الأعمال قال: ((الصلاة على وقتها)). ومما يبشَّر به من خرج للبر أن في محافظته على الصلاة في ترحاله أجرًا عظيمًا، فقد قال رسول الله : ((صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحدة خمسًا وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة)) رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وابن حجر وحسنه ابن مفلح. وكذا الأذان في الفلاة لقوله : ((فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة)) رواه البخاري.
ومن المسائل المهمة التأكد من القبلة والاجتهاد في ذلك، فإن اجتهد وصلّى وتحرّى القبلة فصلاته صحيحة، ولو اكتشف بعد الانتهاء من الصلاة أنه صلّى إلى غير القبلة فلا يعيد وصلاته صحيحة.
ومما ينبغي مراعاته في البر عدم تقذير الأماكن التي يرتادها الناس من ظلّ أو عشب، لقوله : ((اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل)) رواه أبو داود بسند صحيح. ويقاس على ذلك رمي مخلّفات الأكل الورقية والبلاستيكية. وأقبح منه ما تفعله بعض النساء من رمي حفائظ الأطفال. وما أحسن إحراق هذه المخلفات قبل الارتحال من المكان ليسلم من أذاها من أتاها من إنسان أو حيوان.
ومن تلك الآداب عدم إيذاء الناس، وخصوصًا ما يقع من بعض الشباب ـ هداهم الله ـ من التفحيط والتطعيس والمرور أمام النساء في البر والتعرّض لهن فجأة، والله يقول: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا، ورسول الله يقول: ((من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)).
وعلى المرأة المسلمة إذا خرجت للبر الاحتشام وحفظ حيائها ومراقبة ربها وعدم تبرجها بحضرة الرجال الأجانب، فالحجاب لا يرتبط بمكان أو زمان معين؛ بل هو أمرٌ من الله سبحانه وتعالى لإمائه أن يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ.
ومن الآداب ذِكْرُ الدعاء عند النزول وتعويد الأطفال عليه، فقد روى مسلم وابن ماجة واللفظ له عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي : إن فلانا لدغته عقرب فلم ينم ليلته، فقال: ((أما إنه لو قال حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ما ضره لَدْغُ عقربٍ حتى يصبح))، لكن هذا الدعاء لا يعني تركَ الأخذ بالأسباب الواقية من الأذى، ومِن أخذ الأسباب عند المبيت والنزول أن يحذر الأماكن الخطرة كأماكن جريان السيول، وأما الذين يخاطرون بالذهاب لمواقع تنقطع فيها أسباب النجاة أو تَقِلُّ فهم آثمون.
| |
|