molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التحذير من الاختلاط - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 8:41:40 | |
|
التحذير من الاختلاط
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، واعلموا أن من أهم قضايا المجتمعات الحديثة وأعظمها خطورة مسألة الاختلاط بين الرجال والنساء، والمحرَّم بنص الكتاب والسنة؛ حفاظًا على سلامة المجتمع المسلم مما يورده الهلاك للحرث والنسل، حيث إن الاختلاط من أكبر الأسباب الميسّرة للفاحشة وارتكاب جريمة الزنا، فالاختلاط بين الجنسين يحرّك في النفس كوامن الغريزة، ويشعل نار الشهوات الجامحة المحرّمة، ويؤجّج العواطف، ويغري كلا الجنسين بالآخر، فيرخي بذلك العنان للشهوة التي لا حدودَ لها، والإسلام أمر بصيانة العرض والمجتمع المسلم.
ومن آثار ذلك التبرّج والتفنّن بإبداء الزينة والجمال، يصل الأمر إلى الخلاعة والعري من أجل إطفاء شهوة الجنس المحرمة بنص الكتاب والسنة.
ويكون من آثار الاختلاط المدمّرة اضمحلال القوى الجسدية والفكرية في شباب الأمة حين تغتالهم الشهوات المحرمة البهيمية وتسيطر عليهم الاستثارة الجنسية، ويصبح جلّ تفكيرهم وهدفهم واهتمامهم بصور الإغراء والأدب المكشوف الهابط والموسيقى الراقصة والأغاني الماجنة في الإذاعة والفيديو والسينما والتلفزيون.
ومن أخطر آثار الاختلاط أيضًا فقدان الشباب الصبر والجلَد والتحمّل، ويساعد على انتشار الأمراض السرّيّة الفتاكة، ويحوّل المجتمع إلى لهو وعبث ومجون وخلاعة، وهذا بالطبع يؤدي إلى أن يورد المجتمع موارد الهلاك والدمار والعطب والفناء وفشوّ الفاحشة عياذًا بالله.
ويضاف إلى هذه الآثار المدمرة الخطيرة للاختلاط أن يفقد الزواج الطاهر قيمته في نفوس من استحوذ عليهم مرض الاختلاط، حيث يجد كلا الجنسين سبيله إلى متعة مغرية تجعله لا يفكّر بالزواج، بل تفقد المتزوج اهتمامه برابط الزوجية مع زوجته، فيفارقها أو تفارقه إلى اتخاذ الأخدان من الأخلاّء والخليلات، أو الطلاق والفرقة لأتفه الأسباب.
عباد الله، تلك هي أهم أضرار الاختلاط ومفاسده، ومن أجل ذلك أحكم الإسلام في نظامه الاجتماعي العلاقة بين الرجل والمرأة، واتخذ التدابير الوقائيّة التي تجعل هذه العلاقة قائمة على العفة والشرف والكرامة وصيانة العرض وبناء الأسرة المحافظة المسلمة.
وكان من تلك التدابير الوقائية أنه أمر بالحجاب حتى لا تكون هناك فتنة وإثارة، فقال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، وقال الله تعالى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30، 31].
ففي هذه الآيات الكريمة أمرٌ من الله سبحانه وتعالى للنساء بإدناء الجلابيب وغضّ البصر وحفظ الفروج، وفي كل ذلك سد للذرائع وحسم الوسائل المؤدية إلى الفساد وظهور الفواحش والبغي والمنكرات المفضية إلى الهلاك والانحلال والتفسّخ والعزوف عن الزواج المشروع، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن تلك التدابير الوقائية أيضًا أن حرّم الخلوة بالمرأة الأجنبية، فلا يجوز أن يخلو رجل بامرأة إلا أن يكون محرمًا لها ولو كان من أدنى أقارب زوجها، فقال رسول الله : ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[1]، ومثله في الحرمة ابن أخ الزوج وابن أخته وابن العم وأشباههم.
وبهذا التعبير بيّن لنا معلم البشرية صلوات الله وسلامه عليه خطورة الخلوة بجعلها قرينة الموت؛ لأنها تؤدي إلى هلاك الدين، فينبغي الحذر منها كما يحذر الإنسان من الموت، ولعظم ذلك شدد المشرع في ذلك صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومن المؤسف له ـ أيها الناس ـ أن كثيرًا من بيوت المسلمين قد ابتليت بهذا الداء الخطير الفتاك، داء الخلوة بالأجانب، فالرجل يخلو بالخادمة أو السكرتيرة، والدكتور الطبيب يخلو بالممرضة والمريضة، والخاطب يخلو بمخطوبته قبل العقد، والمرأة تخلو بالخادم والسائق والطباخ والحارس, لقد فني مجتمعنا، اللهم إن هذا منكر فأزله، عدا عن اختلاط النساء بالرجال ومزاحمتهن في كثير من محلاّت البيع والشراء، إنْ لم نقل في البيوتات، فترى النساء يدُرن عن الأسواق والشوارع ويغشين المعارض والدكاكين إلاّ ما رحم ربك.
وكل هذا ـ يا عباد الله ـ حرام خلافُ الشرع؛ إذ هي مداخل شرّ ومقدمة فاحشة، وهي من مداخل الشيطان، ولذلك قال رسول الله : ((لا يخلونّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما))، كما حذر من سفر المرأة مع غير ذي محرم فقال: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة وليس معها ذو حرمة منها))[2]، اللهم اعف عنا وسلم يا رب.
وقد حذر رسول الله المسلمين من خلط الذكور والإناث ـ حتى ولو كانوا إخوة بعد سن التمييز ـ في المضاجع، فقال عليه الصلاة والسلام: ((مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع))[3]، والأمر يقتضي الوجوب، فالتزم أخي المسلم، وألزِم.
فاتقوا الله عباد الله، فإياكم من الاختلاط والخلوة بالأجنبيات، وامنعوا نساءكم وبناتكم من التبرج والاختلاط والتسكّع في الأسواق والمنتزهات، والمسؤولية في ذلك لا تقع على النساء وحدهن، بل تقع عليكم أيضًا، فـ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)) الحديث.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوٰتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرّجَالِ أَوِ ٱلطّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرٰتِ ٱلنّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه البخاري في النكاح، باب: لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم والدخول على المغيبة (6/158)، ومسلم في السلام، باب: تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها (2172).
[2] رواه البخاري في تقصير الصلاة، باب: في كم يقصر الصلاة؟ (2/35)، ومسلم في الحج، باب: سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره (1339).
[3] أخرجه أبو داود في الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة؟ (495)، وإسناده حسن.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي شرع لعباده ما فيه مصلحتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحكم فلا مضادّ لحكمه ولا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله نبي الهدى والأمين المبلغ لرسالات ربه، أهدى الناس طريقًا، وأقومهم دعوة، وأنصحهم قصدًا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه المتمسّكين بهديه المتبعين لشريعته، المبتعدين عن اتباع الشهوات والأهواء المخالفة لأمر ربه، وحشرنا الله مع رسوله وصحبه الكرام برحمته، إنه جواد كريم.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله واعلموا أن رسول الله قد حذر أمته من اختلاط النساء بالرجال حتى في أماكن العبادة فقال: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها))[1]، وهذا في موطن العبادة والصلوات وفي المسجد، فكيف بحال من يقدّم المرأة ويكون كالتيس خلفَها كما يفعله الإفرنج وأذناب الغربيين؟!
ففي هذا الحديث الشريف الصحيح أوضحُ دليل على حِرص الشرع ومحبّته لبُعد المرأة عن الرجال واختلاطها بهم، ومن أجل هذا اعتبر الخيريّة في آخر صفوف النساء، وما ذلك إلا لبعده عن الرجال ومخالطتهم ورؤيتهم، فالأمر يتطلّب منا ـ أخي المسلم ـ الحزم والأخذ بشرع الله والتزام ما ورد عن رسول الله والشعور الدائم والإحساس الملازم للمسلم بأنّ عين الله عليه وأنه مراقب في هذه الحياة كما قال الله تبارك وتعالى: مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، واليقين الذي لا يخالجه الشك بأن الله جل وعلا يرانا في حركاتنا وسكناتنا وتصرفنا وفي وظائفنا وأعمالنا، يرانا أين ما كنا وحيثما نكون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ركن الإحسان: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) .
لا شكّ ولا ريب، فإن الله تعالى الذي خلقنا من العدم وأبرزنا إلى حيّز الوجود المشاهَد يرانا ويحيط جل وعلا بنا علمًا، كما قال الله تبارك وتعالى: قَدْ أَحَاطَ بِكُلّ شَىْء عِلْمَا [الطلاق:12]، ويدرك جل وعلا الأبصار: وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَـٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ [الأنعام:103]، فالله جل وعلا الذي يرى ويعلم كل شيء نهانا وحذرنا من مغبّة الاختلاط، وشدّد النكير في ذلك، وأنذر وتوعد عليه، وبين لنا مفاسد الاختلاط وشرّه المستطير، ورسول الله صلوات الله وسلامه عليه شدّد في ذلك حتى قال عن القريب: ((الحمو الموت))، فهل من سامع؟! وهل من مستجيب لنداء الله جل وعلا وهو الحكيم الخبير ولرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الأمر الخطير؟!
أسأل الله أن يوفقنا جميعًا لكل ما فيه صلاح الأمة ونجاتها، والقيام بما أوجب الله علينا من رعاية الأهل والأولاد لنقيهم بذلك نار جهنم، ونحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا...
[1] رواه مسلم في الصلاة، باب: تسوية الصفوف وإقامتها (440).
| |
|