molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 8:41:06 | |
|
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعدُ: فيا عبادَ اللهِ، اتقوا اللهَ تعالى، واعلموا أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ على جانبٍ منَ الأَهميةِ كبيرٍ، وقدْ جاءَ عن بعضِ أهلِ العلمِ أنَّهُ الإسلامُ كلُّه، حيثُ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى قدْ قرنَه بأهمِّ أركانِ الإسلامِ التي لا يصحُّ إيمانُ المرءِ إلا بها فقال: ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَاتَوُاْ ٱلزَّكَـوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلأمُورِ [الحج:41].
وعندما منَّ اللهِ على هذه الأمةِ الإسلاميةِ بالفضلِ فجعلَها خيرَ أمةٍ أُخرِجَتْ للناسِ بينَ لنا سببَ هذه الخيريةِ فقالَ: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110] أي: بقيامِها بالأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنْكَرِ تستحقُّ منَ اللهِ تعالَى الخيريةَ، وبتركِها الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عنِ المنكرِ ـ عياذًا بالله ـ تستحقُّ الْمَقْتَ والسخطَ والعُقُوبَةَ والذُّلَّ والهَوَان.
عبادَ اللهِ، فَفِي هذِهِ الآيةِ الكريمةِ يُعَرِّفُ اللهُ سبحانَه وَتَعَالَى عبادَهُ المُؤْمِنِينَ بِحَقِيْقَةِ مكانتِهم وحقيقةِ دورِهِمْ في حياةِ البشرِ، أَلا وهوَ واجبُ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ، ذلك الواجبُ الذي يتعاونُ فِيهِ أفرادُ المجتمعِ الإسلاميِّ علَى إقامةِ حدودِ اللهِ جلَّ وعلا وهيمنة شرعه تبارك وتعالى والالتزام بسنة رسوله ، فحينئذٍ يسودُ الأمنُ وتعمُّ الطمأنينةُ، فيستقرُّ لدَى الناسِ الأمنُ منَ الرذيلةِ في كلِّ صوَرِها وأشكالِها، والطمأنينةُ علَى سلامةِ الدّينِ والأخلاقِ والأموالِ منَ الاضْمِحْلالِ والتدهورِ والضياعِ.
فالأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عنِ المنكرِ ـ يا عبادَ الله ـ هُو حصنُ الإسلامِ المنيعُ وسياجُه القويُّ الذي يحمِي أهلَ الإسلامِ منَ الشرورِ والفتنِ ومنْ نزواتِ الشيطان، فإذَا اندكَّ هذا الحصنُ ـ والعياذُ باللهِ ـ كانَ مَا لمْ يكنْ في الحسبانِ منْ شُيُوعِ الفَاحِشةِ ومَكْرِ الفاسقينَ ونهبِ الأموالِ وانتِهَاكِ المحارِم.
فيا عبادَ اللهِ، اتقوا اللهَ واعمَلُوا بأمرِ اللهِ: وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ [آل عمران:104]. وإياكمْ منَ التهاونِ فِيْ هذَا الفَرضِ الذِي قالَ اللهُ فيهِ: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].
واعلَموا ـ رحمَكمُ اللهُ ـ أنَّ نبيَّكمْ ومرْشِدَكمْ صلواتُ اللهِ عليهِ وسلامُهُ قَدْ شدَّدَ في الأخذِ بهذَا الفرضِ العظيمِ والقيامِ بِهِ بِمَا أَمَرَ اللهُ ورسولُه، ومَنْ لَمْ يأمرْ بالمعروفِ وينهَ عنِ المنكرِ فهوَ فِي وادٍ والإيمانُ في وادٍ آخَر حيثُ قَال : ((منْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيدِهِ، فإنْ لمْ يستطعْ فبلسانِه، فإنْ لمْ يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإِيمان))[1]، وفي حديث آخر قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍ بعثَهُ اللهُ فِي أمةٍ قبلي إِلا كَانَ لَه مِن أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وأصحابٌ يأخذونَ بستَّنِهِ ويقتدونَ بأمرِهِ، ثُمَّ تخلُفُ مِنْ بعدِهِمْ خُلُوفٌ يقولونَ ما لا يفْعَلُون ويفعلونَ مَا لا يُؤْمَرون، فمنْ جاهدَهم بيدِه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدَهم بلسانِه فهو مؤمنٌ، ومن جاهدَهم بقلبِه فهو مؤمنٌ، وليس وراءَ ذلك منَ الإيمانِ حبةَ خردلٍ))[2].
وها أنتم ـ يا عبادَ اللهِ ـ تشاهدونَ المنكراتِ وفشوَّها في المجتمعِ الإسلاميِّـ وتلمسونَ ما حلَّ بأمتِكم منَ الخللِ في معظمِ المجالاتِ نتيجةَ تلك المنكراتِ وظهورِ ذلكَ الفسادِ، فلقدْ كثرتِ الذنوبُ، وفشتِ المنكراتُ، وعمَّ الفسادُ كما قالَ اللهُ تعالى: ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ [الروم:41].
فتداركوا ـ رحمَكمُ اللهُ ـ أنفسَكم بالتوبةِ إلى اللهِ تعالى وبالمسارعةِ إلى أداءِ الواجبِ الملقى على عاتقِكم قبلَ أن يعمَّكم اللهُ بعذابِه، قال تعالى: وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:25]، وفي حديثِ قيسِ بنِ أبي حازمٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ أبو بكرٍ بعد أنْ حمدَ اللهَ وأثنى عليه: يا أيها الناسُ، إنكم تقرؤون هذه الآيةَ وتضعونَها على غيرِ موضعِها: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]، وإنما سمعْنا رسولَ اللهِ يقولُ: ((إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يديهِ أوشكَ أن يعمَّهم اللهُ بعقابٍ))، وإني سمعْت رسولَ اللهِ يقولُ: ((ما من قومٍ يعملُ فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيّروا ولا يغيرون،إلا يوشكُ أن يعمَّهم اللهُ بعقابٍ))[3].
واعلموا ـ عبادَ اللهِ ـ أنَّ تركَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ سببٌ من أسبابِ اللعنةِ والطردِ من رحمةِ اللهِ جل وعلا كما قال في كتابِه الكريمِ: لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79].
باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإياكم بما فيه منَ الآياتِ والذكرِ الحكيم.
[1] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: كون النهي عن المنكر من الإيمان (49).
[2] أخرجه مسلم في الإيمان، باب: كون النهي عن المنكر من الإيمان (50).
[3] رواه أبو داود في الملاحم، باب: الأمر والنهي (4338)، والترمذي في الفتن، باب: ما جاء في نزول العقاب إذا لم يغير المنكر (2169)، وابن ماجه في الفتن، باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (4005)، قال الحافظ في التهذيب: "هذا الحديث جيد الإسناد".
الخطبة الثانية
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عبادَ اللهِ، لقد صحَّ من حديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قالَ: ((مثلُ القائمِ في حدودِ اللهِ والواقعِ فيها كمثلِ قومٍ استهموا على سَفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعلاها وبعضُهم أسفلَها، فكانَ الذينَ في أسفلِها إذا استقوا منَ الماءِ مرُّوا على من فوقَهم، فقالوا: لو أنا خرقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نؤذِ من فوقَنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا))[1].
فيا عبادَ اللهِ، اسمعوا وعوا هذا المثلَ المحسوسَ الذي ضربَه لنا معلمُ البشريةِ ، إنه مثلٌ عظيمٌ يهدفُ إلى وجودِ مجتمعٍ إسلاميٍّ متماسكٍ قويِّ البنيانِ، تقومُ دعائمُه على أساسٍ منَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، فيتعاونُ فيه أفرادُه على إقامةِ حدودِ اللهِ وشرعِه، ويأخذون على يدِ الظالمِ الذي يريدُ أن يتجاوزَ حدودَ اللهِ دونَ رقيبٍ أو زاجرٍ، ولهذا المعنى بالذاتِ أرشدَنا اللهُ سبحانَه وتعالى في كتابِه الكريمِ فقالَ جلَّ وعلا: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ [المائدة:2].
فاجتهدوا ـ رحمَكم اللهُ ـ في التعاونِ على البرِّ والخيرِ والمعروفِ، والقضاءِ على الشرِّ والآثامِ والفسادِ، وأن لا نتركَ الأمرَ بالمعروفِ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ، كلّ منا بحسبِ حالِه وقدرتِه كما رتبَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَ ذلك في قولِه: ((من رأى منكم منكرًا فليغيِّرْه بيدِه، فإن لم يستطعْ فبلسانِه، فإن لم يستطعْ فبقلبِه، وذلك أضعفُ الإيمان))، ولا يتركَنّ الأمرَ بالمعروفِ بحججٍ واهيةٍ أو أعذارٍ تافهةٍ، فالأمرُ للوجوبِ، وفقني اللهُ وإياكم لما يرضي اللهَ ويخدمُ دينَ الإسلام.
[1] رواه البخاري في الشركة، باب: هل يقرع في القسمة (3/111).
| |
|