molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أهمية الصلاة وشيء من أسرارها - داود بن أحمد العلواني السبت 5 نوفمبر - 6:33:29 | |
|
أهمية الصلاة وشيء من أسرارها
داود بن أحمد العلواني
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله، واعلموا أن الإسلام قد عني بأمر الصلاة, وشدّد كل التشديد في طلبها، وقضى بالوجوب في أدائها في بيوت الله مع الجماعة حيث ينادى بهن، وحذر أعظم التحذير من تركها أو التهاون بها، وجعلها عمود الدين ومفتاح الجنة وخير الأعمال وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وأمر بها جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم.
فهذا إبراهيم الخليل يقول: رَبّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلوٰةِ وَمِن ذُرّيَتِى رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء [إبراهيم:40]، ومدح الله بها إسماعيل بقوله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَوٰةِ وَٱلزَّكَـوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، وأمر بها كليمه موسى في ساعات الوحي الأولى بقوله: وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِى أَنَا ٱللَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلا أَنَاْ فَٱعْبُدْنِى وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى [طه:13، 14]، وأنطق بها المسيح عيسى ابن مريم في مهده: وَأَوْصَانِى بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم:31]، وأمر بها خاتم أنبيائه محمد بقوله: ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
وبها وصف الله عباده المؤمنين في كثير من الآيات: وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوٰتِهِمْ يُحَـٰفِظُونَ [المؤمنون:9]، ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:23]. ومن أجل بيان أهميتها أكد لنا سبحانه وتعالى المحافظة عليها في الحضر والسفر والأمن والخوف السلم والحرب وفي الصحة والمرض، مشاة أو راكبين، حتى بغير ركوع ولا سجود: فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، حتى إنه جل شأنه لم يشترط لها استقبال القبلة في حال الضرورة فقال: وَلِلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ [البقرة:115].
عباد الله، من أجل هذه المكانة العظيمة السامية الرفيعة العالية للصلاة ثاني أركان الإسلام أنذر الله بالويل والهلاك والضياع كلَّ من يسهو عنها فيضيع وقتها: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4، 5]، ودمغ بالذم واستحقاق الغي كل من أضاعها فقال الله تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا [مريم:59].
أما النبي عليه أفضل الصلاة والسلام فقد بين لنا أن الصلاة هي الدليل الأول الساطع على التزام عقد الإيمان، وأنها الشعار الفاصل بين الكفر والإسلام، فقال: ((بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة))[1]، وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر))[2]، وذكر الصلاة يومًا فقال: ((من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)). إنها ـ يا عباد الله ـ لمزايا حميدة وصفات عظيمة وفوز كبير.
وقد قال العلماء رحمهم الله في توجيه هذا الحديث النبوي الشريف: "من شغله ماله عن الصلاة فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف"، عافانا الله من ذلك.
فاتقوا الله عباد الله، وحافظوا على هذا الركن العظيم، جعلني الله وإياكم من المحافظين عليها المؤدين لها في أوقاتها في بيوت الله مع الجماعة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ [البقرة:238].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
[1] رواه مسلم في الإيمان، باب: بيان إطلاق الكفر على من ترك الصلاة (82) من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
[2] رواه الترمذي في الإيمان، باب: ما جاء في ترك الصلاة (2623)، والنسائي في الصلاة (1/231)، باب: الحكم في تارك الصلاة.
الخطبة الثانية
الحمد لله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم فصل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله اتقوا الله، واعلموا أن الهدف الأساس من كل العبادات هو امتثال أمر الله تبارك وتعالى وأداء حقه وشكر نعمائه التي لا تعد ولا تحصى، وأن الله غني عن عباده كل الغنى، وأن ما يتعبدنا به فإنما هو لصلاح أنفسنا، ويعود علينا بالخير في حياتنا الروحية والمادية، الفردية والجماعية، والدنيوية والأخروية، غير أن الإنسان القاصر المحدود قد يخفى عليه كثير من حكمة الله جل وعلا، ولكن يبقى شعار المؤمن دومًا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ [البقرة:285].
عباد الله، إن الحكمة الأولى من الصلاة هي تذكير العبد بخالقه الذي أوجده من العدم وأبرزه إلى حيز الوجود المشاهد، فقال تعالى: وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِذِكْرِى [طه:14].
والحكمة الثانية: أن الله جل وعلا كرر الصلاة خمس مرات في اليوم لتكون للمسلم زادًا روحيًا يتطهر بها من غفلات قلبه وأدران خطاياه، وقد مثل النبي هذا المعنى بقوله: ((أرأيتم لو أن نهرًا على باب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، فهل يبقى على بدنه من درنه شيء؟)) قالوا: لا، قال: ((كذلك مثل الصوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))[1].
ومن حكمة الصلاة أيضًا أنها تمدّ المؤمن بقوة روحية نفسية تعينه على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا وما ينتابه من كدر ومكابدة ونصب ووصب، فقال تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ [البقرة:153].
ومن ثمار هذه الفريضة العظيمة القدر والمكانة أنها تمدّ المؤمن بقوة كبيرة وهمة عظيمة تقويه على فعل الخير وترك الشر ومجانبة الفحشاء والمنكر، فقال تعالى: وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].
عباد الله، هذا غيض من فيض وقليل من كثير من حِكم وثمار هذه الفريضة الجليلة، وأما ما نراه من بعض المصلين من ضَعف في أخلاقهم وانحراف في سلوكهم فإن دل على شيء فإنما يدلّ أن صلاتهم جثة بلا روح، وحركاتهم حركات جسم بلا حضور عقل ولا خشوع قلب، فأنى لهؤلاء أن يقطفوا الثمار وقد توعدهم الله بقوله: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَـٰتِهِمْ سَاهُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَاءونَ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ [الماعون:4-7]؟!
أعاذني الله وإياكم من ذلك، وجعلنا من عباده المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون، فإنهم هم الناجحون الناجون المفلحون، قال الله تعالى: إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45].
وعلى العبد المسلم أن يعلم يقينًا أنه في صلاته يقف بين يدي ربه جل وعلا، وأنه في صلاته يناجي ربه، وأنه أقرب ما يكون إلى ربه وهو ساجد، فليذكر الله خاشعًا لله، وليسأل الله وهو موقن بالإجابة، وليلح على ربه في الدعاء، وليكثر من الدعاء لنفسِه ولوالديه ولذريته بصلاح النية وصواب العمل، ويدعو الله تبارك وتعالى أن يقبل منه ويتجاوز عنه، اللهم تقبل يا كريم.
والدعاء أمره مهم في حياة المسلم، بل إن الله جل وعلا يأمر بدعائه كما قال الله تبارك وتعالى: وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ [غافر:60]، فإن الذين يستكبرون عن دعاء ربهم وخالقهم جل وعلا فقد خابوا وخسروا، ثم مآلهم إلى جهنم وبئس المصير.
فعليك ـ أخي المسلم ـ أن يلهج لسانك بالدعاء، وعليك اجتناب موانع الاستجابة، لما سأل الصحابي الجليل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: يا رسول الله، ادع الله لي أن أكون مستجاب الدعوة، أجابه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة))، فالجواب عام لجميع المسلمين بأن يطيّبوا مطعمهم حتى يستجيب الله لدعائهم.
[1] رواه البخاري في مواقيت الصلاة، باب: الصلوات الخمس كفارة (1/134)، ومسلم في المساجد، باب: المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات (667).
| |
|