molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: سورة الحجرات (4)- خالد بن محمد بابطين السبت 5 نوفمبر - 5:48:27 | |
|
سورة الحجرات (4)
خالد بن محمد بابطين
الخطبة الأولى
ما زلنا ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ نتفيأ ظلالَ سورة الحجرات، هذه السورة الكريمة التي رسمت منهجًا للمسلم في حياته الذي به صلاحه، ومن ثم صلاح المجتمع بأسره، وما أحوجنا في هذا الزمن زمن الماديات الذي نعيشه إلى أن ننظر في رصيدنا الأخلاقي والسلوكي، وأن نُعنَى بزيادته ونودعَ فيه ما ينمّيه أم أنّ الدنيا قد أشغلتنا وألهتنا عمّا فيه صلاحنا وفلاحنا ونجاتنا في الدنيا والآخرة.
اسمع هذا النداء الرباني في هذه السورة المباركة وعِش معه بقلبك وقالبك وانظر أين أنت منه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].
ثلاث نواهٍ تضمّنتها الآية: أوّلها النهي السخرية، ثانيها النهي عن اللمز، أما الثالث فهو النهي عن التنابز بالألقاب، يكفينا في ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم قال : ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر ـ أي: يكفيه شرًا ويكفيه إثمًا ـ أن يحقر أخاه المسلم، كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).
والعِرض هو محلّ الذم أو المدح من الإنسان، فإذا اغتبتَ إنسانًا فقد نِلت من عِرضه، وإذا نممت على إنسان فقد جرحتَ عرضه، وإذا سخرت منه فقد انتقصتَ من عرضه، ((كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)).
وفي خطبة حَجة الوداع لم يغفل رسول الله عن هذه القضية المهمة في بناء المجتمع المسلم، فلقد كانت ركنًا ركينًا، وقف يوم الحج الأكبر يسألهم: ((أيّ يوم هذا؟ أيّ شهر هذا؟ أيّ بلد هذا؟)) ثم قال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا))، ولم يكتف بذلك بل قال أخيرًا: ((ألا هل بلغت؟)) قالوا: نعم، قال: ((اللهم فاشهد)).
أيّها الإخوة المؤمنون، وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11]، اللمز والهمز ذكِر في كتاب الله كثيرًا، واللمز هو المعيبة باللسان، والهمز بغير اللسان كالإشارة باليد أو العين أو غير ذلك، وقيل: اللمز في الوجه، والهمز في الغَيبة، قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، وقال سبحانه: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم:10-13].
وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات:11] تعبير ربّاني لا يقدر عليه البشر؛ لأنك عندما تلمِز أخاك وتعيبه إنما تعيب نفسَك؛ لأن المؤمن للمؤمن كالبنيان، وفي الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)).
وتتبّع عورات المسلمين باللمز والهمز علامة على النفاق وليست علامة الإيمان، ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذي))، وفي البخاري عن بلال بن الحارث قال: قال رسول الله : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخط الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة)).
يُلقي الرجل الكلمةَ لا يُلقي لها بالاً وهو يحتسي القهوة والشاي، يريد أن يملأ فراغه ويضحِك خلاّنه أو يسرّ الذين يسامرونه، فيسخر من أخيه المسلم أو يقع في عرضه همزًا أو لمزًا، هذه الكلمة قد يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة، قال علقمة: "كم من كلام منَعَنيه حديث بلال بن الحارث أن أقوله".
قالت عائشة رضي الله عنها يومًا: يا رسول الله، حسبك من صفيّة كذا وكذا، تعني أنها قصيرة، فقال : ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))، لو اختلطت بماء البحر لأنتَن البحر كلّه، هذه الكلمة ـ إنها قصيرة وهي تُرى قصيرة ـ أنتنت ماء البحر لو مزجت به، فكيف بكثير مما نقوله صباح مساء؟!
أيها الإخوة، ثلاث نواه السخرية واللمز والتنابز بالألقاب، ونتيجة أي واحدة من الثلاث وجزاؤها شيئان عند الله: تأخذ من الله اسمين وتفقد اسمًا عظيمًا، كان اسمك عند الله مؤمنا فأعطاك الله بدله اسم الفاسق، وإذا لم تتب مسرعًا فيعطيك لقبًا آخر وهو الظلم، بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11]، هل اشتريت باسم المؤمن عند الله اسم الفاسق؟! بعت اسم المؤمن واشتريت اسم الفاسق والظالم معا، بماذا؟! بهمزات لسان وومضات شفاه أو لحظات عين، تعس من تخلى عن اسم مؤمن ونال من ربه تعالى الذي لا معقب لكلماته ولا راد لقوله ولا معقب على حكمه اسمين اثنين: اسم الفسق واسم الظلم، أيُّ لعنة هذه البيعة التي بعت بها إيمانًا واشتريت بها فسقًا وظلما؟!
إن حرمة عرض المسلم أعظم من حرمة الزنا والربا، في حديث ابن مسعود عند الحاكم قال : ((الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثلُ إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه)).
أيها المؤمنون، لقد حفلت نصوص الشرع بالتحذير من زلات اللسان وبيان خطورته وما يجره على صاحبه من ويلات ومهالك، قال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]، وقال سبحانه: سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا [آل عمران:181]، وقال عز شأنه: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ [النور:15]، وحث على حفظ اللسان وصيانة المنطق ومجانبة الفحش والبَذاء فقال جل وعلا: وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا [الإسراء:53]، وقال النبي لمعاذ: ((أمسك عليك هذا)) وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) وحصائد الألسن جزاء الكلام المحرّم وعقوباته. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي أنه قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا))، قال النووي رحمه الله: ((تكفر اللسان)) أي: تذل له وتخضع".
ولقد كان خوف السلف الصالح من آفات اللسان عظيمًا، فهذا أبو بكر كان يخرج لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني شر الموارد)، وكان ابن عباس يأخذ بلسانه ويقول: (ويحك، قل خيرا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فإنك ستندم)، فقيل له: يا ابن عباس، لم تقول هذا؟ قال: (إنه بلغني أن الإنسان ليس على شيء من جسده أشد حَنَقًا أو غيظًا منه على لسانه إلا من قال به خيرًا أو أملى به خيرًا)، وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، وقال الحسن: "اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت، وإذا عفّ عفت"، وقال عمر : (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)، وكان طاووس رحمه الله يعتذر من طول السكوت ويقول: "إني جربت لساني فوجدته لئيما وضيعا"، وقال أحد السلف: "إن ترك فضول الكلام والطعن في الناس أشق على النفس من قيام الليل"، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "كان بعض أصحابنا يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة".
أيها المؤمنون، حفظ المرء للسانه وقلّة كلامه عنوان أدبه و+اء نفسه ورجحان عقله، كما قيل في مأثور الحكم: "إذا تم العقل نقص الكلام"، وقال بعض الحكماء: "كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل".
إذا شئت أن تحيا سليـما من الأذى وحظك موفورٌ وعرضك صيّن
لسانك لا تذكر به عـورة امـرئٍ فكلّك عوراتٌ وللناس ألسـن
وعينك إن أبدت إليـك معـايبـا يومًا فقل يـا عين للناس أعين
فصاحب بمعروفٍ وسامح من اعتدى وفـارق ولكن بالتي هي أحسن
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه العظمى وآلائه التي تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى والخليل المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أئمة الهدى وبدور الدجى، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: حوالي 50 ألف قتيل وأكثر من 100 ألف مشرّد بلا مأوى، عشرات الآلاف من الجرحى حصيلة زلزال استغرق 3 ثوان فقط. الأرض تهتزّ والناس فوقها يترنحون ويتأرجَحون، الأرض من تحتهم تهتزّ وتمور، البيوت تتساقط، والناس يُهرعون إلى الطرقات بعد أن كانوا يحتمون بالبيوتات. هزّة في طبقة القشرة الأرضية درجة محدودة لقوّة الزلزال على مقياس رصد الزلازل، إنّ ذلك يذكّرنا بزلزال يوم القيام الأكبر، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1، 2]، إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [سورة الزلزلة].
آيات وسور ما أكثر ما نسمعها ونقرؤها في صلاتنا، وما أقل ما نتدبرها. ذلكم هو الزلزال الحقيقي العظيم تُخرج الأرض ما فيها، يسأل الإنسان: ما الذي حدث؟ فتحدّث بأن الله أوحى لها أمرها، أليس هو الذي خلقها؟! فإذا أمرها أطاعت مباشرة، يخرج الناس أفواجًا وجماعات ليأخذوا صحائف أعمالهم، إما باليمين وإما بالشمال، يرى الواحد الجليلَ والحقير من عمله حتى مثقال الذرة، وفي هذا ذكرى للقلب الذي يرتعِش لمثقال ذرة من خير أو شر، وثمة قلوب لا تتحرّك للجبل من الذنوب والمعاصي والجرائم، قلوب لا تتأثّر وهي تسحق رواسي من الخير دونها رواسي الجبال، إنها قلوب تعلقت في الأرض مسحوقةً تحت أثقالها تلك في يوم الحساب.
قال بعض السلف لما زلزلت الأرض: "إن ربكم يستعتبكم"، وقال عمر بن الخطاب وقد زلزت المدينة فخطبهم ووعظهم وقال: (لئن عادت لا أساكنكم فيها).
عباد الله، لقد كثرت الزلازل المروِّعة التي دمرت الإنسان والعمران، وقد تتابع وقوع ذلك في سنين متقاربة، ولا شك أن هذه عقوبات على ما يرتكبه العباد من الكفر والفساد، وفيها لمن حولهم عبر وعظات لا يدركها إلا أولو الألباب، وهي تظهر قدرة الله الباهرة حيث يأذن لهذه الأرض أن تتحرّك لبضع ثوان فينتج عن ذلك هذا الدمار وهذا الهلاك والرعب.
لقد أكّدت الآثار بأن ذلك يكثر في آخر الزمان حتى لا يكاد يمرّ الشهر والشهران حتى تسمع بزلزال في موضع من الأرض، جاء في الحديث الذي رواه أحمد والبخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم ويتقارب الزمان وتكثر الزلازل وتظهر الفتن ويكثر الهرج))، قيل: ما الهرج؟ قال: ((القتل))، ولقد شهد الواقع لما أشار إليه هذا الحديث.
عباد الله، وإنّ مما يَحُزُّ في النفس أن يتردّد في أوساط الناس أن هذه ظواهر طَبَعِيَّة لا أثر للذنوب فيها، ويرجعون كثرة القتل الذي حدث في الزلازل لضعف المباني، فلو كانت المباني على طريقةٍ جيدة لما حصلت هذه الخسائر! فواعجبًا ما أشدّ غفلة الإنسان، وما أكفره بقدرة ربه جل وعلا. ألم تهلك أمم بأكملها ومساكنهم قد نُحتت من الجبال، فأبقاها الله شاهدة عليهم؟!
إنها إرادة الله تعالى، إنها بسبب الغفلة عن مكر الله، لقد جاءهم الزلزال بعد هجوع الناس، جاءهم بياتًا وهم لا يشعرون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن حال من ينكر أن هذه الحوادث بسبب الذنوب كحال من ذكّرهم الله في كتابه العزيز، فإذا أصابهم الكرب والضر قالوا: قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ [الأعراف:95]، فهذا أمر طَبَعِيّ لا علاقة له بذنوب العباد، فيواصلون في إعراضهم وفجورهم ويقولون: إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ [الشعراء:137]، ولقد قال الله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].
ولنتذكر قول الله تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [الأنعام:65-67].
فاتقوا الله تعالى، وتوبوا إليه من ذنوبكم، وخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن يحلّ بنا ما حلّ بمن حولنا، ولنعلم جميعًا أن الذي جعل غيرنا عبرة لنا قادر على أن يجعلنا عبرة لغيرنا، ولنعلم أن ما وقع إنما هو من +ب الناس، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]، وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].
فهل نعتبر عباد الله؟! ما أكثر ما نسمع ونقرأ ونشاهد من حوادث مروعة وعقوبات مفزعة ومع ذلك لا يزال الكثير مصرًا على طغيانه وفجوره، مِنْ هجر المساجد وفعل المنكرات، حتى أصبح كثير من البيوت والمتنزهات أوكارًا للفسقة والعصاة والتاركين للصلاة، قلّ المنكرون، تبلّدت الأحاسيس حتى ألِفنا المنكرات، فإن أنكر الناصح أُنكِر عليه، وإن وعظ الواعظ شدِّد عليه.
إننا والله لنخشى من العقوبة، أليس الله يقول: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]؟! وجاء في الحديث عنه : ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)).
فاتقوا الله في أنفسكم وأهليكم، وقوا أنفسكم وأهليكم نارًا...
| |
|