molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ثلاث كفارات - خالد بن محمد بابطين الجمعة 4 نوفمبر - 10:13:09 | |
|
ثلاث كفارات
خالد بن محمد بابطين
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، ما نزال نتفيّأ ظلال ذلك الحديث النبوي العظيم من رواية ابن عمر عن رسول الله أنه قال: ((ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات. فأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى وخشية الله تعالى في السر والعلانية، وأما الكفارات فانتظار الصلاة بعد الصلاة وإسباغ الوضوء في السَبَرات ونقل الأقدام إلى الجماعات، وأما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام))، وقد وصل بنا الحديث إلى الثلاث الكفارات، فهلم نتأملها علّ الله تعالى أن يجعلنا ممن تكفّر عنهم ذنوبهم وتحطّ عنهم خطاياهم.
فإن العبد لا يزال في حال من التقصير والتفريط، وفي الحديث القدسي: ((قال الله تعالى: يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم))، ويقول تعالى عن الإنسان: كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ [عبس:23]، قال مجاهد وقتادة: "لا يقضي أحد ما أمر به"، وكان ابن عباس يقول: (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ لم يف بالميثاق الذي أخذ عليه في صُلب آدم). ولذلك فمن فضل الله تعالى ورحمته بعباده أن شرع لهم مثل هذه الكفارات لتكمل النقص وتسدّ الخلل والتقصير الحاصل، وفي الحديث: ((إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا)).
أول هذه الكفارات انتظار الصلاة بعد الصلاة، وهو دلالة على تعلق القلب بها وحبه لها، وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل قلبه معلق بالمساجد)) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
وما أعظم أن يكون المسجد مكان يتوطّنه الإنسان ولا يمل الجلوس فيه، بل تتوق نفسه للرجوع إليه كلما خرج منه، وفي الحديث: ((ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)) رواه ابن ماجه في سننه، وفي رواية: ((ما من رجل كان توطن المساجد فشغله أمر أو علة ثم عاد إلى ما كان إلا يتبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذ أقدم)).
والعبد لا يزال في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه كما جاء في البخاري من حديث أبي هريرة وعن عقبة بن عامر عن رسول الله أنه قال: ((القاعد على الصلاة كالقانت ـ أي: منتظر الصلاة كالقائم يصلي ـ ويكتب من المصلين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه))، بل إنه ينعم باستغفار الملائكة له وصلاتهم عليه، ففي حديث أبي هريرة : ((إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم اغفر له اللهم ارحمه)).
وذلك الأمر مما يباهي به الله تعالى ملائكته، خرج رسول الله على حلقة من أصحابه فقال: ((ما يجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده لما هدانا للإسلام ومن علينا به، فقال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)) قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، إنه أتاني جبريل وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة))، وفي حديث آخر قال عبد الله بن عمرو : صلينا مع رسول الله المغرب فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله مسرعا قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال: ((أبشروا، هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي، قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى)).
أيها الإخوة الكرام، ثمة باب أجر عظيم في عمل يغفل عنه كثير من الناس، ذلكم هو الجلوس في المسجد عقب صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله : ((من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة)) رواه الطبراني بإسناد جيد، وقد كان رسول الله إذا صلى الفجر لم يقم من مجلسه حتى تمكنه الصلاة ـ أي: ترتفع الشمس ويزول وقت النهي ـ وقال: ((من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه حتى تمكنه الصلاة كان بمنزلة عمرة وحجة متقبلتين)) رواه الطبراني.
ثاني هذه الكفارات إسباغ الوضوء على السبرات، والمقصود به إكمال الوضوء في مواضعه الشرعية في حال شدة البرد، وقد عبر عنه في بعض الأحاديث بالمكاره؛ لأنه أمر تكرهه النفس ويشقّ عليها، وقال بعضهم: المكاره هي الأحوال التي يثقل على الإنسان فيها الوضوء لبرد أو ألم جسم أو نحوه، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن رسول الله قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط)).
أيها الإخوة، إن إسباغ الوضوء من دواعي إجابة الدعاء، ولقد عده النبي شطر الإيمان فقال: ((إسباغ الوضوء شطر الإيمان)) رواه ابن ماجه.
والصلاة تظل ناقصة ما لم يسبغ الإنسان الوضوء، ففي سنن ابن ماجه عن رفاعة بن رافع قال: قال رسول الله : ((إنها لا تتم صلاة لأحد حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى)).
والوضوء أمانة من أعظم الأمانات التي حُمِّلها الإنسان، وفي الحديث: ((القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة))، قال: ((يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها أبد الآبدين))، ثم قال: ((الصلاة أمانة والوضوء أمانة)) الحديث.
وقد جاءت الأحاديث بذكر فضائل عظيمة لإسباغ الوضوء، ومن ذلك قوله : ((ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلى ركعتين يقبل بقلبه وبوجهه عليهما إلا وجبت له الجنة))، واسمع هذا الحديث: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها وحضرها، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا))، وتأمل هذا أيضًا: ((ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه)).
وإذا أردت زيادة في النعيم في الجنة وأن تحلّى من حليها فعليك بإسباغ الوضوء، في صحيح مسلم أن رسول قال: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)).
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله بعثه بالرحمة والهدى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأصفياء وأصحابه النجباء والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المؤمنون، أما الخصلة الثالثة في هذا الحديث فهي نقل الأقدام إلى الجماعات، ويعظم في ذلك الأجر كلما كثرت خطوات الإنسان إلى المسجد، في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج عامدًا إلى الصلاة فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسعَ فإن أعظمكم أجرًا أبعدكم دارًا))، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطى، بل إن فضل الله في ذلك عظيم حيث يكتب له ذلك الأجر ذاهبًا وراجعًا كما في حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال: ((من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة ذاهبًا وراجعًا))، وعن أبي أمامة أن رسول الله قال: ((من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة في أثَر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين))، وعن جابر قال: خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سَلِمَة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك رسول الله فقال لهم: ((بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد))، قالوا: نعم يا رسول، قد أردنا ذلك، فقال: (( بني سلمة، دياركم تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم))، فقالوا: ما يسرنا أنا كنا تحولنا، وفي حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح)).
أيها المؤمنون، وفي ظلمة الليل يعظم أجر من مشى إلى الصلاة، قال : ((بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة))، وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إن الله ليضيء للذين يتخلّلون إلى المساجد بنور ساطع يوم القيامة)).
وفي يوم الجمعة يكون للمشي إلى صلاة الجمعة شأن آخر، ففي حديث أوس بن أوس الثقفي قال سمعت رسول الله يقول: ((من غسّل يوم الجمعة واغتسل ثم بكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها)).
| |
|