molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإسراء والمعراج - خالد بن محمد الشارخ الجمعة 4 نوفمبر - 10:00:34 | |
|
الإسراء والمعراج
خالد بن محمد الشارخ
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله ربكم واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى والآلاء الجسيمة العظمى، وأن جعلنا من أمة خير الأنام محمد ، وجعلنا الآخرين زمنًا الأولين منزلة وشرفًا، فأكرمُ الأممِ على اللهِ أمةُ محمدٍ ، وأفضلُ نبي بل أفضلُ مخلوق على الإطلاق هو نبينا محمد .
ومن نعم الله علينا أن فضل نبينا على سائر الأنبياء والمرسلين، وخصه بخصائص لم ينلها أحد من البشر، ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر، فمن خصائصه العظيمة ذلكم الإسراء والمعراج.
الإسراء حيث أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، المسجد الأقصى الذي تدنسه صهيون وتبني فيه معابدها وتمارس فيه طقوسها، نعم هو مسرى نبيكم محمد وثالث المسجدين، ولكن إلى الله المشتكى من ضعف المسلمين وقلة حيلتهم وهوانهم على الناس، فنحن في زمان استأسدت فيه الخفافيش.
والمعراج حيث عرج به إلى السماء، فدخل سماء تلو سماء، حتى وصل إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام.
فهاكم خبر الإسراء والمعراج ملخصًا من الروايات الصحيحة المسندة، وهذه الروايات أغلبها في الصحيحين وما أذكر من غيرها فهو صحيح الإسناد.
فبينما النبي نائم في الحجر في الكعبة أتاه آت، فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه، ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانًا؛ تهيئة لما سيقوم به، ثم أتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار، يقال لها: البراق، يضع خطوه عند منتهى طرفه، فركبه النبي وبصحبته جبريل الأمين، حتى وصل بيت المقدس، فنزل هناك وصلى بالأنبياء إمامًا يصلون خلفه؛ ليتبين بذلك فضله وشرفه وأنه الإمام المتبوع.
ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح له، فوجد فيها آدم عليه السلام، فقال جبريل: هذا أبوك آدم فسلِّم عليه، فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، وإذا على يمين آدم أرواح السعداء وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته، فإذا نظر إلى اليمن سر وضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى.
ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنعم المجيء جاء، ففتح له فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابنا الخالة، كل واحد منهما ابن خالة الآخر، فقال جبريل: هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلم عليهما، فردا السلام، وقالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة، فاستفتح فقال له أهل السماء الثالثة مثل ما قالوا، فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام، فقال جبريل: هذا يوسف فسلم عليه، فسلم عليه، فرد السلام، وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح.
ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح، فقالوا مثل ما قال أولئك، فوجد فيها إدريس، فقال جبريل: هذا إدريس فسلم عليه، فسلم عليه، فرد السلام، وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح،.
ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح، فقالوا مثل ما قال أولئك، فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى ، فقال جبريل: هذا هارون فسلم عليه، فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح،.
ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح، فقالوا مثل ما قال أولئك، ففتح له فوجد فيها موسى ، فقال جبريل: هذا موسى فسلم عليه، فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزه بكى موسى، فقيل له: ما يبكيك؟! قال: أبكي لأن غلامًا ـ يعني محمدًا ـ بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي، فكان بكاء موسى حزنًا على ما فات أمته من الفضائل، لا حسدًا لأمة محمد .
ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح، فقالوا مثل ما قال أولئك، ففتح له فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن ، فقال جبريل: هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلم عليه، فرد عليه السلام وقال: مرحبًا بالابن الصالح والنبي الصالح، وكان إبراهيم مسندًا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون، وفي اليوم التالي يأتي مثلهم فيخرجون منه فلا يرجعون إليه وهكذا. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "ورأى إبراهيم الخليل باني الكعبة الأرضية مسندًا ظهره إليه لأنه الكعبة السماوية".
ثم رفع النبي فجاوز منزلة إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء، فسمع صريف الأقلام أقلام القدر بما هو كائن إلى قيام الساعة، ورأى سدرة المنتهى، فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها، ورأى هناك جبريل على صورته وله ستمائة جناح، ورأى رفرفًا أخضر قد سد الأفق، ورأى الجنة والنار، فأدخل الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك.
ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة، فرضي بذلك وسلم، ثم نزل فلما مر على موسى قال: ما فرض ربك على أمتك؟ قال: ((خمسين صلاة في كل يوم))، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس بتلك، وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال النبي : ((فرجعت فوضع عني عشرًا))، وما يزال يراجع ربه بطلب موسى حتى استقرت الفريضة على خمس، فنادى مناد: أمضيت فريضتي وخففت على عبادي، هي خمس ولهم أجر خمسين.
ثم نزل رسول الله حتى أتى مكة بغلس، وصلى بها الصبح، فلما أصبح أخبر قريشًا بما رأى، فكان في ذلك امتحان لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب، وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ [الإسراء:60]، وقالوا: كيف تزعم ـ يا محمد ـ أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرًا في الذهاب وشهرًا في الرجوع؟! فهات صف لنا بيت المقدس، فجعل النبي يصفه لهم حيث جلاه الله له، فجعل ينظر إليه ويصفه لهم فبهتوا وقالوا: أما الوصف فقد أصاب، وجاء الناس أبا بكر فقالوا: إن صاحبك يقول كذا وكذا، فقال: إن كان قاله فقد صدق، فسمي الصديق من يومئذ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:1-9].
الخطبة الثانية
أما بعد: أخي، يا من تستمع إلي وقد جمعت نفسك بين يدي، أرأيت ـ يا أخي ـ كيف عظم الله أمر الصلاة، وكيف أعلى شأنها؟! ولو سبرت العبادات كلها لوجدتها مفروضة في الأرض، وليس ذلك فحسب بل وبواسطة جبريل، أما الصلاة ففرضها الله على نبيه وعلى أمته فوق سماواته، وكلم عبده محمدًا كفاحًا ليس بينه وبينه ترجمان، أفبعد هذا ـ يا أخي ـ تتكاسل عن الصلاة وتتأخر في أدائها؟! أم كيف ترجو ثوابًا وتؤمل عفوًا وقد قصرت في أدائها؟!
إنها كلمات أهمسها في أذنك أخي المقصر في الصلاة المضيع لشأنها، فهل نجد منك أذنًا صاغية أم قلبًا واعيًا؟! ولا أريد منك ـ يا أخي ـ أن تحافظ على هذه الصلوات فحسب، بل حافظ عليها وصلها مع الناس، ولا تصلي في بيتك وحدك، ألم تسمع إلى ربك وهو يقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]؟! أي: صلوها مع المصلين.
ولعلي أذكرك ـ يا أخي ـ ببعض أحاديث نبيك في أمر الصلاة مع الجماعة وبعض كلام صحابته الكرام، فلعلك قد نسيتها:
فعن ابن عباس أن النبي قال: ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزمًا من حطب، ثم آتي قومًا يصلون في بيوتهم فأحرقها عليهم )) رواه مسلم، وعن أبي هريرة قال: أتى النبي رجل أعمى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: ((هل تسمع النداء؟)) فقال: نعم، قال: ((فأجب)) رواه مسلم.
وهذا ابن مسعود كان يقول: (من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى بها يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف). يهادى بين الرجلين: يُرفد من جانبيه ويؤخذ بعضده يمشي به إلى المسجد.
وما يمنعك ـ يا أخي ـ من حضور الجماعة والصلاة معهم؟! لا أظن أن شيئًا يمنعك، لكن لعلك لم تجرب لذة الصلاة مع الجماعة، وإلا فإن صلاة الجماعة لا تأخذ من وقتك أكثر من عشر دقائق أو قل: ربع ساعة، فلِمَ تحرم نفسك هذه اللذة والأنس والراحة؟!
بالأمس القريب صلى معنا شاب صلاة الفجر، فلما انتهينا من صلاتنا جاءني وقد ارتسمت في وجهه علامات التأثر، جاءني وقد عبرت قسمات وجهه قبل ذبذبات كلماته، كلمني والكلمات تتزاحم في فمه، فما يدري بأيها يبدأ، فقال: إني لا أصلي مع الجماعة أحيانًا وأصلي وحدي في بيتي، فقلت له: لا، هداك الله، لا تفعل، أرأيت كيف لصلاة الجماعة من أنس وراحة ولذة وحلاوة؟! فقال: نعم والله.
فيا أخي المسلم، عاهد نفسك من الآن أن لا تفوتك صلاة الجماعة أبدًا.
أيها المسلمون، وقبل أن أختم حديثي إليكم نذكّركم أن واجبنا أن نستفيد من حادث الإسراء والمعراج العبرة والعظة، والتمسك بأوامر الله واجتناب مناهيه، ولا يكون حظنا منه إحداث البدع وإقامة الاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي حذر منها نبينا محمد .
ولو سلمنا لهؤلاء جدلاً أنه لا بأس بإحيائها وإقامة الاحتفالات فيها فنسألهم ونقول: هل تستطيعون أن تخبرونا في أي شهر وقع الإسراء والمعراج؟! فلن يستطيعوا تحديد الشهر فضلاً عن الليلة، فإن أحدًا لم يجزم بأنها في الشهر الفلاني، فضلاً عن تحديد ليلتها، لكنهم اتخذوا يومًا اختاروه لأنفسهم.
وكأن النعمة بهذه الآية العظيمة ـ أعني الإسراء والمعراج ـ لا تحصل إلا في تلك الليلة الواحدة في السنة، وليس لها أثر مستمر باستمرار الصلوات الخمس في اليوم والليلة، مستمر كلما قرأت هذه الآية من القرآن، لكنها التقاليد الفاسدة والطقوس الفارغة التي شابهوا بها اليهود والنصارى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].
| |
|