molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: استقبال رمضان - خالد بن محمد الشارخ الجمعة 4 نوفمبر - 9:50:34 | |
|
استقبال رمضان
خالد بن محمد الشارخ
الخطبة الأولى
أما بعد:
قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
أيها المسلمون، ما أسرع تصرم الأيام وتعاقب الأزمان، فبالأمس ودعنا رمضان، وها نحن اليوم نستقبله، وهكذا أصبحت عملية الدنيا تدور بسرعة مذهلة، فأصبحت السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، فأين المشمرون المسابقون؟! أين الصالحون المتقون؟! بل أين المذنبون والعاصون؟! وأين المقصرون المفرطون؟! هذا زمان التوبة والاستغفار وأوان الرجوع والان+ار.
عباد الله، لقد أظلكم موسم هذا الشهر العظيم، وحل بساحتكم هذا الضيف الكريم، رحمةً من الله بكم، ليقربكم سبحانه إليه بطاعته، فتنالوا عنده المنازل العالية، في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين))، وفي رواية للترمذي وابن ماجه وغيرهما: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة))، وفي الصحيحين أيضًا من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك)).
كان سلفنا الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، وإذا بلغهم دعوا الله ستة أشهر أن يتقبله منهم، وكانوا يقولون في دعائهم: "اللهم سلمنا لرمضان، وسلم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبلاً".
أيها الإخوة، إن رمضان مزرعة الآخرة فهل من زارع؟! ورمضان فرصة للتائبين فهل من تائب؟!
أيها المسلمون، هبت اليوم على القلوب نفحة من نفحات نسيم القرب، ووصلت البشارة للمنقطعين عن الله بالوصل وللمذنبين بالعفو وللمستوجبين النار بالعتق.
لما سلسلت الشياطين في شهر رمضان وخمدت نيران الشهوات بالصيام انعزل سلطان الهوى والشهوة، وصارت الدولة لحاكم العقل بالعدل، فلم يبق للعاصي عذر.
يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي، يا شموس التقوى والإيمان اطلعي، يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي، يا قلوب الصائمين لا تهجعي، يا ذنوب التائبين لا ترجعي، يا أرض الهوى ابلعي ماءك، ويا سماء النفوس أقلعي، وغيض نار الشهوة، واستوت النفوس إلى باريها وخالقها، وقيل: بعدًا للقوم الظالمين المسرفين.
عباد الله، إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح، فاغتنموه بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والذكر، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)). وقيام رمضان يكون بأن تصلي مع الإمام صلاة التراويح حتى يقضي صلاته، روى أهل السنن من حديث أبي ذر أن رسول الله قال: ((إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسبت له قيام ليلة)).
أيها الإخوة، إن شهر رمضان فرصة لإزالة العداوة والبغضاء والشحناء، سواء كانت بينك وبين أقاربك أو بينك وبين الناس، واستكثروا في شهر رمضان من أربع خصال، اثنتان ترضون بهما ربكم، واثنتان لا غنى لكم عنها، فأما اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار، وأما اللتان لا غنى لكم عنها فتسألون الله الجنة وتستعيذون به من النار.
أيها المسلمون، إن كثيرًا من الناس يتجهزون لرمضان، لكن مع الأسف لا يتجهزون بالتقوى، يتجهزون بالمطاعم والمشارب، ويتجهزون بالأفلام والمسلسلات أو قل: بالقنوات الفضائية، فها هي القنوات العربية والغربية تعلن دعاياتها باستقبال رمضان؛ فسهرة ليلة الخميس وسهرة ليلة الجمعة وسهرة ليلة كذا وكذا، وأغان ومسلسلات وأفلام هابطة، بهذا يستقبل رمضان عند بعض المسلمين، وينتهي رمضان وهم على هذه الحالة، فسهر بالليل إلى قرب الفجر، ثم النوم العميق إلى قرب المغرب، فإذا قام قضى ما فاته من الصلاة وكأنه يمن على الله بصيامه.
وهكذا أصبحنا رهينة لأعداء الله ولقمة سائغة لهم، فهم حينما علموا عن شهر رمضان ومكانته عند المسلمين وأنه موسم للقربة ولرجوع الناس أجلبوا بخيلهم ورجلهم، وسلطوا سهامهم في شهر رمضان، وأعدوا العدة للانقضاض على روح العبادة في هذا الشهر بأنواع المعاصي التي يجرون إليها الناس.
فأنت ترى في الإعلانات والدعايات: بمناسبة حلول شهر رمضان سيعرض الفلم الفلاني، وهكذا أصبح رمضان موسم للمحرمات وعرض الأفلام.
وبمناسبة شهر رمضان خصومات على الاشتراك في القنوات الفضائية، الأوائل في الفسق والمجون ومبارزة الله بالمعاصي، التقسيط ثلاثة شهور مجانًا، تسهيلات في قيمة جهاز فك الشفرة خمس قنوات بكذا وثلاث قنوات بكذا، كل هذا بمناسبة حلول شهر رمضان، فإلى الله المشتكى. نعم، بهذا أشغل شهر الصيام في أيامنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
أشغِل الناس في شهر رمضان بفوازير رمضانية وليس لها شأن برمضان، حتى المرأة ما سلمت من شر هذه القنوات؛ فهم يعرضون لها طبق اليوم وسفرة رمضانية، وليس هذا فحسب، بل بعد أن يذوق الناس طعم الفرحة عند فطرهم فإذا بها تشاركهم الفرحة فتعرض لهم سخافات وجهالات، مواقف كُومِيديّة الكَمِرا الخفيّة ونجوم الفكاهة، لكنهم يعرضون بمناسبة رمضان مسلسلات إسلامية ويعرضون التاريخ الإسلامي، وإذا هم يشوّهون التاريخ الإسلامي ويلطّخون تاريخ الأبطال والأماجد بحجة أنها تاريخ الإسلام، فهم يمثّلون دَورَ عمر بن عبد العزيز أو صلاح الدين أو خالد بن الوليد، أو دور الخنساء أو صفية أو عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
وإذا هم يدسّون السمّ في العسل، فتأتي امرأة ماجنة فاجرة بدأت شهرتها بفلم ماجن مليء بالغرام والهيام والتفسّخ والتبذّل، فإذا هي تمثّل دور عائشة رضي الله عنها زوج النبي ، والتي نزلت في سببها 13 آية من كتاب الله تتلى إلى أن يشاء الله.
وقل مثل ذلك في الرجال، فمتى كان سعد بن أبي وقاص يتوقّف عن القتال أثناء المعركة من أجل أنه رأى امرأة أعجميّة، فجعل ينظر إليها ونسي المعركة والجهاد في سبيل الله، وأخذ يفكر في الحبّ والغرام. نعم، هكذا شوّهوا صورة التاريخ الإسلامي.
فيا أيها المسلمون، اغتنموا شهر رمضان بالتوبة النصوح والإقلاع عمّا حرم الله، وعليكم بقراءة القرآن وتدبّره وتفهّمه، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.
اللهمّ أعنّا على استغلال أوقاتنا فيما يرضيك عنّا، واغفِر لنا وتب علينا.
الخطبة الثانية
أما بعد: رسالة أهديها إلى تائب، أهديها إلى رجل جاء إلى المسجد وصلى الفروض مع المسلمين بعد أن كان يصليها في بيته، رسالة إلى كل شاب كان مسرفًا على نفسه ثم أقبل في هذا الشهر الكريم على ربه ومولاه: أرأيت ـ يا أخي ـ كيف أن للصلاة لذّة وأنسًا في المساجد؟! أرأيت كيف أن دين الله يسر ولا شدة فيه؟! إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين رجل إلا غلبه. فنقول: فحيّهلا بك في قطار التائبين، ومرحبًا بك في قوافل السائرين.
وأبشر ـ يا أخي، يا من تركت الحرام وابتعدت عن رفقاء السوء، ويا من استبدل غناء الشيطان بكلام الرحمن، ويا من استبدل نظر المسلسلات والأفلام بالنظر في كلام الديان ـ أبشر بجنة عرضها السموات والأرض، أبشر بجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
اصبر ـ يا موفق ـ على طاعة ربك مولاك، فإنما الدنيا يوم دون يوم، كان للإمام أحمد نعل مقطّع، وكان كلما انقطع أصلحه حتى مضت عليه اثنتا عشرة سنة، فقيل للإمام أحمد: ألا تغير نعلك؟! فقال رحمه الله: نعل دون نعل وثوب دون ثوب ويوم دون يوم حتى نلقى الله.
وأقول لمن فرط في طاعة مولاه وأضاع نفسه واتبع هواه ولم يزدد في رمضان من الله إلا بعدًا ولا من الرحمن إلا مقتًا وردًا، أقول له: يا من ضيع عمره في غير الطاعة، يا من فرط في شهره بل في دهره وأضاعه، يا من بضاعته التسويف والتفريط وبئست البضاعة، يا من جعل خصمه القرآن وشهر رمضان، كيف ترجو ممن جعلته خصمك الشفاعة؟!
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور في يوم القيامة ينفخ
يا من أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، هذا أوان التوبة والرجوع، فتب إلى مولاك. يا أضاع نفسه وانهمك في المحرمات، هذا موسم تفتح فيه الجنان وتغلق فيه أبواب النيران.
عباد الله، هذا شهر رمضان الذين أنزل فيه القرآن، وفي بقيته للعابدين مستمتع، وهذا كتاب الله يتلى فيه بين أظهركم ويسمع، وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدع، ومع هذا فلا قلب يخشع، ولا عين تدمع، ولا صيام يصان عن الحرام فينقطع، ولا قيام استقام فيرضى فيه صاحبه أن يشفع.
قلوب خلت عن التقوى فهي خراب بلقع، وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع، كم تتلى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة، وكم يتوالى علينا شهر رمضان وحالنا فيه كحال أهل الشقوة، لا الشاب هنا ينتهي عن الصبوة، ولا الشيخ ينزجر عن القبيح فليتحق بالصفوة.
أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوى، وإذا تليت عليهم آيات الله جلت قلوبهم جلوة، وإذا صاموا صامت منهم الألسنة والأسماع والبصائر؟! أما لنا فيهم أسوة؟!
اللهم أيقظنا جميعًا من سبات الغفلات قبل الممات، اللهم لك الحمد كما هديتنا للإسلام وبلغتنا رمضان.
اللهم كما هديتنا للإسلام فثبتنا عليه إلى أن نلقاك وأنت راض عنا غير غضبان، وكما بلغتنا رمضان فأعنا على صيامه وقيامه وإتمامه، ووفقنا للقيام بحقك فيه وفي غيره، واجعل أعمالنا خالصة لوجهك صوابًا على سنة نبيك ، اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، أصلح أحوال المسلمين وانصرهم على من عاداهم...
| |
|