molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: حسن الخلق - خالد بن عبد الله المصلح الجمعة 4 نوفمبر - 3:51:06 | |
|
حسن الخلق
خالد بن عبد الله المصلح
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المؤمنون، اتقوا الله ربكم واعملوا بخصال التقوى، فإن لتقوى الله جل وعلا خصالاً لا تتم إلا بها.
ومن تلك الخصال ـ يا عباد الله ـ حسن الخلق وصالح السجايا والشيم، فإن من مقاصد البعثة المحمدية إتمام صالح الأخلاق، فإن الله بعث محمدًا على حين فترة من الرسل ليتم به صالح الأخلاق وفاضلها، فعن أبي هريرة مرفوعًا: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)) رواه أحمد وغيره بسند جيد[1].
وقد جعل الله ت+ية النفوس وإصلاحها بالفضائل والمكرمات إحدى وظائف النبي : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [آل عمران:164].
أيها المؤمنون، إن شأن الأخلاق عظيم في هذه الشريعة المباركة؛ إذ هي مبنية على القيام بحقوق الله تعالى، والقيام بحقوق العباد ابتغاء وجه الله تعالى، فبقدر ما معك من استقامة الخلق بقدر ما معك من استقامة الدين، قال الله تبارك وتعالى في بيان أعظم آيات النبي الدالة على صدق نبوته: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، قال ابن عباس: (أي: على دين عظيم).
وقد جعل النبي حسن الخلق من دلائل كمال الإيمان فقال: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا)) رواه أحمد[2].
فحسن الخلق ـ أيها المؤمنون ـ صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تنال الدرجات، وترفع المقامات، وهو واجب من الواجبات الدينية، وفريضة من الفرائض الشرعية، وقد أمر به النبي ، ففي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله : ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)) رواه أحمد والترمذي[3].
أيّها المؤمنون، إن لحسن الخلق وطيب الشيم فضائل عديدة في الكتاب والسنة وكلام الأئمة.
فمن فضائل حسن الخلق أمر الله تعالى به في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، فإن هذه الآية أجمع آية لمكارم الأخلاق وأصول الفضائل.
ومن فضائل حسن الخلق الاقتداء بالنبي الذي كل الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة مرتهنة بالاقتداء به واتباع سنته، وهو أجمل الناس خلقًا وأطيبهم شيمًا، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
ومن فضائل حسن الخلق ـ أيها المؤمنون ـ أن به يبلغ المؤمن درجة الصائم القائم، قال : ((إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)) رواه الترمذي[4].
ومن فضائل حسن الخلق ـ أيها المؤمنون ـ أنه يثقل ميزان العبد يوم القيامة، ففي مسند الإمام أحمد أن النبي قال: ((ما من شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق))[5].
أيها المؤمنون، إن من فضائل حسن الخلق أنه من أسباب القرب من النبي يوم القيامة، ففي صحيح ابن حبان قال : ((ألا أخبركم بأحبكم إليّ و أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟! أحاسنكم أخلاقًا))[6].
عباد الله، إن خيرية الرجل لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب، بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله فاحشا ًولا متفحشًا، وكان يقول: ((خياركم أحاسنكم أخلاقًا)) متفق عليه[7].
أيها المؤمنون، هذه بعض فضائل حسن الخلق، ولو لم يكن فيه إلا ضمان النبي بيتًا في أعلى الجنة لمن حسن خلقه لكان كافيًا، ففي سنن أبي داود قال : ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه))[8].
فاجتهدوا ـ أيها المؤمنون ـ في تحسين أخلاقكم؛ لتحرزوا بذلك تلك الفضائل العظيمة والدرجات الرفيعة والأجور الوفيرة، فقد صدق من قال:
لو أنني خيرت كل فضيلة ما اخترت غير محاسن الأخلاق
اللهم اهدنا لصالح الأعمال والأخلاق، فإنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم.
[1] أخرجه مالك بلاغًا في موطئه (1609)، وأحمد موصولاً في مسنده (8939)، والحاكم في المستدرك (4221)، وقال: "صحيح على شرط مسلم".
[2] أخرجه أحمد (10436) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] أخرجه أحمد (21026)، والترمذي ( 1987)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
[4] أخرجه أحمد (25010)، والحاكم في المستدرك (199)، وقال: "صحيح على شرطهما" .
[5] أخرجه أحمد (26971) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
[6] صحيح ابن حبان (485) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[7] أخرجه البخاري في الأدب (6035)، ومسلم في الفضائل (2321).
[8] أخرجه أبو داود في الأدب (4800) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحسنوا أخلاقكم، فإن تقوى الله وحسن الخلق أكثرُ ما يدخل الناس الجنة.
واعلموا ـ أيها المؤمنون ـ أن حسن الخلق الذي رتبت عليه تلك الأجور العظام والفضائل الحسان إنما هو ما ابتغي به وجه الله ووافق فيه الظاهر الباطن، كما قال : ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) متفق عليه[1].
فحسن الخلق المطلوب ـ أيها المؤمنون ـ سلامة في الظاهر ونقاء في الباطن.
وإن جماع حسن الخلق جاء في آية واحدة في كتاب الله تعالى وهي: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].
فمن عمل بهذه الآية فقد اجتمع له حسن الخلق، ففيها الأمر بإيصال الخير والنفع إلى الخلق أجمعين، وفيها الحث على احتمال الجنايات والعفو عن الزلات، وفيها الأمر بمقابلة السيئات بالحسنات.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وجماع حسن الخلق مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض".
أيها المؤمنون، إن من أعظم ما تزكو به الأخلاق وتطيب به الخصال وتستقيم به الخلال كتاب الله الحكيم القرآن العظيم، فإن أخلاقه أ+ى الأخلاق وأشرفها، وأفضلها وأطيبها وأعظمها، قال الله تعالى واصفًا خلق النبي : وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، ولقد سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه ، فأجابت بما شفى وكفى، فقالت: كان خلقه القرآن، فلم يكن رسول الله فاحشًا ولا متفحشًا ولا صخابًا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح. هذا ما قالته عائشة رضي الله عنها في وصف خلقه. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: خدمت رسول الله عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لي لشيء صنعته: لم صنعته؟ ولا لشيء تركته: لم تركته؟ وكان رسول الله من أحسن الناس خلقًا[2].
فخير الأخلاق ـ يا عباد الله ـ ما كان مقتبسًا من مشكاة القرآن الكريم.
فأقبلوا عليه ـ أيها المؤمنون ـ تلاوةً وحفظًا وعلمًا وعملاً، احرصوا على معرفة سنة نبيكم وأخلاقه؛ فإنها من أعظم ما تطيب به الأخلاق.
اللهم إنك تحب معالي الأخلاق وتكره سيئها، اللهم وفقنا إلى أحسن الأخلاق والأعمال، واصرف عنا سيئها، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأهواء والأعمال والأدواء.
[1] أخرجه البخاري في الإيمان (13)، ومسلم في الإيمان (45) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[2] أخرجه البخاري في الأدب ( 6038)، ومسلم في الفضائل (2309) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
| |
|