molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشرق الأوسط الجديد- حمود بن غزاي الحربي الخميس 3 نوفمبر - 7:50:36 | |
|
الشرق الأوسط الجديد
حمود بن غزاي الحربي
الخطبة الأولى
عباد الله، عند اشتداد المحن وتفاقم الأزمات يذكر العبد أنَّ له ربًا يسمع الشكوى ويرفع البلوى، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، كما قال تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل:62].
وعند اشتداد المحن ونزول النوازل بالأمة يجدُ العبدُ المسلم أسبابها وآثارها والمخرج منها في كتاب الله الذي سماه بصائر، فقال في سورة الجاثية: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ [الجاثية:20], أي: معالم يتبصرونها.
إن أهل القرآن يجدون ما يقع الآن في فلسطين ولبنان أو وقع في العراق وأفغانستان في كتاب الله الذي أنزله على قلب رسوله وخليله محمد قبل أربعة عشر قرنا، فأعداء الله ورسوله بالأمس هم أعداءُ اليوم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عباد الله، دماؤنا وأشلاؤنا وأسرانا وقتلانا واستباحة الأوطان والأموال والأعراض مشاهد ألفناها منذ عشرات السنين، ورأيناها منذ غابر الزمن في فلسطين وأفغانستان وفي الشيشان وكوسوفا وفي البوسنة والعراق وفي لبنان وغيرها، منذ متى ودولة يهود تفعل أكثر مما تفعله في لبنان وفلسطين اليوم؟! وينتهي المشهد على مظاهرات ومسيرات، صراخ وعويل وشجب واستنكار، ثم ماذا؟ كامب ديفيد، معاهدات سلام، أوسلو الأولى والثانية، شرق أوسط كبير، ثم شرق أوسط جديد، وهكذا يبدأ المشهد داميًا ثم يسدل الستار على ابتسامات ومصافحات ومعاهدات مليئة بالذلّ والخنوع، وهكذا عاشت أمّة الإسلام في سراديب الظلام طيلة فترة الصراع، وفي أنفاق التيه إلى اليوم، وستبقى حتى تعود إلى ربها وخالقها وتقرأ معالم الطريق من القرآن الكريم وتستبين سبيل المجرمين كما أمرها الله تعالى: لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [الأنفال:37].
عباد الله، لستم بحاجة إلى سماع أعداد القتلى والجرحى في فلسطين ولبنان، فالكل يسمع ويرى، ولن نتحول إلى محللين سياسيين من على منبر الجمعة، فلكل مقام مقال كما يقال، لكننا نودّ أن نقف وقفات قرآنية ونبوية مع هذا الحدث الذي يدرك الرجل الحصيف أنّ له ما بعده على المنطقة بأسرها. وفي القرآن خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وحكمُ ما بيننا، لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن، ورسول الله تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلاّ هالك.
الوقفة الأولى: يقول تعالى: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، ويقول تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ [الرعد:11]، ويقول تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16]. ويقول رسولنا الكريم الذي لا ينطق عن الهوى في الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن ورواه ابن عمر رضي الله عنهما: ((إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلّط الله عليكم ذُلاًّ لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)).
في كل حدث وكل نازلة وكل مصيبة يتحدث الناس عن الأسباب، سواء كانت حربًا أو غرقًا أو زلزالاً، ويقولون كل شيء إلاّ شيئًا وحدًا، ويعرجون على كل سبب إلاّ سببًا واحدًا، هو الذنوب والمعاصي التي غرقت بها الأمة اليوم إلاّ من شاء الله، والإقصاء لهذا السبب إقصاءٌ للعلاج أيضًا. لمَا خالف الرماة أمر رسول الله في أحد كانت المصيبة التي أصابت جيش المسلمين، فتساءل الناس: أنَّى هذا؟! فجاء الرد قاسيا: قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ. فكيف بنا نحن اليوم؟! كيف بالعالم الإسلامي الغارق في شهواته وملذاته؟! أليس من العار والشنار على الأمة الإسلامية أن تمزق أشلاؤها وتسبى أعراضها وتهدم مدنها وقراها ويقتل رجالها في فلسطين وفي لبنان وفي العراق وغيرها وعلى بعد مئات الكيلومترات تشارك ثلاث عشرة دولة عربية بمسابقة ملكة جمال العرب لاختيار أجمل فتاة عربية، ويتخلل المسابقة حفل فني ساهر يحييه مطربون ومطربات من لبنان والمغرب وليبيا وغيرها؟!
إنّ الأمة ـ عباد الله ـ قبل أن تصاب في جسدها أصيبت في دينها وعقلها وتفكيرها، أمتنا مخدّرةٌ بالفن والرياضة والمسرح، وأنّى لأمة مخدرة بأفيون الشهوات والشبهات أن تنتصر على أعدائها؟! ومن سفاهات الشعوب أن تطالب قادتها وسادتها أن يكونوا كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين والشعوب ذاتها غارقةٌُ في وحل الشهوات ومستنقعات الرذيلة ما بين كأس وغانية وسباق محموم لحرب الله تعالى بالرِّبا، ومن استحيا منها تسلل لواذًا إلى الربا بطرق ملتوية وفتاوى مشتبهة, فيا ليت شعري متى نفقهُ هذا السِّر من أسرار المصائب والابتلاءات؟! فإنه ما وقع بلاءٌ إلاّ بذنب، وما رفع بلاء إلاّ بتوبة, وسنظل ـ من وحي القرآن الكريم وسنة سيد الأولين والآخرين ـ نستبعد النصر على يهود في وقتنا هذا، فالنصر ليس عبارة تكتب، ولا شعار يرفع، إنه غالي الثمن، ومن المستحيل أن يتحقق النصر بضعفائنا على يد قوم يلعنون خيارنا، من المستحيل أن يتحقق النصر لأمة عطَّلت الجهاد وسكتت عن الإلحاد ورضيت بالفساد. إنَّ الذين يرفعون راية النصر في المستقبل قومٌ وصفهم الله بقوله في سورة الإسراء: عِبَادًا لَّنَا، حقّقوا العبودية لله تعالى قولاً وعملاً واعتقادًا، لم يتحدث عن دولتهم ولا عن ح+هم ولا عن لونهم، بل وصفهم بالعبودية لله تعالى.
الوقفة الثانية: وأمام الواقع المر الذي تعيشه الأمة في لبنان وفلسطين يتعين القول بأنه ليس من المروءة في شيء الشماتة بدماء تنزف وديار تحرق وبشيوخ وأطفال ونساء يقتلون، ولكن من الحكمة والحصفة عدم الانجرار وراء غبار العاطفة القاتلة. لقد نجح الغرب في تحويل الشعوب المسلمة عند الأزمات إلى متفرجين بكائين بالدمع على إخوانهم في فلسطين وفي أفغانستان وفي العراق وأخيرًا في لبنان؛ مسيرات في الشوارع وملاسنات في الفضائيات ومظاهرات تحرق علم إسرائيل وأمريكا، وأيام معدودة وينتهي الصراخ وتجف المآقي بدموعها وكأن شيئًا لم يكن، بينما يهود لمَّا شُتّتوا خطّطوا عشرات السنين حتى أقاموا دولتهم في فلسطين، مؤتمرات وجمعيات وندوات وضغطٌ سياسي حتى قامت إسرائيل الكبرى، والتي يُخطط لها أن تكون العظمى في الشرق الأوسط الجديد، ولا زالت إسرائيل تُقاضي ألمانيا سنويًا لمذبحة اليهود المكذوبة. المعركة القادمة مع إسرائيل تحتاج إلى عمل منظم يبدأ بالفرد ويمر بالأسر وينتهي بالمجتمع، لا يحتاج إلى حرق أعلام وصراخ وعويل وشجب واستنكار.
الوقفة الثالثة: إنَّ خيارات السلام سقطت ومبادرات الاستسلام فشلت بتوقيع إسرائيل التي غدرت ونقضت العهد، فإلى متى نخدع؟! وإلى متى تخدع الأمة بالتعايش السلمي مع إسرائيل؟! إنَّ المسلم الذي رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا ورسولا يدرك ديمومة المعركة وسجال الحرب مع يهود حتى تقوم الساعة كما أخبر بذلك الصادق المصدوق في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلاّ الغرقد فإنه من شجر اليهود)).
إن تاريخ يهود مليء بالغدر مع أنبيائهم ومع نبينا محمد ، فقد غدر يهود بني قينقاع بعد غزوة بدر، وغدرت بنو النضير بعد غزوة أحد، وغدرت بنو قريضة بعد غزوة الأحزاب، واليوم يعيد التاريخ نفسه، كم هدنة وقعت مع اليهود فكانت كلّ هدنة عهد لحرب لاحقة، ولا يصلح ليهود إلاّ الدم ويقولون: متى هو؟ قل: عسى أن يكون قريبا.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، فإن كان صوابًا فذلك من الله وكرمه، وإن كان غير ذلك فأستغفر الله، إن الله غفورٌ رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر على فضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم, صلاة +ية طيبة مباركة، وسلم تسليمًا كثيرا.
أما بعد: فعلى ظهر دباباتها وتحت أزيز طائراتها في فلسطين ولبنان وفي العراق وأفغانستان بشّرت أمريكا العالم بميلاد شرق أوسط جديد ينهي حالة الصراع في المنطقة، وكعادة الضعفاء فرح المخلّفون بمقعدهم بهذه البشرى، وظنوا أنها وليدة أزمة ونهاية حرب، وما اعتبروا عبارات أمريكا السابقة: اتحاد دول حوض البحر الأبيض، والسوق الشرق الأوسطية المشتركة، والشرق الأوسط الكبير، واليوم: الشرق الأوسط الجديد، فما هو يا ترى؟!
لقد تكلم "هرتزل" مؤسس الدولة اليهودية في فلسطين عن مبادرة "رايز" قبل ستين عامًا في مذكراته عندما طالب بـ"كومونولث شرق أوسطي"، فليست جديدةً كما يظنها البعض، لكننا أمة لا نقرأ، وبعد ذلك ألّف "شمعون بيريس" كتابه الذي سماه: "شرق أوسط مدمجٌ بالتنمية والرفاه", وطرح فيه مشروعه الذي نادت وبشرت به "رايس"، اليوم ثم جاء "هورفينز" ونادى بالمجتمع من أجل السلام، وفي عام اثنين وتسعين وتسعمائة وألف وفي نهاية عهد "بوش الأب" وبداية عهد "كلينتون" بدأ التحضير لهذا الأمر بين "بول وولفر" و"زلماوي خليل زاده" و"لويس سكوتر" وفي عام ستة وتسعين أي: قبل عشر سنوات استكمل دراسته "ريتشارد بيرل" و"دوجلاس فيت" مع مجموعة من المحافظين المتشدّدين في الإدارة الأمريكية، ومن أجله صنعت الأزمة في لبنان حتى تأتي إليه العرب وهي صاغرة.
أما أهدافه فهي باختصار "ساي+ بيكو" جديد، يهدف إلى أن يدور المشرق العربي في الفلك الإسرائيلي الأمريكي مقابل دوران المغرب العربي في الفلك الأوروبي، ويدعو إلى التخلي عن اتفاقية "أوسلو" وإسقاط النظام العراقي والسوري وإعادة تشكيل العراق على أساس طائفي وإعادة تقسيم المنطقة وطمس شخصية الإقليم العربي، أي: إقامة كانتونًا سياسيًا تصبح إسرائيل القوة الإقليمية الكبرى التي تسيطر عليها، وفي جانبه الاقتصادي يهدف الشرق الأوسط الجديد إلى ربط شرايين الحياة الاقتصادية العربية المياه النفط السياحة التكنولوجيا بالاقتصاد الإسرائيلي، ودعوة رأس المال العربي للاستثمار في إسرائيل، وإنشاء أكبر بنك شرق أوسطي في "تل أبيب" ترتبط به دول المنطقة.
هذا ما جاءت به "رايس" وتدعو إليه، وهو بنصِّه ما نشر في مجلة الحركة الصهيونية في عام اثنين وثمانين وتسعمائة وألف، سبحان الله! £أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53].
عباد الله، وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ. لقد دعم الغرب الرأسمالي والشرق الشيوعي دولة يهود قبل قيامها وبعد قيامها وميلادها قارب الستين عاما، لكنها خلال هذه العقود ومع سياسة القَمع والقتل والسجن والتغريب ما ذاق شعبها الراحة والاستقرار خصوصًا في العشر السنوات الأخيرة من عمرها، وها نحن ننتظر وعد الله فيها، والشعوب المسلمة التي أسقطت كلّ مبادرات الاستسلام واختارت ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله ستسقط هذه المبادرة وتحيلها إلى التقاعد المبكر بإذن الله.
اللهم أبرم لأمتنا أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهل طاعتك...
| |
|