molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عيد الأضحى 1419هـ - حمزة بن فايع الفتحي الخميس 3 نوفمبر - 6:13:42 | |
|
عيد الأضحى 1419هـ
حمزة بن فايع الفتحي
الخطبة الأولى
أما بعد: أيها المسلمون، إنكم لتحبون السعادة، وترجون الحياة الطيبة، وتطلبون السكينة والطمأنينة، ويومكم هذا يوم عيد بهيج، حقه الفرح والسرور والبهجة والحبور، حيّوا فيه إخوانكم، وصِلوا أرحامكم، وعودوا مرضاكم، وأطعموا فقراءكم.
أخرج أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله : ((إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)).
إن السعادة والطمأنينة مطلب عظيم، ويسعى لنيله الجميع في هذه الحياة الدنيا؛ إذ نحن في عصر تلاطم بالأسقام وازدحمت فيه الأوجاع، فهو بحق ووضوح عصر القلق والأحزان، اشتكى فيه كثير من الناس، وتذوقوا مرراته وأنكاده، وعاشوا مشاكله وهمومه، ومع هذا فلقد أُنشئت لذلك المستشفيات النفسية وفُتحت عيادات الطب النفسي؛ وذلك لعلاج القلق والاضطراب الذي يعانيه الناس، ليس أهل الفقر والمسغبة فحسب، بل حتى أصحاب المال والنفوذ واليسار، فمع جمعهم لألوان السعادة حُرموا لذاتها وحلاوتها وحقيقتها؛ إذ لم يفارقهم الهمّ والقلق، ولم تتصل بهم الراحة والسلامة. ظن كثيرون أن السعادة هي في زهرة الدنيا، فسعى أقوام للشرف والجاه، وآخرون للدرهم والدينار، مضيعين لدينهم، وغير مبالين بعاقبتها ومصيرها، فتجرعوا أحزانها في مسيراتها، واستطعموا أتراحها في أفراحها.
ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي قال: ((إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يُفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين، إن هذه الحياة الدنيا بأشكالها ليست مفتاح السعادة إذا انفصلت عن طاعة الله، وإن السعادة الحقيقية في طاعة الله وذكره وعبادته، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 96]؛ فإنها إن طابت أوجعت، وإن أفرحت أحزنت، وإن أضحكت أبكت، خذلت أحبابها وطلابها، وأضنت عبادها ونساكها، ودارت على أهلها بالدوائر، وجَرَّت على فعل العظائم والكبائر، وجعلت في الأوائل عبرا للأواخر.
أخرج الشيخان رحمهما الله عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله بعث أبا عبيدة رضي الله عنه إلى البحرين؛ يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله ، فقال: ((أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقرَ أخشى عليك، ولكن أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بُسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم))، وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إن الدنيا حُلوةٌ خَضِرة، وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أيها الناس، طلب بعض العظماء الدنيا، واغتر بزينتها وبهارجها، ولم يَعِ وصف الله لها وتحذير العقلاء منها، فسعى إليها سعي الحبيب لحبيبه وابتغاء الخليل رضا خليله وخدينه، فمكنه الله وآتاه، وعمره وأعطاه، ومنحه لذائذ ومواهب، اشتط فيها وانحرف، وتعاظم ظلما وانصرف، أقام في الفخر والسؤدد ومقعد السيد المطاع والقيم المهاب، إذ سار الناس بذكره وفخاره، وتمدحوا بمجده وعلائه. وفجأة ينقلب حاله، ويتبدل سروره أحزانا، ويزول الشرف، ولا يبقى فضل ولا ذكر، مُحيت المفاخر، وانفرط عقدها بين الأعالي والأسافل، فيا لله انخفض العالي وانصرم، وباءت الذرية بالخزي والهوان، فمن منازل العظمة ممدّحين إلى مهاوي السجن خائبين، وأمسى التاج والفخار قرين الصَغَار، وصار للعظمة والاعتبار، فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: 15].
وفي تلك الحال العجيبة والحياة المنحوسة الجديدة تجيش في النفوس مشاعر الحزن والأسف، كاشفة حقائق الدنيا الفانية والسعادة الزائلة والتقلبات المفاجئة، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ.
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فساءك العيد في أغماتَ مأسورا
ترى بنـاتك فِي الأطمار جـائعةً يغزلن لنـاس ما يملكن قطميرا
برزن نحـوك للتسليـم خـاشعةً أبصارهن حسيرات مكـاسيرا
يطأن في الطين والأقـدام حـافية كأنّها لَم تطـأ مسكًا وكافورا
من بـات بعدك فِي ملك يُسَر به فإنما بـات بالأحلام معـرورا
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
عباد الله، اعرفوا حقيقة الدنيا، وتأمّلوا عاقبتها، واعتبروا بصنائعها فيمن كان قبلكم، فلستم أول من خرج بها وتذوقها وعمرها. أكثروا من الأعمال الصالحة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وتيقظوا فإن وراءكم يوما عظيمًا عسيرًا، ويجمع الله فيه الأولين والآخرين، تبين فيه الحقائق، وتنكشف فيه المظالم، ويقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة، وفريق السعير.
أيها الإخوة، إننا لو فهمنا هذه الحياة وعرفنا قدرها وأدركنا غفلتنا لأعددنا لذلك اليوم، واستشعرنا أهواله، ولما لعبت الدنيا بعقولنا. لقد فقه الصلحاء قبلنا معنى هذه الحياة، وأدركوا وهنها وحقارتها، وعملوا لما بعدها، إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا [الإنسان: 10].
روى الترمذي وغيره عن أبي جحيقة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، قد شبت! قال: ((شيبتني هود وأخواتها))، وفي لفظ قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)). وروى أبو داود والنسائي بسند حسن عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال: رأيت رسول يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المِرجل من البكاء. ومر رسول الله على أناس وهم حول قبر يدفنون رجلا، فبدر من بين أيديهم ثم واجه القبر حتى بل الثرى من دموعه، وقال: ((أي إخواني، لمثل هذا اليوم فأعدوا)) رواه أحمد وابن ماجه عن البراء وهو حديث حسن. وروى الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول الله : ((مررت ليلة أسري بالملأ الأعلى، وجبريل كالحِلْس البالي من خشية الله)). وروى أحمد وغيره بسند حسن عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال لجبريل: ((ما لي لا أرى ميكائيل يضحك؟! قال: ما ضحك ميكائيل منذ خُلقت النار)).
وهذا عمر رضي الله عنه قد حفَرت الدموع خطين أسودين في وجهه، وكان يمر بالآية من ورده بالليل فيمرض حتى يعوده الصحابة شهرا. وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (إن ها هنا رجلا ود لو أنها قامت أن لا يُبعث) يعنى القيامة. وهذا الصحابي الجليل عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: (لأن أدمعَ دمعة من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار). وكان شداد بن أوس يتقلب في فراشه ويقول: اللهم إن النار قد أذهبت مني النوم، فيقوم يصلي حتى يصبح.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
يقول علي رضي الله عنه عن الصحابة وقد علته كآبة: لقد رأيت أصحاب محمد فلم أر اليوم شيئا يشبههم؛ لقد كانوا يُصبحون شعثًا غُبرا، بين أعينهم أمثال رُكب المِعزَى، قد باتوا سُجدًا وقياما، يتلون كتاب الله، يُراوحون بين جباههم وأقدامهم، فإذا أصبحوا ذكروا الله فمادوا كما يَميد الشجر في يوم الريح، وهملت أعينهم حتى تُبل ثيابهم، والله فكأني بالقوم باتوا غافلين. فما رئي بعد ذلك ضاحكا حتى ضربه ابن ملجم.
وقالت ابنة الربيع بن خثيم: كنت أقول لأبي: يا أبتاه، ألا تنام؟! فيقول: يا بُنيه، كيف ينام من يخاف البَيات؟! وهذا سيد البكائين الحسن البصري رحمه الله كان إذا تكلم كأنه يُعاين الآخرة فيخبر عن مشاهدها، وكان إذا بكى فكأن النار لم تُخلق إلا له، وإذا قدم من دفن حميم له وجلس فكأنما هو أسير يستعد لضرب عنقه. وقال رحمه الله: "إن المؤمن يصبح حزينا ويمسي حزينا، ويتقلب باليقين في الحزن، ويكفيه ما يكفي العنيزة؛ الكف من التمر والرشفة من الماء"، وقال: "والله، لا يؤمن عبد بهذا القرآن إلا حزن وذبل وإلا نضب وإلا ذاب وإلا تعب". أتي رحمه الله بكوز من ماء ليفطر عليه، فلما أدناه إلى فيه بكى وقال: ذكرت أمنية أهل النار وقولهم: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ [الأعراف: 50]، وذكرت ما أجيبوا: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ [الأعراف: 50].
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، كيف أصبحت؟ قال: بخير، قال: كيف حالك؟ فتبسم الحسن وقال: تسألني عن حالي؟! ما ظنك بناس ركبوا سفينة حتى توسطوا البحر، فان+رت سفينتهم، فتعلق كل إنسان منهم بخشبة، على أيّ حال يكون؟ قال الرجل: على حال شديدة، قال الحسن: حالي أشد من حالهم.
وكان طاووس رحمه الله يثب من فراشه، ويستقبل القبلة حتى الصباح، ويقول: "طيّر ذكر جهنم نوم الخائفين". وقال يوسف بن أسباط: كان سفيان الثوري إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم. وعن عطاء الحفاف قال: ما لقيت الثوري إلا باكيا، فقلت: ما شأنك؟! قال: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًا.
ولما حضرت مِسعر بن كِدام الوفاة دخل عليه سفيان فوجده جزعا، فقال له: لم تجزع؟! فوالله، لوددت أني مت الساعة، فقال مسعر: أقعدوني، فأعاد عليه سفيان الكلام، فقال: إنك إذا لواثق بعملك يا سفيان، لكني ـ والله ـ لكأني على شاهق جبل لا أرى أين أهبط، فبكى سفيان وقال: أنت أخوف لله عز وجل مني.
أيها المسلمون، توبوا إلى الله عز وجل، وتذكروا غفلاتكم، وانظروا لما وراءكم من حساب وعذاب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من +اها، أنت وليها ومولاها.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين...
الخطبة الثانية
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر أوجد الكائنات بقدرته فأتقن ما صنع، الله أكبر شرع الشرائع فأحكم ما شرع، الله أكبر ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. الحمد لله أهل الحمد ومستحقه، والصلاة والسلام على نبينا محمد مصطفاه من رسله ومجتباه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله تعالى شرع لكم في هذا اليوم العظيم التقرب إليه بإراقة الدماء وذبح الأضاحي توحيدًا له وتعظيمًا لحقه وشأنه.
والأضحية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: 2]، وأخرج أحمد بسند حسن عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي بالمدينة عشر سنين يضحي. قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن رسول الله يدع الأضحية"، وقال الحافظ في الفتح: "ولا خلاف في كونها من شرائع الدين". وأخرج أحمد وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من وجد سَعةً فلم يضح فلا يقربن مصلانا)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
واعلموا ـ أيها المسلمون ـ أن في الأضحية إحياءَ سنة إمام الموحدين إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفيها التقرب إلى الله تعالى بإراقة الدماء، فإن الله عز وجل لن يبلغ مرضاته لحوم هذه الأضاحي ولا دماؤها، وإنما يناله تقوى العبد منه ومحبته له وإيثاره بالتقرب إليه بأحب شيء إلى العبد.
وفي الأضحية التوسعة على الأهل وعلى الفقراء يوم العيد، والإهداء لذوي القربى والجيران، ثم إن إراقة الدماء باسم الله تعالى مشروع في جميع الملل، كما أنه من أجل الطاعات وأعظم القربات، كما قال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا [الحج: 34]. قال ابن كثير رحمه الله: "لم يزل ذبح المناسك وإراقة الدماء على اسم الله مشروعا في جميع الملل".
واعلموا ـ يا مسلمون ـ أن هذه البهائم خلقها الله عز وجل وسخرها لنا ومنحنا كرائمها، فينبغي علينا رحمتها بالإحسان فيها، جاء في الحديث: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته)). وهذا أمر مهم ينبغي التنبه إليه، وهو الرفق بالأضحية والإحسان إليها.
قال ابن رجب رحمه الله: "والإحسان في قتل ما يجوز قتله من الناس والدواب إزهاق نفسه على أسرع الوجوه وأسهلها وأحدها من غير زيادة في التعذيب، فإنه إيلام لا حاجة إليه، وقد حكى ابن حزم رحمه الله الإجماع على وجوب الإحسان في الذبيحة".
ولقد أسرف كثير من الناس في التعامل مع الأضاحي، فتجد بعضهم يجذب الدابة بقهر وقوة والحبل مشدود في عنقها، وربما حدّ السكين أمامها، بل بعضهم لا يحد الشفرة بل يذبحها بشفرة غير محددة، وذلك بمرأى من أخواتها. فهذا وأشباهه آداب حميدة تدل على سمو الشريعة وسماحتها ورحمتها حتى بالبهائم والدواب، وقد قال : ((من لا يرحم لا يُرحَم)).
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أخرج الإمام أحمد بسند قوي أن رسول الله أمر بحدّ الشفار وأن توارى عن البهائم، وقال: ((إذا ذبح أحدكم فليُجهِز)). وأخرج ابن ماجه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: مر رسول الله برجل وهو يجر شاة بأذنها، فقال رسول الله: ((دع أذنها وخذ بسالفتها))، والسالفة مقدَّم العنق. وخرج الخلال والطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عباس قال: مر رسول الله برجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يُحُدُّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: ((أفلا قبل هذا؟! تريد أن تميتها موتات))، وعند عبد الرازق: ((هلا حددت شفرتك قبل أن تُضجِعها؟!)). وقال الإمام أحمد رحمه الله: "تقاد إلى الذبح قودا رفيقا، وتوارى السكين عنها، ولا تظهر السكين إلا عند الذبح، أمر رسول الله بذلك أن توارى الشفار".
وروى عبد الرازق في المصنف عن ابن سيرين أن عمر رأى رجلا يسحب شاة برجلها ليذبحها، فقال له: ويلك! قُدها إلى الموت قودًا جميلاً. وروى نحوه عن ابن عمر. وفي المسند بسند صحيح عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلا قال للنبي : يا رسول الله، إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها، فقال النبي : ((والشاة إن رحمتها رحمك الله)).
ويُستحب في الأضحية ـ يا مسلمون ـ أن يأكل المسلم منها الثلث ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث، قال تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج: 36]. فالتمسوا الفقراء والمساكين، وأطعموهم مما أطعمكم الله، ولا تبخلوا بمال الله الذي آتاكم، وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين، إن هذا اليوم المبارك عيد المسلمين، يستحب فيه آداب جليلة وخصال حميدة منها:
أولا: الاغتسال قبل الخروج للصلاة، فقد روى مالك في الموطأ بسند صحيح عن ابن عمر ـ وكان متحريا للسنة ـ أنه كان يغتسل قبل أن يغدو إلى المصلى. وقد حكى النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد.
ثانيا: المستحب في عيد الأضحى أن لا يأكل إلا بعد الصلاة، ويأكل من أضحيته.
ثالثا: التكبير في يوم العيد وصفته: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
فالسنة في الأضحى لأهل الأمصار التكبير من بعد صلاة الفجر من يوم عرفة إلى آخر صلاة العصر آخر أيام التشريق، كما نص على ذلك ابن تيمية رحمه الله.
والتكبير في هذه الأزمنة يكاد يكون من السنن المهجورة التي ينبغي علينا أحياؤها ونشرها وتعليمها الكبار والصغار والنساء؛ لأنه تعظيم لله تعالى وحمد وشكر على نعمة وفضله. فعلى المسلم أن يحرص على التكبير في يوم العيد وأيام التشريق، ويحذر من التواني والغفلة، وكذا النساء يكبرن في بيوتهن.
قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: "وكانت ميمونة تكبر يوم النحر، وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد". وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
رابعا: أنه لا نافلة قبل صلاة العيد ولا بعدها، كما رواه الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي خرج يوم العيد فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما. لكن إذا عاد المسلم إلى بيته فيشرع له صلاة ركعتين؛ لما رواه ابن ماجه في سننه بسند حسن ـ كما قال الحافظ في بلوغ المرام ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا رجع إلى بيته صلى ركعتين. قال الشيخ العلامة حافظ الحكمي رحمه الله:
وفي المصلى قبلها لم يُشـرعِ نفل ولا من بعد فعلها فعِ
وفي الحديث جاء حين يرجعُ لبيتـه فركعتـان تُشرعُ
خامسًا: يستحب مخالفة الطريق يوم العيد إظهارًا للشعيرة وإغاظة للمنافقين. ويستحب كذلك التهنئة بالعيد بأي عبارات التهاني المباحة، والأحسن ما روي عن الصحابة أنهم يقولون: تقبل الله منا ومنك.
ولا ريب أن التهنئة بالعيد من مكارم الأخلاق ومحاسن الحياة الاجتماعية بين المسلمين.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين...
| |
|