molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الإيمان بالقضاء والقدر - حمد بن إبراهيم الحريقي الأربعاء 2 نوفمبر - 7:45:34 | |
|
الإيمان بالقضاء والقدر
حمد بن إبراهيم الحريقي
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
عباد الله:
لقد خلق الله السموات والأرض وبنى الأجسام والعوالم بناء محكمًا متقنًا دالاً على حكمته وكمال علمه وقدرته، لا يع+ عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، خلق كل شيء فأحسن خلقه، وقدر كل شيء تقديرًا، خلق الثقلين الجن والإنس فجعل منهم كافرًا ومنهم مؤمنًا، فتجلت عظمة الله في القضاء والقدر وعجزت العقول السليمة عن تعليله، فبقيت مبهوتة، عالمة قصورها عن إدراك جميع الأمور، فأذعنت مقرة بالعجز مؤمنة بأن الكل من عند الله، وأن هناك من نظر إلى قضاء الله وقدره بمجرد العقل فرأى أنها لو صدرت من مخلوق نسبت إلى ضد الحكمة، فنسب الخالق إلى ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، وهذا هو الكفر والعياذ بالله.
وإن أول من فعل ذلك إبليس عليه لعائن الله؛ فإنه قد رأى فضل جنس الطين على جنس النار فأبى واستكبر وقال: أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [ص: 76] واعترض أيضًا أبو جهل على الخالق وحكمته حينما قال في نبوة محمد تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا وحملوا وحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب، وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدًا ولا نصدقه وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا [الزخرف: 31، 32].
عباد الله:
إن تطبيق مقاييس البشر ومفاهيمهم على قضاء الله وقدره هو الخطر العظيم، والداء الجسيم وإن اعتراض ضعاف الإيمان على قسمة الله ورزقه حيث جعل هذا مؤمنًا وذاك كافرًا وذاك جعله غنيًا وهذا فقيرًا، وأخذه للشاب في شبابه، والطفل في طفولته، والله الغني عن أخذه، وهكذا فكل هذه الأمور مما يجد الشيطان به طريقًا للوسوسة ويبتدئ بالقدح في حكمة الله وقدره.
ولو ملئت قلوب أولئك بالإيمان واليقين برب العالمين لما كان للشيطان مسلك ولا مستقر في أفئدتهم. ولأيقنوا أن الله لم يقدر شيئًا إلا لحكمة وأن الحكمة قد يعلمها الإنسان وقد تختفي عليه وفق إرادة العزيز الحكيم.
انظروا ـ رعاكم الله ـ إلى يوسف عليه السلام لما آتهم بالفاحشة وسجن بها ليكون ذلك السجن سبيلاً إلى جعله على خزائن الأرض حفيظًا عليمًا.
وكذلك محمد بن عبد الله يعيش يتيم الأبوين معذبًا في أهله وماله ونفسه، يرمى بحجارة ويلقى عليه سلا الجزور ثم هو بعد ذلك سيد ولد آدم، ومن لم يحبه فقد كفر بالله تعالى.
عباد الله:
مضت سنة الله في خلقه بأن للأعمال القلبية سلطانًا على الأعمال البدنية فما يكون في الأعمال من صلاح وفساد فإنما رجعه فساد القلب وصلاحه، فطمأنينة فؤاد المسلم وركونه إلى ربه أن يؤدي ما عليه من واجب، إنما هو إيمان منه بأن زمام الأمور كلها تحت مشيئة الله تعالى فهو يتوكل على ربه دون توتر ولا قلق، ومن ثم فإنه يستقبل المصائب بشجاعة ويقين.
وإن قلق كثير من الناس وخواء أفئدتهم من الإيمان بقضاء الله وقدره وخوفهم من المستقبل والشعور بالوهن عن حمل المصائب هو سر ظهور الدجل والتكهن والعرافة والتنجيم.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه)).
أيها المسلمون:
إن شأن الناس مع القدر عجيب، فذلك تاجر يؤرقه السهر لأنه من خوفه على رزقه يخاف انهيار تجارته بين الحين والآخر، وآخر غط في نوم عميق فهو لا يتجشم مئونة سعي ولا عمل ولا كدح لأن الأرزاق مقسومة، والحقيقة كلها في التوسط بين الطرفين، فالمسلم يؤدي العمل المطلب فيعمل ويتوكل ويعمل الأسباب بعد أن يؤدي ما عليه عملاً بقوله عليه الصلاة والسلام: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) متفق عليه.
ولذا أحبتي في الله، فإن أحاديث القدر علاج للقلق والتشاؤم، وليست ذريعة للكسل والتهاون. وإن الله عز وجل قسم المعاش وقدر الأرزاق، والناس جميعًا لا يملكون عطاء ولا منعًا، وإنما الناس وسائط، فما أعطوك فهو بقدر الله، وما منعوك فهو بقدر الله، وما كان لك فسوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك فلن تناله بقوتك، وما عليك أيها المسلم إلا أن تجد وتعمل وتضرب في آفاق الأرض وتأخذ بأسباب الرزق فمن جد وجد، ومن زرع حصد، فلا +ب بلا عمل ولا حصاد بلا زرع.
وانظروا رعاكم الله إلى أصناف الناس ترون منهم الغواصين الذين جعل الله رزقهم في أعماق البحار، والطيارين الذين جعل الله رزقهم في بحار الهواء بين الأرض والسماء، وأصحاب المناجم يجدون عيشهم في تلك الصخور القاسية وغيرهم كثير أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ.
فلا تجزعوا عباد الله من الفقر؛ فإن الفقر قد يسمو كما سما فقر المصطفى عليه الصلاة والسلام، ولا تغتروا بالغنى فإن الغنى قد يدنو كما دنى غنى قارون وأبي جهل، واجعلوا الفقر والغنى مطيتين لا تبالوا أيهما ركبتم، إن كان الفقر فإنه فيه الصبر، وإن كان الغنى فإنه فيه البذل، وأبشروا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: ((إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتسوعب رزقها فاتقوا الله واجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته)).
اللهم إنا نسألك إيمانًا بك وبملائكتك وكتبك ورسلك واليوم الآخر وبقدرك خيره وشره إنك قريب مجيب الدعوات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الإيمان بالقضاء والقدر دعامة من دعامات هذا الدين فهو الركن السادس من أركان الإيمان، بالقضاء والقدر يثمر الإقدام وخلق الشجاعة والتسليم بأقدار اليوم والغد، قال جل ذكره قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا [التوبة: 51] . وقال سبحانه: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ [التوبة: 52].
وإن الذي يعتقد أن الأجل محدود والرزق مكفول والأشياء بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء كيف يرهب الموت والبلى؟ وكيف يخشى الفقر والفاقة مما ينفق من ماله؟ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَـٰناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوء وَٱتَّبَعُواْ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران: 173، 174].
فالله أكبر ما أعظم الإيمان بالقضاء والقدر.
| |
|