molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: من أشراط الساعة- حسين بن غنام الفريدي الأربعاء 2 نوفمبر - 7:12:46 | |
|
من أشراط الساعة
حسين بن غنام الفريدي
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن أوثق العرى كلمة التقوى.
عباد الله، إن الله تعالى أرسل محمدًا بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، فبصر به من العمى وهدى به من الضلالة، حتى تركنا على مثل البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ما ترك خبرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرها منه، فهو خاتم الأنبياء، وأمته آخر الأمم، فخصت من بين الأمم بظهور أشراط الساعة وعلاماتها، فأصبحت تتوارد هذه العلامات واحدة تلو الأخرى كما أخبر بها المصطفى .
تذكرة من الله لعباده وعبرة وعظة، لئلا ينسى العبد يوم القيامة، يوم الجزاء والحساب، حتى إذا سبح العبد في مُتَع الحياة الدنيا ونعيمها الزائل جاءته إحدى هذه العلامات لتذكره بذلك اليوم العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين. أمارات تدل على تحقّق قرب الساعة ووقوعها، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا [المعارج:6، 7].
ومن المعلوم ـ يا عباد الله ـ أن الصادق المصدوق إذا أخبر بشيء من هذه الأشراط سيقع عَلِم الناس علم يقين أن الساعة آتية لا ريب فيها، فينتبهوا من الغفلة ويستيقظوا، ويستعدوا بالعمل والتزوّد من الصالحات قبل فوات الأوان، قبل: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّـٰخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ [الزمر:56-58].
ولقد ظهر ـ يا عباد الله ـ كثير من أشراط الساعة، وتحقق ما أخبر به المصطفى ، فكل يوم يزداد فيه المؤمنون إيمانًا به وتصديقًا له إذ يظهر من دلائل نبوته وآيات صدقه ما يوجب على المسلمين التمسك بهذا الدين الحنيف.
وإن ظهور هذه العلامات دعوة للتأهب لما بعد الموت، فإن الساعة قد قربت، وظهرت أشراطها الصغرى، وإذا ظهرت الكبرى تتابعت تتابع الخرز في النظام إذا انفرط عقده، وإذا طلعت الشمس من مغربها قفل باب التوبة وختم على الأعمال، فلا ينفع بعد ذلك إيمان ولا توبة، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، فيومئذ: يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ مَا سَعَىٰ وَبُرّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ [الشعراء:91].
عباد الله، وإن مما ذكر النبي من أشراط الساعة ما جاء عنه من قوله: ((إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل ويشرب الخمر ويظهر الزنا)). لقد تضمن هذا الحديث الشريف أمورًا أربعة من أهم أشراط الساعة وأبرز علاماتها.
إن هذه الأمور مقدمة تمهد لخراب العالم وانصرام الدنيا وفنائها، فلا تقوم الساعة حتى تميد الأرض بالشر وتضطرب بالكفر، فلا يبقى على ظهرها خير أبدًا، وتعم الحياة جاهليةٌ وعناء وشرور عمياء، وكفر بالله وجحودٌ لنعمه وضلال مطبق شامل، قال : ((لا تقوم الساعة وعلى ظهر الأرض من يقول: الله الله)).
وإن العلامات الصغرى قد ظهرت من خلال حياة المسلمين الحاضرة، وما فيها من فواحش ومنكراتٍ وتعدٍ للحياء والتراحم، ومجاهرةٍ بالمعاصي ومنع لل+اة وخيانةٍ للأمانة، وتهافت على الآثام وانتهاك للأعراض، وإن من أبرزها ما أشار إليه الحديث آنف الذكر، فالأولى والثانية: أن يرفع العلم ويثبت الجهل.
إن الله عز وجل لا يقبض العلم من صدور العلماء، وإنما يرفع العلم بموت العلماء، فيموت علمهم معهم. قال : ((إن الله لا ينزع العلم من صدور العلماء انتزاعًا، ولكن ينتزعه بقبض العلماء بعلمهم، فيبقى أناس جهال يستفتون فيفتون فيضلون ويضلون)).
إن العلماء هم نور الحياة ونبراس الهداية، وقبس الحق ووارثو علم الرسالة، خلفاء النبي في أمته، المحيون لما مات من سنته، هم مصابيح الدجى وأعلام الهدى ونجوم السماء، فيهم رجاحة الرأي وصرامة العزم وخلوص السرائر، إذا رأَوا حقًا أعانوا، وإن أبصروا عوَجًا نصحوا، وإن لمحوا تقصيرًا نبّهوا. بعلمهم ـ بإذن الله ـ يكون الناس أنقياء الفكر وأتقياء العمل، يصلحون في معاملات الناس ما كان فاسدًا، ويصلون منها ما كان مقطوعًا، يحتملون المكاره في سبيل ما يقدمون من نصائح، هم أسرع الأمة إلى الائتمار بما يأمرون والمباردة في الكف عما يحذرون، إنهم بحقّ أنوار ساطعة وأنوار لامعة، فإذا ماتوا ولم يكن من يقوم مقامهم ويملأ فراغهم انطفأ ذلك النور وأظلمت الحياة، وتخبط الناس في دياجير الجهل، قال : ((إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء؛ يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن يصل الهداة)).
وإننا ـ يا عباد الله ـ ما ابتلينا ببلاء أشدّ علينا في هذه الأيام من فقد علمائنا، ففي هذا العام الذي لم يذهب نصفه الأول فقدنا الكوكبة الخيرة من علمائنا، ابتداءً بالإمام القدوة عبد العزيز بن باز، وختامًا بمحدث العصر الشيخ الإمام أبي عبد الرحمن محمد بن ناصر الدين الألباني، الذي أمضى ما يزيد على ستين عامًا من عمره في الاشتغال بعلم الحديث النبوي وخدمة السنة المطهرة، دراسة وتدريسًا تأليفًا وتحقيقًا عملاً ودعوة، فرسخ في رياض الفقه قدمه، وسبح في بحار التخريج علمه، فأتى بتحقيقات نفيسة لم تحوها كتب الأكابر، شهد له بذلك أعداؤه قبل محبيه ومخالفوه قبل موافقيه، لا نبالغ إذا قلنا: لا يستغني باحث في علوم الحديث عن الرجوع إلى آرائه في التضعيف والتصحيح، فإنها محض الفصح الفصيح، ومحض عن +د الحق الصريح، ينقح فيها ما لا يستغنى عن التنقيح، ويرجح ما هو مفتقر إلى الترجيح، ويوضح ما لا بد فيه من التوضيح.
إننا ـ يا عباد الله ـ لنرى بأم أعيننا أكابر العلماء والفضلاء يموتون فلا من يخلفهم في علمهم وفضلهم، فالشيخ الألباني سابع سبعة في هذا العام، منهم العالم النحرير والأديب المؤرخ، والفقيه البارع والمفسر البحر، وحامل لواء الفتيا والدعوة والمحدث والمحقق.
إن هذه المصائب تجلّى وتكمن خطورتها في آثارها على الأمة، وإننا لا نريد أن نغرق في التشاؤم ولا ينبغي أن نتشاءم، ولكننا نقرر واقعًا مشاهدًا ونحث أنفسنا وإخواننا أن نشمر عن ساعد الجد في طلب العلم، والالتفاف حول العلماء، ومعرفة قدرهم وفضلهم والالتزام بالأدب معهم. فرحمهم الله جميعًا وأجزل لهم المثوبة على ما قدموه، ورفعهم عنده درجات في الجنة لقاء ما بذلوه، وأحسن الله عزاءنا فيهم.
اللهم آجرنا في مصائبنا، واخلفنا خيرًا يا رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أسباب سخطه وأليم عقابه، واستعدوا ما دمتم في دار المهلة فقد أعذر الله لكم وأنذر، فما لكم عليه من حجة.
عباد الله، وأما العلامة الثالثة والرابعة الواردة في الحديث فهي شرب الخمر وظهور الزنا.
فالخمرة أم الخبائث، والزنا رأس الفواحش، ما ظهر في أمة إلا كان ذلك دليلاً على بلوغها أبعد حدود الاحترام، وترديها في أعمق الكبائر والآثام، جاء في الحديث: ((الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وعمته وخالته)).
إن المخدرات والمسكرات داعية إلى الفجور ومفتاح لكل الشرور، تفتك بالشعوب وتجعل حضارتها إلى أنقاض. إن من يتعاطى ذلك منسلخ من آدميته ليصير معدودًا من البهائم بل هو أضل؛ لأنه متقمص لشخصية القتل والإجرام والفحش والتفحش، ظالم لنفسه تمزقت عنده كل بادرة حياء أو غيرة، أرمل زوجته وأيتم أطفاله، ولا يقل عنه من يروج ذلك في الأمة، إنه عدو لدود وخائن وناقض للعهود تجب محاربته، ومن أخفاه وتستر عليه فقد آوى محدثًا فعليه لعنة الله، وما لنا لا نلعن من لعنه رسول الله .
وأما الزنا فهو أقبح القبائح؛ يبدد الأموال وينتهك الأعراض، ويقتل الذرية ويهلك الحرث والنسل، عاره يهدم البيوت ويطأطئ عالي الرؤوس، يسود الوجوه البيضاء، ويخرس ألسنة البلغاء، ويهبط بالعزيز إلى الهاوية، ينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما علا.
بانتشاره تغلق أبواب الحلال، ويكثر اللقطاء، وتنشأ طبقات بلا هوية، طبقات شاذة حاقدة على المجتمع لا تعرف العطف ولا العلاقات الأسرية، فيعم الفساد ويتعرض المجتمع للسقوط. وقانا الله وإياكم من شروره، ودفع عنا وعنكم أسباب حصوله.
وبعد: يا عباد الله، فإن الساعة آتية لا ريب فيها، وإن الله يبعث من في القبور. فاتقوا الله وأديموا ذكر الله، واستعدوا للقاء الله، وطهروا أنفسكم ومجتمعكم من أرجاس الذنوب وأوضار المعاصي.
وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير، فقد أمركم بذلك اللطيف الخبير فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
| |
|