molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: التوحيد وفضل العشر من ذي الحجة - حسين بن شعيب بن محفوظ الإثنين 31 أكتوبر - 6:35:21 | |
|
التوحيد وفضل العشر من ذي الحجة
حسين بن شعيب بن محفوظ
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن الفضيلة يبحث عنها كل إنسان، ذلك لأن منها قوام حياة المسلم فبالفضيلة واجتناب الرذيلة يسعد الإنسان في هذه الدنيا، وإن البحث عنها لا يكون إلا على وفق مقتضى الشريعة الإسلامية، ذلك أن الله سبحانه وتعالى ما من خير وفضيلة إلا أمر به، وما من شر ورذيلة إلا نهى عنه، ولذلك جعل اتباع هذا الشرع الحنيف واجباً على كل مسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، قال الله سبحانه وتعالى: ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً [المائدة:3]. فأكمل الله سبحانه وتعالى للناس الدين فكان إكمالاً للفضيلة، وأتم عليهم النعمة الإسلامية فكان ذلك إتماماً للفضيلة، ورضي الله سبحانه وتعالى للمسلمين هذا الدين إلى قيام الساعة، أن يسيروا عليه ويقتفوا أثر النبي عليه الصلاة والسلام ظاهراً وباطناً، فإنهم إن فعلوا ذلك كانوا من أهل السعادة في الدنيا والآخرة، وإن أعرضوا عنه كانوا من أهل الشقاء الذين لا يسعدون أبداً.
فمن أين يكون البحث عن الفضيلة؟
إن البحث عن الفضيلة إنما يكون في المقومات التي جاء تأصيلها في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسوله ، وأول تلك الفضائل المأمور بها من الله عز وجل التوحيد، أن نوحد الله أن نعبده وحده لا شريك له، وأن نتجرد لله عز وجل في كل أمر من أمور ديننا ودنيانا، حتى نلقى الله وهو راض عنا، ولذلك هذا الأمر كان أصل الأصول في هذا الدين وهو أوجب الواجبات، يقول معاذ بن جبل : "كنت رديف الرسول على حمار، فقال: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وحق العباد على الله))؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله، أي ما أوجبه الله على نفسه وجعله حقاً للعباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً))، قلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس، (لأن هذه الفضيلة كان حقاً على كل إنسان أن يبشر نفسه ويبشر بها إخوانه) أفلا أبشر الناس، قال: ((لا فيتكلوا)) فأخبر بها معاذ من عند موته تأثما، أي عندما حضرته الوفاة أخبر بها خوفاً من أن يناله إثم حتى لا يكون من الذين يكتمون ما أنزل الله على عبده. لـي من الله رعـايـة أن منها في عناية
قد جعلت الصدق دأبي والتوكل لي وقاية
فإذا مـا رام عـدوي بي شراً أو نكاية
حلتـه سـراً على الله وفـي الله الكفاية
فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً. [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحه].
ولذلك فإن التوحيد بمعناه العام والشامل هو المطلوب من كل العباد أن يجعلوا كل أمورهم لله وفي الله، إن أحببنا فلنحب في الله، وإن أبغضنا فلنبغض في الله، عطاؤنا لله، منعنا لأجل الله، إن توكلنا فلنتوكل على الله، في الاحتكام لا نحتكم إلا إلى الله ورسوله، وكذلك في حياتنا إلى مماتنا، وفي كل حركة وسكون نفعله يجب أن يكون لله عز وجل، تجرد كامل لله سبحانه وتعالى: قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. لذلك قال في بيان معنى الفضيلة في الدنيا والآخرة: ((من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)) [أخرجه البخاري ومسلم].
أي فضلية أعظم من هذه الفضيلة غير أن الناس في غفلة عنها، وإنها لمصيبة أن يعلم المسلمون أن الواجب عليهم أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ثم هم يصرفون أمورهم لغير الله، إنها والله لجريمة في حق الإسلام أن يعي المسلم هذه الحقيقة وهو لا يعمل لها ليل نهار.
ومن الفضيلة كذلك الاقتداء بالنبي في الهدي الظاهر والباطن، فإن التمسك بسنته والعمل بمقتضى أمره وتوجيهه عليه الصلاة والسلام فيه السعادة، قال الله سبحانه وتعالى: أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال:20]. طاعةً لله ولرسوله، نهي من الله سبحانه وتعالى عن الإعراض والتولي عن سنة نبيه لذلك قال أبي بن كعب: "عليكم بالسبيل والسنة (والسبيل هو الصراط المستقيم الذي جعله الله للمؤمنين في الأرض ويقودهم إلى الجنة)، عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما من عبد يكون على سبيل وسنة ثم يذكر الله فتفيض عيناه أي بالدموع إلا حرم الله عليه النار، وفي قول : إلا حرم الله على النار أن تمسه لذلك كان حذيفة يقول للقراء الحفاظ كتاب الله: (يا معشر القراء إنكم قد سبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً أو شمالاً ضللتم ضلالاً) بعيداً أي إن أعرضتم من هذا الخير الذي حباكم الله سبحانه وتعالى به ضللتم ضلالاً بعيداً.
ومن الفضيلة كذلك أن يعِّود المسلمون أنفسهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الله سبحانه وتعالى جعل هذا الأصل أي أصل القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأمور التي ينال بها المسلمون الخيرية، كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ [آل عمران:110]. تأمرون بالمعروف، والمعروف هو كل ما أمر به الشرع، وتنهون عن المنكر والمنكر هو كل ما نهى عنه الشرع، فكل ما جاء تحسينه في كتاب الله وسنة رسوله فهو معروف يجب الائتمار به، وكل ما قبحه الشرع في الكتاب والسنة فإنه منكر يجب الانتهاء عنه وزجر الناس عنه، لذلك قال : ((مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن هم تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا فنجوا جميعاً)) [أخرجه البخاري في صحيحه من حديث النعمان بن بشير].
بيان من النبي بأن الفضيلة لن تتأتى في أي مجتمع إلا إذا كان أبناؤه قائمين بالأمر بالمعروف ناهين عن المنكر، وإن الفساد لم يستشر بين المسلمين، والمنكرات لم تطغ على حياتهم إلا حين غفلوا عن هذا الواجب العظيم، وقد قال : ((لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يأخذكم بعقاب من عنده ثم تدعونه فلا يستجيب لكم)) [أخرجه الإمام الترمذي بإسناد حسن].
((ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) إي وربي إنها الحالة التي نحن عليها، مصائب متتابعة، ابتلاءات على إثر ابتلاءات، محن تأتي الواحدة بعد الأخرى، تكالب الأعداء علينا من كل مكان وحدب وصوب، ضيق الله على المسلمين في معيشتهم، انعدم الأمان فزرع الخوف بين المسلمين حتى أصبح المسلم لا يستأنس بأخيه المسلم،السيئات انتشرت والخمر قد شربت على مرأى ومسمع من عباد الله، والربا قد استبيحت والرشوة قد أكلت، والمنكرات طغت وعمت في المجتمع، والسفور والتبرج يطغى كل الشوارع وحكم الله مغيب، أُدني المجرمون وأبعد المؤمنون، حورب المسلمون عباد الله، ورفع العلمانيون المرتدون الذين يشار إليهم بالبنان، وقدموا على أنهم من دعاة التقدم والتحضر، سفك للدماء، أكل لأموال الناس بالباطل، يقتل المسلم أخاه لأتفه الأسباب.
كل هذه عقوبة قدرية من الله، لأننا لم نأمر بالمعروف ولم ننه عن المنكر، فساد في كل بيت، في كل بيت يسمع فيه ما يغضب الرحمن الرحيم، ويرضي الشيطان الرجيم، وبعد ذلك نرفع أكفنا بالضراعة إلى الله نقول: يا رب، لم لا ترفع عنا هذا البلاء والغلاء والمصائب؟ ولكن من ذا الذي يجيب، إن الله لا يستجيب لنا لأن الداء فينا، قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186]. دعوناه فلم يجبنا لأنه قال: فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]. هل استجبنا لله؟ إن استجبنا لله كان حقاً على الله سبحانه وتعالى أن يجيب دعاءنا، فكيف يستجيب الله دعاءنا ونحن لم نستجب له؟ لذلك إن أردنا الفضيلة فلنرجع إلى الله سبحانه وتعالى ونمتثل قوله: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ [الأنفال:24-25].
فالبدار البدار والعودة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
أقول ما تسمعون ادعوا الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فإننا نعيش في هذه الأيام الفضيلة المباركة، نعيش في نفحات الرحمن، إنها الأيام المعلومات التي أمر الله سبحانه وتعالى فيها عباده بالطاعة وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودٰ [البقرة:203]. فأمر الله بذكره في هذه الأيام وهي الأيام التي أمر الله موسى بأن يذكر بني إسرائيل في أرجح أقوال أهل العلم في قوله تعالى وذكرهم بأيام الله، وكان حقاً أن يذكر المسلم نفسه وإخوانه بها كي ينتفع المسلمون بهذه الأيام المباركات.
إنها الأيام العشر من ذي الحجة التي جعل النبي العمل الصالح فيها أحب إلى الله سبحانه وتعالى مما سواها قال : ((ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر أي من عشر ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وبماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما].
إن هذه الأيام يستحب فيها الصيام كما يستحب فيها الذكر، يستحب فيها التهليل والتحميد والتكبير والتسبيح والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام، يستحب فيها الصدقة يستحب فيها الاعتكاف، يستحب فيها قراءة القرآن، يستحب فيها الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى من كل المؤثرات الدنيوية، وخير هذه الأيام الفضيلة يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وسوف يوافق إن شاء الله في هذا العام يوم جمعة كما كان في حجة النبي عام حجة الوداع فإنه حج ووافق حجه يوم عرفة بأن كان في يوم الجمعة، وذلك فضل الله والله ذو الفضل العظيم.
وصوم يوم عرفه يكفر ذنب سنتين عن أبي قتادة قال: قال رسول الله : ((صوم عرفة يكفر سنتين)) أي ذنب سنتين ماضية ومستقبلة، أي السنة التي ذهبت والسنة التي نستقبلها. ((وصوم عاشوراء يكفر سنة)) أي ماضية، [وهذا الحديث أخرجه الجماعة إلا البخاري والنسائي]. وفيه دلالة على أن صوم يوم عرفة من الأيام العظيمة التي يجب أن يتبعها المسلمون، فإن لم تستطع أخي المسلم أن تصوم أيام العشر فلا تحرم نفسك من صوم يوم عرفة إلا أن صوم يوم عرفة صيامه خاص بغير الحجاج، فإن الحاج من السُنَّةِ أن لا يصوم يوم عرفة. عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ((يستحب صوم يوم عرفة لغير الواقف بعرفات)) أي من وقف بعرفات فإن من السنة أن يفطر [والحديث متفق عليه وأخرجه أحمد والنسائي وأبو داود بإسناد صحيح].
ولذلك النبي يوم حجة الوداع وهو واقف بعرفات أفطر ولم يصم فتقول أم الفضل رضي الله عنها زوج العباس بن عبد المطلب أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهم جميعاً تقول: (شككنا في يوم عرفة أن صام رسول الله قال: فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف يخطب بعرفات فأخذه فسم الله فشرب منه) [أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما].
ففيه دلالة على أن الواقفين بعرفات لا يسن في حقهم الصيام إنما يسن في حقهم الإفطار، ولذلك حتى لا تحرم نفسك أخي المسلم من أن تشارك الحجاج وهم ضيوف على الرحمن عز وجل فصم على الأقل في هذا اليوم أي يوم عرفة، فإنه يوم ينزل الله سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا ويباهي بعباده الصالحين الملائكة فيغفر لهم جميعاً إلا اثنين متشاحنين أي متخاصمين . وإن استطعت أن تصوم العشر كلها أو بعضاً منها فافعل فإن حفصة زوج النبي أم المؤمنين تقول: (أربع لم يدعهن رسول الله أربع لم يدعهن (أي لم يتركهن رسول الله ) صيام العشر (أي من ذي الحجة) وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وركعتا الغداة (أي سنة الفجر) [أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وهذا حديث صحيح]. وفيه بيان فضيلة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، فلا تحرم نفسك أخي المسلم من هذه الفضيلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل صلاتنا وصيامنا و+اتنا وركوعنا وسجودنا ويجعل خير أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يتقبل منا صالح أعمالنا في هذه الأيام الفضيلة.
| |
|