molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: فضائل شهر رمضان وخصائصه - حسين بن شعيب بن محفوظ الإثنين 31 أكتوبر - 6:10:44 | |
|
فضائل شهر رمضان وخصائصه
حسين بن شعيب بن محفوظ
الخطبة الأولى
فيا عباد الله، لقد أظلكم شهر كريم، وحلّ بساحتكم ضيف كبير، رحمة من الله بكم، لتتقربوا إليه سبحانه بالتوبة والاستغفار، ولتزدادوا قربًا إلى الواحد الديان بالصيام والقرآن وأعمال البر من المعروف والخير والإحسان.
فأنعم بعبد فاز برضا الرحمن في شهر الصيام والغفران، وبئس الذين فرّطوا في جنب الله فلم يزدادوا من الله إلا بعدًا في شهر القيام والقرآن، فباؤوا بالوبال والخسران.
فاحمدوا الله ـ يا عباد الله ـ على أن منّ عليكم بنعمة الإسلام، وجعل من شهر رمضان موسمًا للتزود بالأعمال الصالحات، فاحمدوه على هذه النعمة العظيمة واشكروه بها يزدكم من نفحاته وألطافه.
واعلموا ـ يا عباد الله ـ أن الله سبحانه وتعالى خص شهر رمضان المبارك بفضائل عظيمة ومزايا منيفة وخصائص جمة رفيعة، فهو شهر فتحت فيه أبواب الجنة والرحمة والسماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم والنيران، وتصفد فيه الشياطين، فيه ليلة هي خير من ألف شهر، هي ليلة القدر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)) متفق عليه، وفي رواية: ((فتحت أبواب الرحمة))، وفي رواية: ((فتحت أبواب السماء)).
ولقد خص الله سبحانه وتعالى هذا الشهر الكريم بصيام نهاره، والصوم من أفضل الأعمال وأجلها، وصاحبه مستوجب ـ بفضل الله ورحمته ـ غفرانَ ما تقدم من ذنبه إن صام بصدق وإخلاص، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. ومعنى ((إيمانًا)) أي: تصديقًا بثواب الله، ((واحتسابًا)) أي: طالبًا الأجرَ من الله لا من غيره.
وإن من مزايا الصيام أن الله سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه إضافة تشريف وتكريم، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: ((قال الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم. والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)) متفق عليه.
وأفاد هذا الحديث من قوله : ((والصيام جنة)) أنه وقاية؛ لأن الصوم يقي الإنسان من مهاوي الردى، ويصرفه عن سبيل أهل النار، ويبعده عن طريق الشيطان، ويصرفه عن المعاصي ما ظهر منها وما بطن، ولا يتحقّق للصائم ذلك إلا إذا اجتنب المحظورات الحسية والمعنوية، ((فلا يرفث)) أي: لا يفحش، وقيل: لا يجامع في نهار رمضان؛ لأنّ الجماع عمدًا في نهار رمضان من كبائر الذنوب ومن أعظم مبطلات الصيام، فتجب فيها الكفارة المغلظة: عتق رقبة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما.
ونهي الصائم عن الصخب وهو الصراخ والصياح والضجيج وإحداث الشغب والضوضاء.
وأما قوله : ((ولا يجهل)) أي: لا يكن سفيهًا لا في قوله ولا في عمله.
ففيه التحذير من المعاصي الظاهرة والباطنة، فمن صام عن الطعام والشراب والشهوات فلتصم جوارحه عن كل المنكرات والسيئات.
ولقد شرع لنا رسول الله قيام رمضان، ومزيته في شهر رمضان أنه سبب من أسباب غفران ما تقدم من الذنوب والمعاصي، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه. فأي خير أعظم من هذا أن يتزامن الصيام مع القيام ليكون سببًا من أسباب غفران ما تقدم من الذنوب؟!
شهر رمضان يحمل في جنباته الرحمات وفي طياته الطاعات، يفوح منه عبق الإيمان، وتتفجر من ينابيعه شآبيب الإيمان، فهو شهر الصيام والقيام وموسم الطاعة والإنفاق، شهر يتسابق الناس فيه بالصدقة والإحسان والبر والمعروف والفوز برضا الرحمن. هو شهر القرآن والتوبة والغفران، شهر يتقوى فيه جانب التقوى ويزداد فيه الناس إقبالاً على الله في سائر أنواع القربات، فهنيئًا لمن صام نهاره وقام ليله وأحيا أيامه بتلاوة القرآن والذكر والتسبيح والتهليل والتحميد، وثبورًا لمن دخل عليه شهر رمضان ولم يغفر له، فكان شاهدًا عليه بالسيئات والمنكرات، لا شاهدًا له بالحسنات والمسرات.
فيا من أظمأ نهاره وأجاع بطنه وحفظ جوارحه، أبشر بخير عاجل من رب كريم، وكن منتظرًا الثواب من الغفور الرحيم، ألم تعلم أنّ الله سبحانه وتعالى قد خص للصائمين بابًا من أبواب الجنة الثمانية يقال له: باب الريان ينادى منه الصائمون فلا يدخل سواهم؟! فعن سهل بن سعد أن رسول الله قال: ((إن في الجنة بابًا يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون، فإذا دخل آخرهم أغلق ذلك الباب)) متفق عليه، وفي رواية: ((من دخل شرب ومن شرب لم يظمأ أبدًا)) رواه النسائي وابن خزيمة بإسناد صحيح.
ولقد خص الله هذا الشهر الكريم وفضله بإنزال القرآن فيه، كما قال تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
ولذلك يستحب مدارسة القرآن فيه كما كان رسول الله يجتهد في مدارسة القرآن فيه، وبالأخص في لياليه المباركة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله أجود الناس ـ أي: أسرعهم إلى فعل الخيرات ـ وكان أجود ما يكون في رمضان حين ينزل عليه جبريل في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير ـ أي: أسرع ـ من الريح المرسلة. رواه البخاري.
ولذلك كان القرآن مع الصيام شفيعين لصاحبهما، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي ربّ، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي ربّ، منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان)) أي: تقبل شفاعتهما. رواه الإمام أحمد في مسنده بإسناد صحيح. وأي: حرف نداء بمعنى (يا)، فمعنى أي ربّ: يا ربّ.
فاغتنموا ـ يا عباد الله ـ فرصة الطاعة في هذا الشهر الكريم تسعدوا في الدارين، واعلموا أن من حرِم خيره باء بالخسران المبين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه.
الخطبة الثانية
إن فضائل شهر رمضان المبارك ومزاياه وخصائصه كثيرة، فقد أودع الله فيه من جلائل الأعمال الصالحة ما لا يوجد في غيره من الشهور.
فمن فضائله أنّ لله في كل يوم وليلة منه عتقاء من النار، فقد جاء في الحديث قوله : ((ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)) رواه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة من حديث أبي هريرة .
ومن فضائل هذا الشهر ما جاء في الحديث: ((للصائم عند فطره دعوة مستجابة ما ترد)) رواه البيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن.
ومن فضائل هذا الشهر الكريم أن فيه ليلة القدر خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم الخير كله، قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [سورة القدر].
فالعبادة في هذه الليلة خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ومن قامها تصديقًا بوعد الله بالثواب عليها وطلبًا للأجر فيها لا لقصد الرياء والسمعة ونحوه غفر له ما تقدم من ذنبه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه.
فيا عباد الله، هذه الفضائل العظيمة التي منحكم الله إياها في هذا الشهر الكريم فرصة ذهبية، لا ينبغي للعبد التفريط بها، فالأيام معدودات والزاد قليل والأعمار فانية والآجال مراحل مطوية، وكل إنسان مرتهن بعمله، فاللبيب الفطن من يعمل لآخرته ويجعل من هذه الدنيا دارًا للتزود من الأعمال الصالحات بين يدي الجبار علام الغيوب.
شهر رمضان فرصة لا تعوض لرفع وتيرة العمل الصالح، وللتخفف من الذنوب والآثام، سيما وأنّ من حِكم الصيام أنه باعث للتقوى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].
وتقوى الله حق تقاته كما قال عبد الله بن مسعود : (أن يطاع ـ أي: الله ـ فلا يعصى، وأن يشكر في يكفر، وأن يذكر فلا ينسى) رواه ابن أبي شيبة والحاكم والطبري وإسناده صحيح.
تزود من التقوى فإنك لا تـدري إذا جنّ ليل هل تعيـش إلى الفجر
فكم من عروسٍ زينوها لزوجهـا وقد أخـذت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلـت أرواحهم ظلمة القبر
وكم من سليـم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر
وكم من فتى يمسـي ويصبح لاهيًا وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم سـاكن عند الصباح بقصره وعند المسا قد كان من ساكني القبر
فكن مخلصًا واعمل من الخير دائمًا لعلك تحظـى بالمثوبـة والأجـر
وداوم علـى تقوى الإلـه فإنهـا أمان من الأهوال فِي موقف الحشر
فيا من أضعت عمرك في اللهو واللعب، أتفرط في أيام هذا الشهر الكريم ولياليه المباركة؟! أيليق بالمسلم أن يخرج شهر رمضان ولم يغفر له؟!
فيا عبد الله، علام تلقى الله وأنت مفرط في جنب الله حتى في هذا الشهر الكريم؟! أتلقاه بالمعاصي والذنوب وأنت مفارق للأهل والوطن والأحباب؟! أما كفاك الذنب في سائر شهور السنة حتى تعصيه في شهر الصوم والقرآن؟! أفق من غفوتك، وأنب إلى ربك، وفر من ذنوبك كفرارك من الأسد، واستمع إلى الله سبحانه وتعالى وهو يخاطبنا بقوله: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ [الزمر:54-59].
فيا عباد الله، إن شهر رمضان كعادته يأتي علينا كل عام ـ وللأسف الشديد ـ ومآسي المسلمين تزداد يومًا بعد يوم، فها هو شهر رمضان الكريم قد أظلنا في هذا العام وتزداد الشدة على إخواننا المسلمين في فلسطين المحتلة على أيدي اليهود المغتصبين لعنهم الله.
يطل علينا هذا الشهر الكريم والقدس والمسجد الأقصى يرزحان تحت نيران الاستعمار الصهيوني، والمسلمون كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل. فمسؤولية ضياع ثغور المسلمين تقع على كاهل كل المسلمين، وسوف نسأل يوم القيامة عن ذلك، يوم يقول الله سبحانه وتعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لا يَتَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:24-27].
فالواجب على المسلمين نصرة إخوانهم المجاهدين في فلسطين بالنفس والمال، فإن عجزوا عن ذلك فلا أقل من أن ننصرهم بأموالنا، فدرهم تنفقه في سبيل الله يدخره الله لك يوم القيامة في ميزان حسناتك، ويضاعف الله لمن يشاء، ولا تنسوا إخوانكم المجاهدين في سبيل الله في فلسطين والشيشان وكشمير وفي كل مكان، وأخلصوا لهم الدعاء، فدعاء الصائم مستجاب.
فاللهم انصرهم على عدوهم وثبت أقدامهم، وأنزل السكينة عليهم، وسدد رميهم يا رب العالمين.
| |
|