molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الشباب - حسن سعيد موسى سيد الإثنين 31 أكتوبر - 5:38:55 | |
|
الشباب
حسن سعيد موسى سيد
الخطبة الأولى
إن شباب كلِّ أمة هم كنزها الحقيقي وذخرها الدائم، هم الساعد الذي تبني به مجدَها وتهزم به عدوها، وأطفال اليوم هم شباب الغد، وشباب اليوم هم رجال المستقبل، فبهمة الشباب وبخبرة الشيوخ تبني الأمم حضارتها، فمتى اعتمدت الأمة على الشباب دون الشيوخ كانت متهوِّرة وضائعة، ومتى اعتمدت على الشيوخ دون الشباب ضربها العجز والوهن وكانت في آخر ركب الأمم، فلا بد من قوة الشباب وحكمة الشيوخ حتى تسير سفينة الحياة ويستمرّ عطاء الأمم؛ لذا فعلى الشيوخ أن يورثوا الشباب الحكمة والحنكة والعقل والتجربة، وأن يربوهم على معالي الأمور وعظائم الأعمال، وما بكى الباكون وتأسّف المتأسفون على مثل فترة الشباب كما قال قائلهم:
ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب
وقال آخر:
وَيا عصرَ الشباب عليك منّي مَدى الدَهرِ التحيَّةُ وَالسَلامُ
لذا أيها الإخوة في الله، كان للإسلام دور كبير في توجيه الشباب المسلم إلى ما ينفعه، فإن الناظر إلى سيرة النبي يجد الشباب هم من أسلموا معه ونصروا الدين، فها هو النبي يُبعث على رأس الأربعين من عمره في أفضل أيام الشباب وأعظمها عطاء، ويسلم أصحابه من حوله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم وهم الشباب الذين حملوا همّ الدين وهمّ الإسلام، أما الشيوخ فقد خالفوه إذ إنهم قد تشربوا الكفر كابرا عن كابر، فمشوا على سيرة الآباء والأجداد فلم يسلم منهم إلى القليل ممن حكّم عقله وأعمل فكره وكان من الله تعالى له التوفيق.
ومن نظر إلى حال النبي وسنته وتعامله مع الشباب يجده يعلّم الشباب ويوجههم ويأخذ بأيديهم ويعطيهم سرَّه في بعض المواقف ويؤمّرهم على الجيوش، وهكذا حتى ينشأ الشباب على العفاف والطهارة والمسؤولية وتحمّل المواقف.
وها نحن ـ أيها الإخوة في الله ـ نرى شباب اليوم على طريقين، منهم من حمل همَّ أمته فاجتهد في دراسته، وفي أوقات فراغه التحق بالدورات العلمية والعمليّة التي تؤهّله لأن يكون عضوا صالحا في مجتمعه، فنفع الله به من حوله ونفع به المجتمع والأمة.
نَفَضَ الشّبـابُ العَجزَ عن آمـالهِ والعـاجزون على الشُّعوب عِيالُ
وانسـابَ يأبى أن يَعيـبَ زَمـانَهُ قِيـلٌ يضيـعُ به الزّمانُ وقـالُ
لم يقضِ حـاجَتَه ولم يظفـرْ بِهـا في النّـاس إلا القـائل الفعّـالُ
الأمرُ جِـدٌّ ما بـه مـن ريبـة والبعـثُ حقٌّ ليـس فيه جدالُ
والفريق الثاني ـ وهم كثير للأسف ـ بلا مسؤوليات، فتراه غاية همه قتل الوقت والفراغ، فتراهم يمشون في الشوارع يستعرضون شبابهم فيؤذون عباد الله، أو تراهم في المجمعات التجارية يطالعون الضارّ والنافع ويجرحون حياء المارة، أو يتعرضون للنساء في تلك المجمعات والأسواق، فهل هؤلاء الشباب استغلوا طاقاتهم بما يعود على مجتمعهم بالنفع؟! وهل ترى هؤلاء الشباب ممن يحمل هم أمته لينهض بها؟!
فالفريق الأول ينالون رضا المجتمع ودعواتهم لهم بالتوفيق، ويعتمد الأهل عليهم في بعض المهام لما يرون فيهم من صفات الرجولة والنضوج، أما الصنف الثاني فهو صنف لا ينال الاحترام والتقدير، بل ربما لا ينالون سوى الدعوات عليهم ممن آذوه وجرحوا مشاعره.
يقول الله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54]. فالشباب مرحلة قوة بين ضعفين: ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فعلى الشاب أن يستغل شبابه ويغتنمه فيملأه بما يرضي ربه عنه وينفع به أمته، وكما قال الشاعر:
أَمَّـا شَبـابي فَلَم أَذمُم صَحـابَتَهُ وَالشَّيبُ حينَ عَلاني زادَني وَرَعًـا
أَصبَحتُ بَينَ الفَتَى وَالشَّيخ مُرتَدِيًا ثَوبَ الشَّبابِ بِثَوبِ الشَّيبِ مُقتَنِعا
أيها الشباب، لقد خاطب النبي عبد الله بن عمر رضي الله عنه وهو شاب فقال له: ((اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل مرضك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك))، وإن العبد ليُسأل عن العمر عامة وعن فترة الشباب خاصة كما جاء في الحديث، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((لا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ؟ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاهُ؟ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ؟ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ؟)) رواه الترمذي وقال: "حديث غريب". ولقد أثنى الله تعالى على فتية الكهف في القرآن وهم شباب قاموا لله تعالى مؤمنين، فحفظهم الله عز وجل وأثنى عليهم وجعلهم آية للناس إلى يوم القيامة، فقال: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13].
فيا أيها الآباء الكرام، ربوا شبابكم وأبناءكم على طاعة الله تعالى وعلى منهج رسول الله ، فقد كان النبي يعلّم الشباب ويوجّههم، فهذا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمًا فَقَالَ: ((يَا غُلامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)) رواه الترمذي وقَالَ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". فها هو النبي يربي ابن عباس ويعلمه ويوجهه إلى طاعة الله تعالى ومراقبته والاعتماد على الله عز وجل والرضا بقدره والثقة بما عند الله تعالى.
وها هو عمر بن أبي سلمة يقول: كُنْتُ غُلامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ : ((يَا غُلامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)) رواه البخاري ومسلم. فها هو النبي يعلم عمر بن أبي سلمة كيفية الطعام وآدابه. ووجّه النبي المجتمع كلّه صغيرا وكبيرا إلى احترام الكبير توقيرا وتبجيلا ورحمة الصغير شفقة وإحسانا فقال: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَر)) رواه الترمذي وأحمد وغيرهما.
وعليك ـ أيها الأب ـ أن تربي أبناءك على تحمل المسؤوليات وحفظ الأسرار، وهذا كان منهج النبي ، فانظر إلى هذا الموقف من سيرته : عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَأَخَذَ بِيَدِي فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ حَائِطٍ أَوْ جِدَارٍ حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَبَلَّغْتُ الرِّسَالَةَ الَّتِي بَعَثَنِي فِيهَا، فَلَمَّا أَتَيْتُ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ فِي حَاجَةٍ لَهُ، قَالَتْ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: سِرٌّ، قَالَتْ: احْفَظْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ سِرَّهُ، قَالَ: فَمَا حَدَّثْتُ بِهِ أَحَدًا بَعْدُ. رواه أحمد.
وأمّر النبي عتاب بن أسيد على مكة وعمره سبع عشرةَ سنة، وكذا أمّر أسامة الجيش الذي فيه كبار الأصحاب وعمره سبع عشرة سنة.
فعلى الأب أن يربي ولده على رحمة الصغير وتوقير الكبير وحفظ السرّ ومراقبة الله سبحانه وتعالى في السر والعلن وتحمل المسؤوليات.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله...
الخطبة الثانية
أيها الشباب، عليكم بالتزام أمر الله تعالى وهدي النبي ، واعلموا أنكم كنز الأمة وقوتها وذخرها، فعليكم بما ينفع أمتكم وينفعكم في الدنيا والآخرة.
واحذروا ما يحاك للأمة من مؤامرات ومكر تقصَدون به أنتم مباشرة؛ لأنكم عصب الأمة، ويقصدكم كذلك تجار الموت الذين يجلبون المخدرات ويبحثون عن ضحاياهم من الشباب ليقتلوا فيهم الفكر والإبداع والعطاء ليبقى الشاب عبءًا على أمته ومجتمعه.
واعلموا أن الأيام تمر وأن الأزمان تنقضي، وغدا نلقى الله تعالى، فإذا الحساب بين يديه والعرض يوم القيامة عليه، فعليكم بما يسركم بين يدي الله تعالى، وإياكم وضياع الأوقات، فإن الفراغ نعمة من نعم الله تعالى، فعليكم باغتنامها والعمل فيها بما يرضي الله تعالى عليكم وينفع أمتكم ووطنكم، وعليكم بصديق الخير والجليس الصالح، وإياكم والجليس السوء، فإن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، وجليس السوء يجرك إلى الردى وينقص من قدرك، وكما قيل: "قل لي من صديقك أقل لك من أنت". فصاحب من تغنم وتسعد به ولا تعضّ أصابع الندم يوم القيامة على صحبته، قال الله تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً يا وَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً [الفرقان: 27-29].
وها هو أبو الأسود الدؤلي يتوجّع على الشباب الذي ولى وأعقبه العجز بعد القوة:
غَدا مِنـكَ في الدُنيـا الشَبـابُ فَأَسرَعا وَكانَ كَجارٍ بانَ مِنكَ فَوَدَّعا
فَقُلتُ لَهُ فـاذهَب ذَميـمًا فَليتَني قَتَلتُـكَ عِلمًـا قَبـلَ أَن تَتَصَدَّعـا
جَنَيـتَ عَلَـيَّ الذَنبَ ثُمَّ خَذَلتَني عَليـهِ فَبِئسَ الخَلَّتـانِ هُمـا مَعـا
وَكُنتَ سَرابًـا ماحِصًا إِذ تَرَكتَني رَهينَـةَ ما أَجني مِـنَ الشَـرِّ أَجمَعا
نسأل الله تعالى أن يصلح شبابنا وأن يبارك فيهم ويجعلهم ذخرا للأمة، وأن يبعد عنهم المخدرات والأمراض ورفقاء السوء، وأن يبعد عنهم الزنا والربا والخمر والوبا، آمين.
| |
|