molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: عظمة الله جل وعلا - حسام بن عبد العزيز الجبرين السبت 29 أكتوبر - 7:29:27 | |
|
عظمة الله جل وعلا
حسام بن عبد العزيز الجبرين
الخطبة الأولى
أما بعد: عباد الله، فقد ثبت في الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: جاء حَبرٌ من الأحبار إلى رسول الله فقال: يا محمد، إنّا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول: أنا الملك، فضحك النبي حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحَبر، ثم قرأ رسول الله : وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر: 67].
أيها المسلمون، إنه لحريٌ بنا في هذا العصر الذي طغت فيه المادّيات وزادت فيه الملهيات وأبهرتِ العقولَ التقنيات أن نذكّر أنفسنا ببديع صنع الخالق جل وعلا وعظمته جل في علاه.
إنّ تعظيمَ الله جل وعلا من أجلّ العبادات القلبية، وله ثمارٌ يانعةٌ على المسلم، فتعظيم الله يمنح الثقة بالله، وتعظيم الله يثمر سكون النفس وإن ادلهمّت الخطوب، وتعظيم الله يورث الشعور بمعيّة الله، وتعظيم الله يبعث الثبات والعزة، وتعظيم الله يبعث على إخلاص العمل لله، وتعظيم الله يورثُ قول الحق وملازمتَه، وتعظيم الله يدفع إلى الطاعات وترك المحرمات، وتعظيم الله يملأ القلب رضا وصبرا جميلا، إلى غير ذلك من الفوائد الجليلة.
أيها المصلون، قال ابن عباس في قول الله: مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13]: (لا ترون عظمته)، وقال سعيد بن جبير: "ما لكم لا تعظمون الله حق تعظيمه".
ربنا عز وجل عظيمٌ في ذاته، كما قال عن نفسه: لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ [الشورى: 4، 5]، قال المفسرون: "يتشقّقن من عظمة الله جل وعلا".
وفي سنن أبي داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله قال: ((أُذن لي أن أحدث عن ملَك من ملائكة الله من حملة العرش، إن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيره سبعمائة عام))، ورواه ابن أبي حاتم وقال ((تخفق الطير)) وإسناده صحيح. هذه صفة ملَكٍ من حملةِ العرش، وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ [الحاقة: 17].
وهذا بعض مما أخبرنا الله عن نفسه وأخبرنا رسوله ، وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ [البقرة: 255]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لا يطلع أحدٌ من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه، ويحتمل أن يكون المراد: لا يطلعون على شيء من علم ذاتهِ وصفاتهِ إلا بما أ طلعهم الله عليه كقوله: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]" انتهى كلامه رحمه الله.
ماذا حدث لموسى كليم الله لما طلب من ربه ذلك الطلبَ العظيم؟ وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف: 143]. وفي سنن ابن ماجه مرفوعا: ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)).
سبحانه وبحمده، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، وسبحانه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما صرّف فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [سبأ: 1]، وصلى الله وسلم على البشير النذير والسراج المنير.
وبعد: عباد الله، إنه لحري بنا أن نبحثَ عما يغذي تعظيم الله في قلوبنا، وإن من أعظم ذلك ما يلي:
أولاً: معرفة أسماء الله الحسنى وصفاتهِ العلى بمعانيها، فانظر إلى صفة العلم مثلاً وتأمل ما ورد فيها، قال تعالى: وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن 28]. فتمعّن فيما حولك من نباتٍ وشجر ورمل وحجر، واستشعر سعة علمه سبحانه، وتأمل قول الله: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام: 59]، وقول الله: وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر: 11].
ثانيا: مما يغذي تعظيم الله في القلب التفكرُ والنظر والتأمل في مخلوقات الله وفي هذا الكون العجيب وما فيه من الإتقان الرهيب.
تأمـل في نبات الأرض وانظر إلى آثـار مـا صنع المليـكُ
عيـونٌ من لُجينٍ سـابغاتٌ على ورق هو الذهب السبيكُ
على كثبِ ال+رجدِ شاهداتٌ بأن الله ليـس لـه شريـكُ
وربنا يقول عن أولى الألباب: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ [آل عمران: 191]، وقال عز من قائل: وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد: 3، 4]، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].
وثالثا: مما يزيد تعظيم القلب لخالقه قراءة كلامه تعالى بتدبر وحضور قلب، فإن المسلم حين يقرأ كلام ربه يقرأ عن ذاته العليّة وعن آياته الكونية، ويمرّ بقصصٍ وعبر وتخويف ونذر، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ [ق: 45]، لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21]، وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [الرعد: 31]. وإن في بعض الاكتشافات الحديثة وما يسمّى بالإعجاز العلمي لعبرة لأولي الألباب.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وذريته.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من +اها...
| |
|