molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: أحداث الرس - بدر الدين بن محمد ناضرين الخميس 27 أكتوبر - 6:36:41 | |
|
أحداث الرس
بدر الدين بن محمد ناضرين
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله، واذكروا أنّكم محاسَبون على القليل والكثير والصغير والكبير، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة:7، 8].
أيّها المسلِمون، إنَّ الحذَرَ من خُسران العمل نهجُ أولي الألباب وسبيلُ عباد الرحمن وطريقُ الرّاسخين في العِلم، وإن سعادةَ المرء في توفيقِ الله له إلى إصابةِ الحقِّ والاهتداء إلى الصراطِ المستقيم، وذلك بعبادةِ الله على بصيرةٍ والتقرب إليه بما شرَعَه سبحانه مما أنزله في كتابِه أو جاءَ به رسوله ، ففي هذا صيانَةٌ للعبد من أن يكون من زمرةِ الأخسرين أعمالاً الذين نبّأنا سبحانَه بأحوالهم وأوضَحَ حقيقتَهم بقولِه عزّ وجل: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف:103، 104]، وهم كلُّ عامِلٍ عملاً يحسَب نفسَه فيه مصيبًا وأنّه بفعلِه ذلك مطيعٌ لله مُرضٍ له، والحقيقة أنه بفعلِه ذلك مُسخِط لله ضال عن طريق الإيمان.
ألا وإنَّ ضلالَ السعيِ أنواع وصور لا يكاد يحدُّها حدّ أو يستوعِبها بيان، غير أنَّ من أقبحها وأشدِّها نُكرًا وأعظَمها ضررًا شقَّ عصا الطاعة ومفارقةَ الجماعة والتلبّس بالتمرُّد والعِصيان واستباحةِ الدِّماء المعصومةِ وقتلِ الأنفس المحرمة بالتأويلات الباطِلةِ والآراءِ الفاسدة والفتاوَى الخاطِئة المغرِضة.
وإنّ ما وقع منذ أيام في مدينة الرسّ شاهدٌ على هذا الأمر، وإن هؤلاء الخوارج لَهم من أعظم الناس فسادًا في الأرض، ومن أضلّهم سعيًا، ومن أخسرهم أعمالاً؛ إذ متى كان القتلُ والترويع أمرًا مشروعًا في هذا الدين الذي يقول كتابُه المنزَّل: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا الآية [المائدة:32]؟! ومتى كان البَغيُ والعدوان على الناس مسلِمِهم ومستأمَنِهم طريقًا إلى رضوانِ الله وسبيلاً إلى جنّاته؟! ومن المنتفِع بهذه الأعمالِ على الحقيقة يا عباد الله؟! وكيف يرضَى أحد لنفسِه أن ينقلبَ إلى أداةٍ بيد أعداءِ دينِه وخصوم أمته ووطنِه، يبلغون بها ما يريدون من الشرِّ والخَبال وهم قارّون مَوفُورون لم يمسَسهم سوء؟! وكيف لا تقَرّ أعينُ أعداء الدين وهم يرَونَ من يقاتل عنهم ويضرِب بسلاحِهم ويتحيَّز إلى فئتهم؟! ثم ألم يحذِّرنا ربّنا من طاعة الشيطان واتّباع خطواتِه فقال عز من قائل: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208]؟!
عبادَ الله، إنَّ لنيران الحقدِ ضِرامًا تطيش معه العقول وتَصُمّ الآذان وتَعمَى الأبصار، فلا ينتفِع صاحبه بعقلِه ولا بسمعِه ولا ببصره، لا ينتفع بعقلِه حين لا يضَع الأمورَ في نِصابها ولا يتفكَّر في مآلها ولا ينظر في عواقِبِها، ولا ينتفع بسمعه حين يصمّ أذنَيه عن سماع النصح ويولِّي مستكبرًا معرِضًا عن قَبول التّذكير الذي ينفَع المؤمنين، ولا ينتفِع ببصرِه حينَ يغلِق عينَيه عن النّظر إلى البيّنات والهدى الذي يبصِر به طريقَ الحقّ، هنالك تكون العاقبة شرًّا عليه وخسرانًا يبوء به وضلالَ سعيٍ لا يغادِره ونهايةً تعِسةً مظلِمة خائبة تنتظِره.
إن الحِقدَ لن يكون مطيّةً إلى الخير ولا طريقًا إلى الرّشد ولا سببًا إلى نفعٍ عاجل أو آجِل، وما هو إلا مركَب مآلُ راكِبِه الغَرَق هو ومن مَعه بغير أسَفٍ عليه ولا ذكرٍ حسَن له ولا ثناءٍ جميل عليه، وإنها لعاقبةٌ يا لها من عاقبة، وإنه لمآلٌ يا له من مآل، وقانا الله جميعًا شرَّ ذلك المصير، وجنَّبنا أسبابَ سخطه، وختَم لنا بخير.
ألا وإنَّ من مقتضياتِ الإيمان الحقِّ ومن حقوقِ الأخوّة الصادقة تضافر الجهود في الوقوف أمام هذه الفئة الباغية التي أفسدت في الأرض ولم تصلح، وروعت ولم تؤمن، وصدت عن سبيل الله ونفرت، ولم تدع إليه لا بحكمة ولا بموعظة حسنة، فالواجب من الجميع إنكار هذا المنكر، تحقيقا لقوله : ((المؤمِن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا)) وشبّك بين أصابعه، ولقوله : ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفِهم مثلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائِر الجسدِ بالسهر والحمى)) متفق عليه.
نفعَني الله وإيّاكم بهديِ كتابِه وبسنّة نبيّه محمد، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنه كان غفّارًا.
الخطبة الثانية
الحمد للهِ الذي يقبَل التوبَةَ عن عبادِه ويعفو عن السيئات، أحمده سبحانه فاطر السماواتِ والأرضِ، وأشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهَد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبد الله ورسوله سيّد الخلق جميعًا الأحياء منهم والأموات، اللهمّ صلّ وسلّم عليه وعلى آلِه وصحبِه صلاةً دائمةً تعمَر بها الأوقات.
أما بعد: عباد الله، أمَر سبحانه العبادَ جميعًا بالتوبة إليه، لعِظَم شأن التّوبة عندَه وشَرَف مقامِها وحَلاوة عاقِبَتها ، قال عزّ من قائل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال جلَ وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [التحريم:8] أي: خالِصة صادقةً، وهي التي تكون بندم القلب على ما مَضى من الذّنب وبالاستغفارِ باللسان والإقلاعِ بالبَدن والعَزم على عدم العَودة إلى هذا الذّنب مستقبَلاً وبردِّ المظالم إن وُجدت.
وفي سنّة رسولِ الله نظيرُ ذلك من الأمرِ بالتوبة والحثِّ عليها، ففي الحديث الذي أخرجَه مسلم في صحيحه عن الأغرّ بن يسار المزنيّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله : ((يا أيها الناس، توبوا إلى الله واستغفِروه، فإني أتوب في اليوم مائةَ مرة))، وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: ((والله، إني لأستغفِر الله وأتوبُ إليه في اليَوم أكثرَ مِن سبعين مرة)). وإذا كان هذا هو حال النّبي وهو الذي غفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر فما عسى أن يكونَ حال غيرِه ممّن يذنِب بالليل والنهار؟!
إنّ الأمرَ بالتوبة كما هو عامّ لكلّ الخلائق فإنّه شامِل لمن يقوم بهذه الأعمالِ الإجراميّة، فإنه مأمورٌ كذلك بالتوبةِ إلى الله والكف عن الإفساد والتخريب، وقد قال رسول الله : ((مَن تاب قبلَ أن تطلعَ الشّمس من مغربها تابَ الله عليه))، وقال : ((إنَّ الله تعالى يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيء النهار ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل حتى تطلعَ الشمس من مغربها)).
فاتقوا الله عباد الله، وتوبوا إليه واستغفروه، واذكروا على الدّوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدق الحديث وأحسن الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمّد، وارضَ اللهمّ عن خلفائِهِ الأربعة...
| |
|