molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ذم الكبر - المختار بن المشري المقروش الخميس 27 أكتوبر - 6:20:50 | |
|
ذم الكبر
المختار بن المشري المقروش
الخطبة الأولى
إن من الآفات التي تصيب العبد في دينه ودنياه وتفسد العلاقة بينه وبين ربه عز وجل وبين العبد والعباد صفة ما اتصف بها عبد إلا وضعه الله، صفة كانت السبب الرئيس في خروج إبليس لعنه الله من الجنة، صفة إذا اتصف بها عبد حقرته الناس وأبغضوه، صفة كان رسول الله يستعيذ منها في دعائه، هذه الصفة هي صفة الكبر أو التكبر على خلق الله، وإن شئت فقل: الفخر والافتخار وعلو النفس على الناس.
الكبرياء والتكبر ـ يا عباد الله ـ صفة لا تجوز للعباد، وإنما هي صفة يتصف بها رب العباد؛ ولذلك فقد توعد الله عز وجل كل من اتصف بهذه الصفة فقال تعالى مبينا مثوى المتكبرين: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [النحل: 28، 29].
أيها المسلمون، عباد الله، إن صفة الكبر أو التكبر أراها قد عمت وشاعت في كثير من الناس، مثل من ارتقى منصبه أو من زاد ماله، حتى بلغ بهم أنهم لا يردون على الناس سلاما، ولا يتبادلون معهم كلاما، لا يعودون مرضاهم، ولا يمشون في جنائزهم، روى البخاري في الأدب المفرد والحديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((اختصمت الجنة والنار، فقالت النار: يلجني الجبارون ويلجني المتكبرون، وقالت الجنة: يلجني الضعفاء ويلجني الفقراء، قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ثم قال للنار: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها)).
ما أكثر الذين ينازعون الله سبحانه ويشاركونه بغير حقّ في صفة الكبرياء، لا ينظرون إلى الناس إلا بعين الاحتقار والاستصغار، ارتقوا بحالهم من منازعة العباد إلى منازعة ربّ العباد، توعّدهم الله سبحانه بأشدّ الوعيد، ففي صحيح مسلم قال النبي : ((يقول الله تبارك وتعالى: العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني في واحدة منهما فقد عذبته)). فليحذر كل من حدثته نفسه أنه خير الناس أو أعظمهم، أو أنه أغنى الناس أو أرقاهم منزلة؛ فإن هذا ذنب عظيم وجريمة نكراء، جاء في صحيح مسلم أن النبي أنه قال: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)).
أيها المسلمون، عباد الله، إن المتكبر على الناس سواء تكبر عليهم بعلمه أو بماله أو تكبر عليهم بجاهه وسلطانه أو بحسبه ونسبه إنما هو ممقوت من الله، ممقوت من العباد، وسيأتي عليه يوم يضعه الله فيه، روى الترمذي بسند حسن أن رسول الله قال: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال)).
يا مظهر الكبر إعجابـا بصورتـه انظـر خـلاك فـإن النتن تثريـب
لو فكر الناس فيمـا في بطونهـم ما استشعر الكبر شبـان ولا شيـب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة وهو بخمس من الأقـذار مضـروب
أنف يسيـل وأذن بِهـا صمـغ والعيْن دامعـة والثغـر ملـعـوب
يا بن التراب ومأكول التراب غدا أقصر فإنك للتراب مأكول ومشروب
أيها المسلمون، عباد الله، لقد كان رسول الله أشدّ الناس تواضعا في علو منصبه ومكانته، وهو أفضل خلق الله على الإطلاق، وهو سيد ولد آدم، فقد كان يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويخصف النعل ويرقع الثوب، وكان يمر على الصبيان فيسلم عليهم، روى ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أتى النبي رجل فكلمه، فجعل ترعد فرائصه، فقال: ((هون عليك فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد)), بأبي هو وأمي رسول الله سيد وإمام للمتواضعين.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، أمر بأن ينادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حوله صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه، ثم قال: أيها الناس، لقد رأيتني أرعى الغنم لخالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي القبضة من التمر وال+يب، فأضل اليوم وأض يوم؟! فقال عبد الرحمن بن عوف: والله يا أمير المؤمنين، ما أراك إلا قصرت من نفسك، فقال: ويحك يا بن عوف، إنى خلوت بنفسي فحدثتني فقالت: إنك اليوم أمير للمؤمنين، فمن ذا أفضل منك يا عمر؟! قال: فأردت أن أعرفها بنفسها. فرضي الله عنه لرفعة مكانته عند الله وعند المسلمين، وهو المبشر بالجنة صاحب رسول الله ، لم يزدد إلا تواضعا وخشية.
ملء السنابل تنحني تواضعا والفارغات رؤوسهن شوامخ
أيها المسلمون، عباد الله، إن المتكبر على الناس والمتفاخر عليهم بنفسه لو استشعر حقيقة ما هو فيه من الغرور والكبرياء لما تكبر على عباد الله؛ لأن الكبر هو زيادة في الحمق لا يدري صاحبه أين يذهب به فيصرفه في الكبر، وإلا فما ظنكم بإبليس لعنه الله عندما تكبر لما أمر بالسجود لآدم عليه السلام، أوَليس هو الحمق الذي أدى به إلى اللعنة والخروج من الجنة؟! فكم من أناس رأيناهم قد بلغوا الآفاق في كبريائهم وبين عشية وضحاها إذا هم في أسفل السافلين، وذلك مصداقا لقول رسول الله كما في البخاري أنه قال: ((حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه)).
إن المتكبر ـ عباد الله ـ ليس له حظ في الدار الآخرة ولا نصيب؛ لأن الله تعالى جعل الدار الآخرة للمتواضعين، فقال عز من قائل: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص: 83]، وجاء في صحيح مسلم عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد)), وفى صحيح مسلم أيضا من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : ((يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ـ وفي رواية: يأخذهن بيده الأخرى ـ ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)).
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا هذه الصفة التي لا ينبغي لعبد أن يتصف بها، قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بحديث خاتم النبيين والمرسلين، أقول الذي تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله عباد الله، واسعوا إلى مغفرته ورضاه، فالسعيد من وفق لطاعة ربه، والشقي من أتبع نفسه هواه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
أيها المسلمون، عباد الله، إياكم ثم إياكم والكبر، واحذروا من هذه الصفة التي لا تنبغي إلا لله، فهذه الصفة يبغضها الخالق والمخلوق، والتي استعاذ منها الأنبياء والصالحون، قال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر: 27]، وقال تعالى مخبرا عن وصية لقمان لابنه وهو يعظه: وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18]، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((بينما رجل يمشى في حلة تعجبه نفسه مرجل رأسه يختال في مشيته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)).
المسلم ـ عباد الله المسلم ـ الحريص على دينه والمتقي الله عندما يصغي بأذنيه وقلبه لمثل هذه الأخبار الصادقة من الكتاب والسنة في الثناء على المتواضعين مرة وفي ذم المتكبرين أخرى، كيف لا يتواضع ولا يكون التواضع خلقا له؟!
فاتقوا الله عباد الله، وتواضعوا للضعفاء من الناس، ولينوا إليهم بالكلام ورد السلام، ولا تتكبروا على خلق الله، فإن لكم وقفة أمام الله عز وجل وأي وقفة؟! واعلموا أن المتكبر واقع في غضب الله، ولا يفلح من وقع في غضب الله.
ثم اعلموا ـ عباد الله ـ أنما هذه الدنيا دار ممرّ ليست بدار مقر، وأنكم عنها راحلون، وعلى رب العزة ستعرضون، فإما روح وريحان وجنة نعيم، وإما نزل من حميم وتصلية جحيم، حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم جبار السماوات والأرض، وتوبوا إليه دائما واسألوه العفو والغفران.
عباد الله، اذكروا الله ذكرا كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا...
| |
|