molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: الظلم ظلمات يوم القيامة - إسماعيل الحاج أمين نواهضة السبت 22 أكتوبر - 9:55:49 | |
|
الظلم ظلمات يوم القيامة
إسماعيل الحاج أمين نواهضة
الخطبة الأولى
يقول الله تعالى: وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا [الفرقان:19]، ويقول أيضًا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
أيها المسلمون، هذه الآية الكريمة أعظم تهديد وتحذير للمجتمعات التي تظلم وتدعو إلى الظلم، ومعناها: كذلك الذي قصصناه عليك، والخطاب للرسول ، وبمثل هذا الدمار والنكال يأخذ ربك القرى حين يأخذها وهي ظالمة مشركة، حين تدين لغير الله بالربوبية والعبودية، وهي ظالمة لنفسها بالشرك والفساد في الأرض والإعراض عن دعوة التوحيد والصلاح، وقد ساد فيها الظلم وسيطر الظالمون، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
بعد الإمهال والمتاع، وبعد الإعذار بالرسل والبينات، وبعد أن يسود الظلم في الأمة ويسيطر الظالمون، ويصولوا ويجولوا، ويتبين أن دعاة الحق المصلحين قلة منعزلة، لا تأثير لها في حياة المجتمع الظالم، ثم بعد أن تفاصل العصبة المؤمنة قومها السادرين في الضلال، وتعتبر نفسها أمة وحدها، لها دينها، ولها ربها، ولها قيادتها المؤمنة، ولها ولاؤها الخاص فيما بينها، وتعلن الأمة المشركة بهذا كله، وتدعها تلاقي مصيرها الذي يقدر الله لها وفق سنته التي لا تتبدل ولا تتغير على مدار الزمن.
أيها المؤمنون، ذلك الأخذ الأليم الشديد في الدنيا هو علامة على عذاب الآخرة، يراها الذين يخافون عذاب الآخرة، أي: الذين تفتحت بصائرهم وأبصارهم ليدركوا أن الذي يأخذ القرى بظلمها في هذه الحياة سيأخذها بذنوبها في الحياة الآخرة، فيخافوا هذا العذاب.
أيها المسلمون، والذين لا يخافون الآخرة تظل قلوبهم صماء لا تتفتّح للآيات، ولا تتعظ ولا تعتبر بها، كما أنها لا تحسّ ولا تشعر بحكمة الخلق والإعادة، ولا ترى إلا واقعها القريب في هذه الدنيا، والله تعالى يقول: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:44، 45]، فحمد الله تعالى نفسه لما أهلك الظالمين وطهر منهم الأرض.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)). ومعنى ((اتقوا الظلم)) أي: اجتنبوه واجعلوا بينكم وبينه حاجزًا ومانعًا.
ويحذر الرسول الظالمين من الاعتزاز في الدنيا ومن عدم معالجتهم بالعذاب بقوله: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، وعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في الحديث القدسي الطويل، وفيه: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا)).
أيها المسلمون، إن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما أن العدل المأمور به الذي هو ضد الظلم نور يوم القيامة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)).
والظلم أصل الجور ومجاوزة الحد، وهو وضع الشيء في غير مكانه، ومعناه في الشرع: وضع الشيء في غير موضعه الشرعي.
والظلم نوعان اثنان: النوع الأول: ظلم العبد لنفسه، وأعظمه الشرك بالله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وإنما سمي الشرك ظلمًا لأن المشرك المسكين وضع العبادة في غير موضعها المختص بها المستحق لها وهو الله تعالى، وجميع الكبائر والمعاصي تسمى ظلمًا لأنها من جنس الشرك وليست بشرك، ولأن المعاصي فيها اعتداء على حدود الله ومحارمه، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [البقرة:329].
فإذًا، الشرك ظلم، والقتل ظلم، والفواحش ظلم، والربا ظلم، والسحر والشعوذة ظلم، وعقوق الوالدين ظلم، وأكل أموال الناس وحقوقهم بالباطل ظلم، إلى غير ذلك من كبائر الذنوب.
أيها المسلمون، إن الظلم محرم في كل شيء ولكل إنسان.
أما النوع الثاني من أنواع الظلم فهو: ظلم العبد والإنسان لأخيه الإنسان، وهو من أعظم أنواع الظلم، لأن له تعلقًا بحقوق الإنسان. وقد شدد الله على هذا الظلم في الدنيا والآخرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : ((من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله من سبع أرضين)).
فلا يحل ظلم أحد أصلاً، سواء كان مسلمًا أو كافرًا أو كان ظالمًا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].
ويكفي في تحريم الظلم أن الله تعالى ملك الملوك الجبار القاهر حرم الظلم على نفسه المقدسة والمنزهة عن الظلم، جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا)).
أيها المسلمون، إن عاقبة الظلم الخسران وعدم الفلاح في الدنيا والآخرة، والله يعاقب على الظلم بأنواع العقوبات، قال تعالى: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21]، وقال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].
وقد أهلك الله أقوامًا وقرونًا من الناس قبلنا، وما زال يهلك الأمم لوجود الظلم في الأرض، وما أحداث الزلازل الأرضية وانفجار البراكين الجوفية والأمراض المستعصية وغيرها بغائبة عن أسماعنا وأبصارنا. فصار هذا الأمر سنة كونية، كلما كثر الظلم والفساد في الأرض نزل العقاب الأليم.
اسمعوا لقوله تعالى: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا [الإسراء:16].
أيها المسلمون، إن الظلم مشين، لا يبقى معه ملك، ولا تبقى معه حضارة، والعدل زين، يدوم معه الملُك، ولو كان الملُك كافرًا، قال تعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]، وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة".
يا أيها المسلمون، إذا عرفنا أن الظلم حرام وأنه لا يفلح الظالمون فلا بد من إزالة الظلم والتقليل منه، فما هي طرق إزالة الظلم؟
أقول: إن من أعظم وسائل إزالة الظلم:
ـ الدعوة إلى العدل بالحكمة والموعظة الحسنة واللين في القول والفعل، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].
ـ عدم الركون إلى الظالم لأنه سبب في انتشار الظلم، قال تعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ [هود:113]، ولأن الركون إلى الظالم سكوت عن ظلمه.
ـ هجر الظالم وعدم إعانته على ظلمه، قال تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
ـ الدعاء على الظالم والظلم بالزوال، قال : ((ليس بين الله ودعوة المظلوم حجاب))، لذا كان الأنبياء إذا يئسوا من ظلم الظالمين دعوا الله تعالى.
جاء في القرآن على لسان نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا [نوح:28]. وهذا موسى عليه السلام يدعو على آل فرعون، قال تعالى: رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88]. وكان النبي يدعو على المشركين من قومه كما في غزوة بدر الكبرى: ((اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش)).
وختامًا، فلا بد لكل إنسان من التوبة من جميع أنواع الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأعظم الظلم الشرك بالله، وبعده ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
وقرر العلماء أن التوبة لا تصح إلا بإرجاع الحقوق إلى أصحابها، فإن لم يؤدها في الدنيا أداها في يوم القيامة بالحسنات التي له، إن كان له حسنات.
الخطبة الثانية
أيها المرابطون، إن الظلم ظلمات يوم القيامة، ومن أشد أنواعه منع مساجد الله من أن يذكر فيها اسمه والسعي في خرابها.
فها هو المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي تشدّ إليها الرحال، زهرة مدينة القدس، وتاج عز العرب والمسلمين، رمز عقيدتهم، يئنّ من ظلم الاحتلال، ويشكو قلة الوافدين إليه من أبناء هذه الأمة، وبخاصة من أبناء شعبنا، فمئات الآلاف منهم يمنعون، ويحرمون من الصلاة فيه بسبب الحصار المفروض على المدن والقرى الفلسطينية، وفي مقدمتها مدينة القدس، وبسبب جدار الفصل العنصري والحواجز المقامة في كل مكان.
حقًا إن المسجد الأقصى يستغيث وينادي أمة العرب والمسلمين: أن هلموا إليّ، وإلى متى هذا الصمت المريب؟!
أيها المسلمون، وإن من أبسط حقوق الإنسان كإنسان عدم حرمانه من الوصول إلى أماكن العبادة والصلاة فيها، إن الله تعالى هو رب العالمين، ومن حقه أن يُعبد بما أمر، وإنه ليس من حق أحد أو جهة منع الراغبين في ذلك، إن هذا الفعل هو قمة الظلم، قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:114].
أيها المرابطون، ومن أشد أنواع الظلم سلب الإنسان حريته وكرامته وإنسانيته وحقوقه، وها هم أسرانا القابعون في سجون الاحتلال، منذ سنوات طويلة يعيشون حياة سيئة وظروفا قاسية، تمارس في حقهم أبشع أنواع التعذيب التي تتنافى مع كرامة الإنسان كإنسان، مما اضطرهم ودعاهم إلى إعلان إضراب مفتوح عن الطعام منذ عشرين يومًا، رجاء أن تستجيب إدارات السجون لمطالبهم المشروعة العادلة، والمتمثلة بأبسط متطلبات الحياة المعيشية.
إن من حق هؤلاء الأسرى الحصول على ذلك، بل من حقهم أن ينالوا حريتهم وأن يطلق سراحهم، ليعودوا إلى بيوتهم وذويهم. يلتقي الأب بأبنائه وبناته، يضمهم إلى صدره الحنون، ليعيشوا في كنفه، يمسح عن وجوههم دمعة الحزن والألم، ويعود الابن إلى أبيه وأمه ليقوم بواجبهما والاعتناء بشأنهما. إنه لمن الظلم الشديد أن لا يكون الإنسان إلى جانب أحبابه وذويه.
إن هؤلاء الأسرى ناضلوا من أجل تحرير أرضهم ومقدساتهم وأمتهم، وهو أمر مشروع أقرته قوانين السماء والأرض، ونادت به الهيئات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان.
نعم، من حق هؤلاء إطلاق سراحهم ليعودوا إلى الأرض التي تربوا فيها وعاشوا على خيراتها. من حقهم العودة إلى بساتينهم وكرومهم التي غرسوها بأيديهم، وسقوها بعرق جبينهم، ليتفيؤوا ظلال أشجارها ويأكلوا من ثمارها.
إن هؤلاء لم يأتوا من بعيد، إنهم من قرى ومدن فلسطين، فمن حقهم أن يعيشوا فيها كما يعيش الآخرون، ومن حقهم أن تقف المنظمات الدولية والمؤسسات الإنسانية بل والعالم أجمع إلى جانبهم لدعم مطالبهم العادلة والعمل على إطلاق سراحهم. من حقهم أن ينالوا اهتمامًا كالاهتمام الذي يناله الآخرون، وبذلك يرتفع الظلم ويعم الأمن والسلام على المنطقة.
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227].
| |
|