molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: مزادة رمضان - أسامة بن عبد الله خياط السبت 22 أكتوبر - 9:22:47 | |
|
مزادة رمضان
أسامة بن عبد الله خياط
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتقوا الله عباد الله، وحذارِ من إضاعةِ العمُر الشريف والزمَن الغالي والوقت النفيس في كلِّ +َد؛ فإنّه يذهَب جُفاءً، واصرِفوها في كلِّ نافعٍ؛ فإنه يمكث في الأرضِ ويعظِم الله لكم بهِ الأجرَ ويضَع به عنكم الوزرَ ويرفَع به الذّكر.
أيّها المسلمون، بين لهوِ الحياة ولغوِها وفي غمرةِ خطوبها وأحداثِها وفي سعيرِ صِراعها وهجيرِ مَطامِحِها يشعر المرءُ بأنّه في حاجةٍ إلى ملاذَاتٍ يثوب إليها ويتفيَّأ ظِلالها؛ ليأخذَ الأهبَةَ ويعِدَّ العدة لتجديد العزمِ وشَحذ الهمّة وتقويةِ الإرادة حتى يمضيَ على الطَّريقِ موفورَ الحظِّ من التوفيق سالِمَ الخُطَى من العِثارِ.
ولقَد كان من نِعَم الله السابِغَة ومِنَنه الوافرة وآلائِه الجليلةِ أن هيَّأ لعبادِه من فرَصِ العمُر ومواسم الخيرِ وميادين البرّ ما يبلغون به هذا المرادَ، وفي الطليعةِ منها هذا الشهرُ المبارَك الذي أظلَّتِ الأمةَ أيامُه ولياليه، ولئن كانتِ القوّة للمسلم ضرورةً وزادًا لا غناءَ له عنه ورصيدًا لا مناصَ له منه ـ لأنّه عونٌ على الحقّ وسَبيلٌ إلى التَّمكين وطريقٌ إلى الظّفَر وبَابٌ إلى رضوانِ الله وسَبَبٌ لمحبَّتِه كمَا أخبر بذلِك رسول الله في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحِه عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّه قال: قال رسول الله : ((المؤمِنُ القوي خيرٌ وأحبّ إلى الله منَ المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير))[1] ـ فإنَّ في فرصة الصيام في هذَا الشهرِ المبارَك مجالاً رَحبًا ومِضمَارًا واسعًا لتقويَةِ الإرادة في نفس المسلِم الصائِم؛ فالإمساكُ بالنهار عن الأكلِ والشرب وسائرِ المفطِّرات وما يصحَب ذلك من صبرٍ على رهَق الحِرمان ومرارةِ الفَقدِ لما اعتَادَه المرء منَ المشتَهَيات وكذلك إحياءُ الليل بالقِيام في صَبرٍ على نصبِك يقتضِي أن ينشأَ في إرادة المسلِمِ شعورٌ بالمقاوَمَة لكلِّ إحساسٍ بالضّعف ولكلِّ رَغبةٍ في الممنوعِ المحرَّم خلالَ النهار مَهمَا كثُرتِ المغرِيات ومهما تبَذلَّت الشهوات، فإذا اجتازَ الصائمُ الامتحانَ ونجح في اكتسابِ زادِه من التقوى كان ذلك عونًا له على استمرارِ المقاومةِ وتقويةً لإرادَته في مواجهة الشهواتِ والصمودِ أمام التحدِّيات، فكلُّ موقفٍ يواجه فيه نزوةً عابرة أو رَغبَة ملِحّة أو بلاءً عظيمًا هو في الواقِعِ امتحانٌ متجدِّد لإرادتِه، يعظُم فيه نفعُ التقوى التي تحقَّقت بالصيام، فهو إذًا تصويبٌ في المسلَك وتصحيح في المنهَج وتغييرٌ في المسَار، فمن ذلِّ الخطيئة إلى عِزِّ الطاعة، ومن مهابِطِ العجز وال+َل إلى ذُرى الجدِّ والعَزم والنّشاط، ومِن أدران العوائدِ المقبوحَة والسّنَن المرذولة والفِعال الشائِنة المحقورَة إلى طيبِ العوائدِ القويمةِ والسّنَن الجميلةِ والفِعال الحسنةِ المرضيّة.
وبالجملة فإنَّ في الصيام الذي روعِيَت شروطُه واستُكمِلت آدابه بَعثًا للقوّةِ التي وهَنَت والإرادةِ التي خمدَت والعزيمة التي خارَت، وتلك آيةٌ بيِّنة على بلوغ الصائم أوفرَ حظِّه من التقوى التي قال فيها سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:183، 184].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
[1] صحيح مسلم: كتاب القدر (2664).
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي فضَّل رمضانَ على شهورِ العامِ، أحمده سبحانَه جعَل الصيامَ أحَدَ أركانِ الإسلام، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله خيرُ من صلَّى وصامَ وقام، اللّهمّ صلِّ عليه وعلى آلهِ وصحبه الأئمّة الأبرار الأعلام.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، ثبت في السنّة الصحيحة الواردةِ عن رسول الله أنّ عمرةً في هذا الشهرِ المبارَك تعدِل حجّةً، فقد أخرج الشيخان في صحيحَيهما وأبو داودَ وابن ماجه في سنَنِهما وأحمدُ في مسنده عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: قال رسول الله لامرأةٍ من الأنصار: ((ما مَنَعكِ أن تحجِّي معنا؟)) قالت: كان لنا ناضِحٌ ـ أي: البعير أو الدابّة التي يُستقَى عليها ـ فركبَه أبو فلان وابنُه ـ تعني زوجَها وابنَه ـ وترَكَ ناضِحًا ننضَح عليه، فقال النبيّ : ((فإذا كان رمضان فاعتمري فيه؛ فإنَّ عمرةً في رمضان تعدِل حجّة))، وفي لفظ لمسلمٍ رحمه الله: ((فعمرةٌ في رمضانَ تقضي حجّةً أو حجّة معي))[1].
وإنّه لفضلٌ قد بلغ الغايةَ يا عبادَ الله، وحاصِلُه أنّه أعلَمَها أنَّ العمرةَ في رمضانَ تعدِل الحجّةَ في الثواب، لكنّها لا تقوم مقامَها ولا تسُدُّ مسدَّها في إسقاط الفريضةِ عمّن لم يحجَّ حجّةَ الإسلام؛ لأنَّ الإجماع قائمٌ على أنّ الاعتمارَ لا يجزئ عن حجّةِ الفريضة.
وفيه ـ كما قال أهل العلم بالحديث ـ أنّ ثوابَ العمل يزيد بازدِيادِ شَرَف الزّمان كما يزيدُ بحضورِ القلب وإخلاصِ القصد.
وأمّا هو صلوات الله وسلامه عليه فلم يعتمِر عمرةً واحدة في رمضانَ من عُمَرِه الأربع، ويحتمل أن يكونَ سببُ ذلك ـ كما قال الإمام ابن القيّم رحمه الله ـ أنّه كان يشتغِل في رمضانَ مِن العبادةِ بما هو أهمّ من العمرةِ وخشِيَ من المشقَّة على أمّته؛ إذ لو اعتمَر لبادَروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقَّةِ في الجَمعِ بين العمرةِ والصوم، وقد كان يترُك العملَ وهو يحِبّ أن يعمَلَه خشيةَ أن يفرَضَ على أمّته وخوفًا من المشقَّة عليهم. انتهى كلامه رحمه الله[2].
ألا وإنَّ هذا الأجرَ الضّافي والجزاءَ الكريمَ يحصُل إن شاء الله لمن اعتَمَر عمرةً واحِدة في رمضانَ، ويخطِئ كثيرٌ مِنَ النّاس بِتَعمّدهم تكرارَ هذه العمرةِ مرّاتٍ ومرّات خِلال هذا الشّهر، فيعتَمِر مرّةً كلَّ عشرةِ أيام، أو مرّة كلّ أسبوع، أو مرّةً كلَّ ثلاثة أيّام، فيشقّ على نفسِه مشقّةً بالغة ويُدخِل عليها الحرَجَ، ويزداد الأمرُ حين يترتَّب على ذلك تضييقٌ على إخوانِه أو إيذاءٌ لهم لا سيَّما عند كثرةِ الزِّحامِ، وربَّما اشتَغَل بها عن القِيام في العشرِ الأواخِرِ من رَمَضان.
فاتَّقوا الله عباد الله، واعمَلوا على اغتنامِ فُرَص الخير في شهرِ الخير، مخلِصين في ذلك للهِ، متابعين فيهِ رسولَ الله .
واذكروا على الدّوام أنَّ الله تعالى قد أمَرَكم بالصلاة والسلام على خيرِ خلقِ الله محمد بن عبد الله، فقال سبحانه في كتاب اللهِ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهمّ عن خلفائه الأربعة...
[1] صحيح البخاري: كتاب الحج (1863)، صحيح مسلم: كتاب الحج (1256).
[2] زاد المعاد (2/90) بالمعنى.
| |
|