molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: شمس الرسالة المحمدية - أسامة بن عبد الله خياط الجمعة 21 أكتوبر - 5:50:51 | |
|
شمس الرسالة المحمدية
أسامة بن عبد الله خياط
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
أيها المسلمون، لئن تتابعت النعم وترادفت المنن وتكاثرت الآلاء فكانت غيثًا مدرارًا لا ينقطع هطوله وفيضًا غامرا لا يتوقف تدفّقه، عطاءً كريمًا من ربنا الكريم الرحمن الرحيم، وتفضُّلا منه على عباده بغير استحقاق، وإحسانًا منه بغير استكراه؛ إذ لا مكرهَ له سبحانه، فإن النعمة الكبرى التي لا تعدلها نعمةٌ والمنّة العظمى التي لا تفضلها منة بعثة هذا النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه بالهدى ودين الحق؛ ليخرج الناس برسالته من الظلمات إلى النور، ويهديهم به سبل السلام، ويضع عنهم الآصار والأغلال، وليسمو بهم إلى ذُرى الخير والفضيلة، وينأى بهم عن مهابط الشرّ والرذيلة، وليسلك بهم كلّ سبيل يبلّغهم أسبابَ السعادة في العاجلة والآجلة؛ ولذا كانت بعثته صلوات الله وسلامه عليه رحمة للخلق كافةً ونعمة على البشر قاطبةً كما أخبر بذلك سبحانه في أصدق الحديث بقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107]، فكانت رسالته صلوات الله وسلامه عليه رحمةً للخلق جميعا، عربيِّهم وأعجميِّهم، أسودِهم وأبيضهم، ذكرهم وأنثاهم، إنسِهم وجانِّهم؛ إذ جاءهم ـ كما قال بعض أهل العلم ـ بهذا الإيمان الواسع العميق والتعليم النبويّ المتقن بهذه التربية الحكيمة الدقيقة وبشخصيّته الفذّة وبفضل هذا الكتاب السماوي المعجز الذي لا تنقضي عجائبه ولا تخلَق جِدّته، فبعث عليه الصلاة والسلام بالإنسانية المحتضرة حياةً جديدة حين عمد إلى الذخائر البشرية وهي أكداسٌ من المواد الخام لا يعرف أحدٌ غناءها ولا يُعرف محلُّها، وقد أضاعتها الجاهلية والكفر والإخلاد إلى الأرض، فأوجد فيها ـ بإذن الله ـ الإيمان والعقيدة، وبثَّ فيها الروح الجديدة، وأثار من دفائنها وأشعل مواهبها، ثم وضع كلَّ واحد في محلّه، فكأنّما خُلق له، كأنما كان جمادًا فتحوّل جسمًا ناميًا وإنسانًا متصرِّفًا، وكأنما كان ميتًا لا يتحرّك فعاد حيًّا يملي على العالم إرادته، وكأنما كان أعمى لا يبصر الطريق فأصبح قائدًا بصيرا يقود الأمم، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:122]. عمد إلى الأمة العربية الضائعة وإلى أناس من غيرها فما لبث العالم أن رأى منهم نوابغ كانوا من عجائب الدهر وسوانح التاريخ، فأصبح عمر الذي كان يرعى الإبل لأبيه الخطاب وينهره ويشتدّ عليه وكان من أوساط قريش جلادة وصرامة ولا يتبوّأ منها المكانةَ العليا ولا يحسب له أقرانه حسابًا كبيرًا، إذا به يفجأ العالمَ بعبقريَّته وعصامِيَّته، ويدحر +رى وقيصر عن عروشهما، ويؤسِّس دولة إسلامية تجمع بين ممتلكاتهما، وتفوقهما في الإدارة وحسن النظام، فضلا عن الورع والتقوى والعدل الذي لا يزال فيه المثلَ السائر. وهذا ابن الوليد كان أحد فرسان قريش الشبان، انحصرت كفاءته الحربية في نطاق محلِّيٍّ ضيِّق، يستعين به رؤساء قريش في المعارك القبلية، فينال ثقتهم وثناءهم، ولم يحرز الشهرة الفائقة في نواحي الجزيرة، إذ به يلمع سيفًا إلهيًّا لا يقوم له شيء إلا حصده، وينزل كصاعقة على الروم، ويترك ذكرًا خالدا في التاريخ. وهذا بلال الحبشي يبلغ فضله وصلاحه مبلغًا يلقّبه فيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسيِّد. وهذا سالم مولى أبي حذيفة يرى فيه عمر موضعًا للخلافة فيقول: (لو كان سالم حيًّا لاستخلفته). وهذا علي بن أبي طالب وعائشة وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد الله بن العباس ومعاذ بن جبل رضوان الله عليهم قد أصبحوا في أحضان النبي الأمي من علماء العالم، يتفجّر العلم من جوانبهم، وتنطق الحكمة على لسانهم، أبرُّ الناس قلوبًا وأعمقهم علمًا وأقلُّهم تكلّفًا، يتكلّمون فينصت الزمان، ويخ+ فيسجّل قلم التاريخ.
ثم لا يلبث العالَم المتمدّن أن يرى من هذه الموادّ الخامّ المبعثرة التي استهانت بقيمتها الأمم المعاصرة وسخرت منها البلاد المجاورة، لم يلبث أن يرى منها كتلة لم يشاهد التاريخ البشريُّ أحسن منها اتِّزانًا، كأنها حلقة مفرغة لا يُعرف طرفها، أو كالمطر لا يدرى أوّله خير أم آخره. إنها كتلة فيها الكفاية التامة من كل ناحية من نواحي الإنسانية، كانت بفضل التربية الدينية المستمرة وبفضل الدعوة الإسلامية التي لا تزال سائرة مادةً لا تنقطع ومعينًا لا ينضب، لا تزال تسند الحكومةَ برجالٍ يرجّحون جانبَ الهداية على جانب الجباية، ولا يزالون يجمعون بين الصلاح والكفاية، وهنا ظهرت المدنيّة الإسلامية بمظهرها الصحيح، وتجلّت الحياة الدينية بخصائصها التي لم تتوفّر لعهد من عهود التاريخ البشري. لقد وضع محمد مفتاح النبوة على قُفل الطبيعة البشرية، فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب، أصاب الجاهلية في مقتلها وصميمها، فأَصمى رمِيَّتَه وأرغم العالَم العنيد بحول الله على أن ينحوَ نحوًا جديدًا ويفتتح عهدًا سعيدًا، ذلك هو العهد الإسلاميّ الذي لا يزال غرّة في جبين التاريخ. انتهى كلامه.
عباد الله، لقد كان التوفيق العظيم والنجاح الباهر حليفَ النبي في بناء المجتمع المسلم وإقامة الدولة الإسلامية، وكذلك الأمر في إرسائه قواعد العلاقات مع غير المسلمين وفي منهج التعامل معهم في كافّة الأحوال، فمع كون الإسلام رسالة عالمية ودعوة ربانيّة للبشريّة قاطِبة لا تختصّ بزمان دون زمان ولا بمكان دون مكان ولا بقوم دون آخرين كما قال عز اسمه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سبأ:28]، فإن الدعوة إليه قائمة على الحب والاختيار والاقتناع الناشئ عن الحجة والبرهان والبلاغ المبين، بعيدًا عن القهر والإكراه والتخويف؛ ولذا كان قوله عز من قائل: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ [البقرة:256] كان من أظهر أسُس الدعوة وأعظمها دلالة على ذلك. وقد جاءت هذه القاعدة القرآنية العظيمة في صيغة نفي يراد به النهي، فهو نفي لجنس الإكراه للدلالة على استبعاده بالكلية، ولبيان أنه لا يستقيم أبدًا ولا يصحّ وجوده في دين الله الإسلام، فجمعت الآية الكريمة بهذا بين النفي لجنس الإكراه وبين النهي عن مزاولته والعمل به، وذلك أبلغ في البيان وآكد في الدلالة وأدعى إلى كمال الامتثال، وفي هذا من صيانة حرية الاعتقاد ما لا مزيد عليه، قال العلامة الحافظ ابن كثير في التعليق على هذه الآية وبسط مدلولها: "أي: لا تكرِهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام، فإنه بيِّنٌ واضح جليّ، ودلائلُه وبراهينه لا تحتاج إلى أن يُكره أحدٌ على الدخول فيه، بل مَن هداه الله للإسلام وشرَح صدرَه ونوَّر بصيرته دخَل فيه علي بيِّنة، ومن أعمى الله قلبَه وختَم على سمعه وبصرِه فإنه لا يفيده الدخولُ في الدين مُكرَهًا مقسورا"، وقال بعض أهل العلم بالتفسير في قوله سبحانه: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ [يونس:99] قال: "أي: لو شاء لقسرهم على الإيمان، ولكن لم يفعل وبنى أمر الإيمان على الاختيار".
وكما أن حرية الاعتقاد حق مشروع في الإسلام لا يجوز سلبه ولا التعدي على حماه فكذلك حرية الدعوة للعقيدة، وكذلك الأمن من الأذى والفتنة في الدين حقّ آخر يجب مراعاته وعدم الإخلال به، وإلا أضحت هذه الحرية اسمًا لا مدلول له في واقع الحياة؛ ولذا شرع الجهاد في سبيل الله حماية لحقّ حرية الدعوة وإزالة الحواجز من أمامها، ولم يشرع أبدًا لظلم الناس أو إكراههم على اعتناق الإسلام، بل إن المسلمين لم يقع منهم استغلال لفقر الناس وحاجتهم لدعوتهم إلى الإسلام لقاءَ تقديم العون لهم ومسح البؤس عن جبينهم، فلم يميّزوا على مدى تاريخهم بين مسلم وغيره في مجال تقديم العون ورفع كابوس المحن عن كواهل من نزلت به، أفيصحّ القول إذًا بأن الإسلام انتشر في أرجاء العالم بالعنف والإكراه بحدّ السيف؟! إنها مقولة متهافتة، بل باطلة بيِّنة البطلان، لا سند لها من نصوص وقواعد الدين ولا من تاريخه المشرق الوضاء، فكم من أمم دخل أبناؤها في دين الله طوعًا وتأثّرًا بمن نزل بلادهم من خيار المسلمين للتجارة وغيرها، وهؤلاء الذين يدخلون اليوم في دين الله أفواجًا في مشارق الأرض ومغاربها في مختلف البلاد أفَيَحملهم على ذلك سيف أو إكراه؟! وهل تستقيم هذه المقولة الجائرة وأمثالها مع مبادئ وثقافة الحوار والتعايش السلمي واحترام الآخر، أم أنها تصبّ على النار وقودًا جديدًا؟!
ألا فاتقوا الله عباد الله، والزموا جانب العدل في كل أقوالكم وأفعالكم، واستجيبوا لله الذي أمركم بقوله: كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المائدة:8].
نَفَعني الله وإيّاكُم بهديِ كتابِه وبِسنّةِ نبيِّه ، أَقولُ قولي هَذَا، وَأستَغفِر اللهَ العظيمَ الجَليلَ لي ولَكم ولسائِرِ المسلِمين من كلِّ ذنب فاستغفِروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحَمدُ للهِ الولي الحميد، الفعال لما يريد، أحمدُه سبحانَه، وأَشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لا شَريكَ لَه المبدئ المعيد، وأَشهَد أنّ سيِّدَنا ونَبيَّنا محمّدًا عَبد الله ورَسولُه، اللَّهمّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورَسولك محمّد وعلى آلهِ وصَحبه.
أما بعد: فيا عباد الله، إن حسن التصرف في الأمور وقوة الثبات للنوائب وكفَّ النفس عن مقابلة الظلم بمثله وتقديم المشورة بين يدي كل عمل لا سيما ما تعظم أهميته وتتسع أبعاده وتخشى عاقبته، وإن الرجوع إلى أهل العلم لاستيضاح ما يشكل مع حسن ظنٍّ بهم وكمال تقدير لهم، وإن الوقوف صفًّا واحدا مع ولي الأمر المسلم بالطاعة له في المعروف والنصيحة والمعاونة له على كل خير، إن كلّ أولئك من جميل شمائل المؤمن وكريم خصاله وشريف صفاته التي طاب غراسها وأينعت ثمارها في رياض دينٍ حقٍّ هو الإسلام الذي يجب على أهله كافة ويتعين على أبنائه ومحبيه قاطبةً الحذر من الانسياق وراء سَورة الغضب التي تفضي إلى التردّي في أعمال متعجّلة متهوّرة، وإلى التورّط في سلوكيات خاطئة محرمة، كالقتل أو التخريب أو الحرق أو غير ذلك من ضروب الفساد الذي حرمه الله ورسوله، ويكون سببًا وفرصة يهتبلها المغرضون لإلصاق مزيد تهمٍ بالإسلام وأهله، ولإقامة البرهان على صحة ما يزعمون من دعاوى باطلة.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واعملوا على الذود عن دينكم والذبّ عن قرآنكم ونبيكم بحكمة وروية وعلم وإخلاص لله ومتابعة لرسول الله .
واذكروا على الدَّوامِ أنّ الله تعالى قَد أمَرَكم بالصلاةِ والسَّلام على خاتم النبيين وإمام المرسلين ورحمة الله للعالمين، فقال سبحانه في الكتاب المبين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم علَى عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة...
| |
|