molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: تحريم الأنفس المعصومة - أسامة بن عبد الله خياط الجمعة 21 أكتوبر - 5:46:45 | |
|
تحريم الأنفس المعصومة
أسامة بن عبد الله خياط
الخطبة الأولى
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا أسباب سخطه، وراقبوه.
أيّها المسلمون، إنَّ سنَّةَ الطغيان وطريقَ العدوان واحدَةٌ في كلِّ زمان وفي كلِّ مَكان، إنها مسارَعةٌ إلى الشرِّ في كلِّ دروبه؛ تحقيقًا للأغراض وتوصُّلا للأطماع التي يسلُكون إلى بلوغِها كلَّ سبيل، ويركبون إليها كلَّ مَركب، وهم متَّصفون بأوصافِ مَن ذكرهم الله تعالى بقولِه سبحانه: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاً وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10]، أي: لا يحفَظون في عبادِ الله حقَّ قرابةٍ، ولا يحفَظون عَهدًا، ولا يُبقون على أحدٍ لو كُتِب لهم الظهور، في جرأةٍ على الدّماء لا تعدِلها جرأة، استهانةٍ بالأنفس المعصومةِ التي حرَّم الله قتلَها إلاَّ بالحقّ لا تعدِلها استهانة. إنها سنّة قديمةٌ استنّها أحدُ ابنَي آدم حين سوّلت له نفسُه وزيّن له شيطانُه الاعتداءَ على أخيه وسفكَ دمِه ظلمًا وعدوانا وانسياقًا وراء الأطماعِ وتأثُّرا بسحرِ بريقها الخادعِ الذي يذهَب بالأبصار، ثم يكون مآله الخيبَة والخسران، وقد قصَّ الله نبأَ هذا العدوان في آياتٍ بيِّنات ليحَذِّر الخلقَ جميعًا من سلوكِ سبيل المعتدين كيلاَ ينزل بهم ما نزلَ بأولئك من أليمِ العذاب، فقال سبحانَه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27]، إلى أن قال سبحانَه: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ [المائدة:30].
ولا ريبَ أنَّ شرَّ ألوان الطغيانِ ـ يا عباد الله ـ وأخبثَ أنواع العدوان سفكُ الدّم الحرام المفضي إلى قتلِ مسلم حقَن الله دمَه وحرَّم ماله وعِرضه، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه مسلم في صحيحه عن أبي هريرةَ أن رسولَ الله قال: ((كلُّ المسلم على المسلِمِ حرام؛ دمُه ومالُه وعِرضه)) الحديث؛ ولذا كانَ الاجتراءُ على قتلِه بغيرِ جِناية أو قِصاص محادّةً لله ورسولِه وارتكابًا لكبيرةٍ من كبائرِ الذّنوب، يبوء مقتَرِفها بذلك الإثم الذي بيَّنه الله سبحانه بقولِه: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93]، وبيَّن رسولُ الله عِظَم هذا الجرمِ بقولِه: ((والّذي نفسِي بيَدِه، لقَتلُ المؤمِنِ أعظمُ عند الله من زوالِ الدنيا)) أخرجه الترمذيّ في جامعه والنسائيّ في سننه بإسنادٍ صحيح، وأوضَحَ عمومَ عقوبَةِ قتلِ المؤمن بغير حقٍّ لكلّ من كان له مشاركةٌ فيه بقوله : ((لو أنّ أهلَ السماء وأهلَ الأرض اشتركوا في دمِ مؤمن لأكبَّهم الله في النار)) أخرجه الترمذيّ في جامعه والنسائيّ في سننه بإسناد صحيح. وأرشدَ إلى أنَّ المؤمنَ يظلُّ في سعةٍ مِن دينه وينتَفِع بصالح أعمالِه حتى إذا أَوبَق نفسَه بالقتل المحرَّم ذهبَت تلك السعةُ وضاقَت عليه صالحُ أعماله، فلَم تفِ بهذا الوِزر العظيم، فقال : ((لا يَزالُ المؤمن في فسحةٍ مِن دينه ما لم يُصِب دمًا حراما)) أخرجه البخاريّ في صحيحه؛ ولذا كان من صِفاتِ المؤمن الحقِّ وكريم سجاياه التي أَنشَأها في نفسِه إيمانٌ صَادِق سَلامتُه من الفَتك، كما جاء في الحديثِ الذي أخرجَه مسلِم في صحيحِه عن أبي هريرةَ أنَّ النبيَّ قال: ((الإيمانُ قَيدُ الفتك، لا يفتِك مؤمِن)).
ويَندَرج في ذلك أيضًا قتلُ المعاهَد والمستأمَن من غير المسلمين، فقد توعَّد رسول الله من اجتَرَأ على قتلِه بقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قتل معاهَدًا لم يرَح رائحةَ الجنّة، وإنَّ ريحَها ليوجد من مسيرةِ أربعين عامًا)) أخرجه البخاريّ في صحيحه.
وإذا كان هذا الوعيدُ واردًا في قتل نفسٍ واحدة معصومةِ الدمِ بغيرِ حقٍّ فكيف بقتلِ يذهَب ضحيّتَهُ رِجالٌ ونِساء وشيوخٌ وأطفال ومَرضى وكلُّ بريءٍ لا جُرمَ لَه؟! لاَ جَرَم أن يكونَ الوعيدُ في حقِّ مقتَرفِه بالغًا مَبلَغًا عظيمًا من الشّدَّة، وأَن يكونَ الجزاءُ عليهِ كَذلك يومَ القِصاصِ العادِل، يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [النحل:111]، وكيفَ بِعدوانٍ يجمَع إلى سفكِ الدمِ الحرام تخريبًا وسعيًا إلى تَدمير مؤسَّساتٍ ومنشآت اقتصاديّةٍ هي من مالِ المسلمين الذي أفاءَ الله به على عبادِه ومنَّ به عليهم ليكونَ لهم عدّةً وزادًا ومَصدر خيرٍ ومَوردَ برّ وسبيلا إلى إحرازِ القوّة وطريقًا إلى استمرارِ نهضةِ الأمّة وبابًا إلى خدمةِ دين الله ونشرِ كتابه والذودِ عن شريعته؟!
إنَّ مثلَ هذا العدوان الذي وقع على هذه البلاد ليبرأ إلى الله منه كلُّ مؤمن صادقٍ يحذَر الآخرة ويرجو رحمة ربه، ويدعو كلَّ من تلوّث بأرجاسِ هذا العملِ وأمثاله إلى التوبةِ إلى الله تعالى منه وإلى الحذرِ من اتِّباع خطوات الشيطان التي أمَر الله تعالى العبادَ جميعًا به حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:208]، وأن يَربَأ بِنفسِه مِن أن يُتَّخَذ أداةً في يدِ أعداء دينه وخصوم وطنِه وأمّته، يبلغون بها ما يريدون من الشرِّ والأذى والفسادِ.
وإنَّنا لنحمد الله تعالى على ما مَنّ به سبحانَه من توفيقِ إخواننا رجالِ الأمن إلى إحباطِ مسعَى أولئك الذين اقترفوا هذا الإثمَ أوبقوا أنفسَهم في هذا العدوان الذي لا يَستفيد منه سِوى أعداء الأمّةِ والمتربِّصين بالمسلمين الدوائر.
ألا فاتقوا الله عباد الله، واحذَروا أسبابَ سخَطه، ومنها التورُّط في كبائِرِ الذّنوب، وفي الطليعة منها قتلُ النفس التي حرّم الله قتلَها إلا بالحق، وترفَّعوا عن الإثمِ في كلّ دركاته، واحذروا العدوانَ في مختَلف ألوانه؛ يَطِب عيشُكم، وتستقم أموركم، وتكونوا من الصّفوَة من عبادِ الرحمن الذينَ وصفهم سبحانَه بأشرفِ أَوصاف الكمالِ في آي الكتاب بقوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا الآية [الفرقان:68]، ثم جعَلَ خاتمةَ تلكَ الأوصاف الشريفةِ هذا الجزاءَ الضافيَ العظيم الذي ذكرَه سبحانه بقوله: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:75، 76].
نفعنِي الله وإيَّاكم بهَديِ كتابِه وبِسنَّةِ نَبيِّه ، أَقول قولي هَذا، وأَستَغفِر الله العظيمَ الجلِيلَ لي ولَكم ولِسائرِ المسلِمين من كلِّ ذَنبٍ فاستَغفِروه، إنَّه هوَ الغفورُ الرّحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليّ المتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمّدًا عبد الله ورسوله سيّد الأوّلين والآخرين، اللهمّ صلّ وسلّم على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، إنَّ دائرةَ إراقةِ الدّماء المسلمةِ في دين الإسلام قد ضيَّقَها الله تعالى وجعَلَها درءًا لمفسدةٍ أكبر في حالِ ضرورةٍ بهدَف إقامةِ العدل بين الناس وبَثِّ الطمأنينة في نفوسِهم ورفعِ لِواء الأمن على ربوعِهم، كما جاء في الحديث الذي أخرجَه الشيخان في صَحيحيهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما أنّه قال: قال رسولُ الله : ((لا يحِلّ دَم امرئٍ مسلم إلا بإحدَى ثلاث: الثيِّبُ الزاني، والنفسُ بالنفس، والتارِك لدينِه المفارِقُ للجَماعة)). كما أهدَرَ دَمَ فريقٍ آخر، منهم من شقّ عصَا الطاعة وأراد تفريقَ جماعةِ المسلمين كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه عن عَرفجة بن شريح أن النبيَّ قال: ((مَن أتاكم وأمرُكم جميعٌ ـ أي: مجتَمِع ـ على رجلٍ واحد يريدُ أن يشقَّ عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتُلوه))، وفي رواية: ((فاضربوا رأسَه بالسيف كائنا من كان))، ومن يَعيث في الأرض فسادًا بقطعِ الطريق ونحوِه على تفصيل مبسوطٍ في موضعه من كتبِ أهل العلم، فقال سبحانه: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، وقد جاءَتْ النصوصُ الصحيحة عن رسولِ اللهِ أيضًا بقتل الساحِرِ ومَن أتى ذاتَ محرَم أو وقع على بهيمَةٍ وبِقتلِ شارِب الخمرِ في المرَّةِ الرابعة ومرتَكِبِ كبيرةِ اللّواط، لكنّها ترجِع جميعُها إلى هذهِ الخِصال الثلاثِ التي جاءَت في حديثِ ابن مسعودٍ رضي الله عنهما كما بيَّنه الإمام الحافظ ابنُ رجب رحمه الله وغيرُه من أهل العلم بالحديثِ، وكلُّه مما يتِمُّ به قمعُ العدوان والحدُّ من الطغيان واستِتباب الأمن في ربوعِ المجتمَع وحِفظُ كيانِ الأمة أن تعصفَ به أعاصير الباطل أو تنالَ مِنه مكائِدُ الأعداء.
ألا فاتَّقوا الله عبادَ الله، وصلّوا وسلِّموا على خاتم رسلِ الله محمد بنِ عبد الله، فقد أمركم بذلك الله فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللّهمّ صَلّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلَفائه الأربعةِ...
| |
|