molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: السحر - أسامة بن سعيد عمر منسي المالكي الخميس 20 أكتوبر - 5:58:26 | |
|
السحر
أسامة بن سعيد عمر منسي المالكي
الخطبة الأولى
عباد الله، السحر معصية قديمة تتوارثها الأمم والأجيال، المتأخر منها عن المتقدم، وهو +ائر المعاصي يروج سوقه ويكثر إذا هان أمر الدين، ويكاد يكون من المعدومات إذا عز الدين، فإن الأمم في عهد استقامتها لا تطيق أن ترى عاصيًا ولا معصية، فإذا رأت ثارت ثورة الأسد الغضبان، ولا تهدأ إلا إذا أرت العاصي ما يليق به ويناسبه من إهانة، تفعل ذلك غيرة على دينها وعلى ربها، وصونًا لسيرتها بين الأمم، وبعدًا عن غضب القاهر القادر وبطشه، فإذا رأى العصاة ذلك كفُّوا عن معاصيهم رحمة بأنفسهم، أو بالغوا في الاختفاء إذا أرادوا تلويث أنفسهم بما يفعلون. أما في عهد تفريط الأمم في دينها وتساهلها من ناحيته فإنها حينئذ تضعف غيرتها عليه، أو تنعدم انعدامًا من نفوسها، وفى هذه الحالة لو رأت ما رأت من المعاصي فإما أن يتحرك بعض أفرادها حركة ضعيفة لا تخيف العاصي ولا تزجره بل ولا تخجله، وإما أن يتفق الكل على الإغماض عن ذلك المجرم والتغافل عنه وتركه يفعل ما يشاء بلا أدنى التفات إليه، عندئذ يرفع ذوو الأهواء والشهوات رؤوسهم غير هيّابين، لا فرق بين ساحر وغيره.
ونحن في زمن ضعفت فيه العاطفة الدينية عند الناس إلا من رحم الله، حتى غدا ذوو الغواية يفخرون ويجاهرون في المجالس بغوايتهم، ومحبو الفضيلة صاروا يبالغون في كتمان فضيلتهم لئلا يكونوا مضغة في الأفواه البذيئة ترميهم بكل نقيصة، وأقل ما يسمعون أنهم متأخرون جامدون متنطعون، وأقل ما يرون من أرباب تلك الألسنة سخرية بهم وضحِكًا من عقولهم.
لما راجت الرذيلة في هذا العصر هذا الرواج كان غير غريب أن يروج السحر ويكثر، كما راج غيره من سائر المعاصي، لكن رواج السحر ليس كرواج غيره من عظائم الذنوب، فإن الزاني وشارب الخمر والقاتل والسارق وغيرهم يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون والناس يعلمون أنهم يفعلون محرمًا، أما الساحر اليوم فلا يعلم أنه يعصي الله بسحره، بل الذي يعلمه أنه ملك من الملائكة أو رسول من رسل الله أرسل لمنافع العالمين، يكتب لهذه أن يحبها زوجها، ويكتب لتلك أن لا يتزوج عليها بعلها، ويكتب لهذا أن يعطف عليه قلب، ويكتب لذلك أن يمنعه عن زوجته منعًا، ويكتب لفلانة بوقفها عن الزواج طول حياتها، ويكتب لغيرها أن تنزف دمًا طول عمرها، ويكتب لليلى أن تبغض زوجها وتطلق في يومها، ويكتب لسعدى أن يصطلح معها عفريتها الذي ركبها، ويكتب لزيد أن يخرب بيته أو يغرق بستانه أو يجف ماء سقيه أو يقف حال معرضه ودكانه أو تكون له الوجاهة عند ملاقاة الأكابر والحكام، وما إلى ذلك مما يقولونه كذبًا وزورًا، ويؤلم غيره أو ينعمه.
هذا اعتقاده في نفسه، والناس يعتقدون فيه أنه ممن أوتي من الله أسرارًا باهرة، لم يتفضل تعالى بها على كثير من خلقه، فيفدون إليه أفرادًا وجماعات، يطلب كل منهم أن يعطف عليه، ويكرمه بالمبادرة إلى قضاء حاجته التي يطلبها، بمهارته الفائقة في السحر الذي انفرد به عن العالمين، يطلب هذا الطلب ويشفعه بما يشفعه من المال الكثير، ليحمله بتلك الكثرة على العناية به، وليتفضل بتقديمه على غيره من الطالبين.
وإني أرجو ممن يسمعني في هذا المكان المبارك أن لا يمرَّ بخاطره أني أبالغ في وصفي، وإن مرّ ذلك بنفسه فليبحث هو هذا الموضوع، وإني ضامن أنه سيقرر لا محالة أنه يخشى أن يجيء يوم يصرف فيه هؤلاء السحرة وجوه الناس إليهم عن كل شغل دنيوي أو أخروي، شغفًا بهم وولعًا بالوصول إلى مقاصدهم من طريق سحرهم المتقن كما يقولون.
هذا حال الناس مع هذه الكبيرة، ولذلك ترى أولئك الذين يدّعون أنهم سحرة تنهمر سيول المال إليهم انهمارًا، ويصبح أحدهم بعد أيام قليلة من مباشرته حرفة السحر من أرباب الثراء الواسع، فجريمة السحر صارت في هذا الزمان من أبواب الرزق بلا شك، وليس أي رزق، بل رزق هين قريب عظيم.
عرف ذلك الناس، فادعى كثير ممن لا يحسنون حتى القراءة والكتابة أنهم علماء روحانيون، يشفون بسحرهم من كل مرض مهما أعضل، ويقضون لكل ذي حاجة حاجته وإن كانت من قبيل المستحيل.
أيها المؤمنون، إن إثم هذه الكبيرة السحر إثم عظيم، قال الله تعالى: وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
هذه الآية تحتاج إلى كلام طويل لا يكفي الوقت لبسطه، ولكني ألفت الأنظار إلى قوله تعالى: وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ فإن قوله: يُعَلّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسّحْرَ كأنه علّة للحكم على الشياطين بالكفر؛ فيكون تعليم السحر على هذا كفر، وألفت أنظاركم ـ عباد الله ـ إلى قوله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْء وَزَوْجِهِ فإنه يفيدك أن للسحر حقيقة تترتب عليه آثارها، ومن تلك الآثار إيقاع النفرة بين الزوجين حتى يتفرقا بالطلاق، وألفت أنظاركم إلى قوله تعالى: وَمَا هُم بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فإنه يفهمنا أن مضارّة الناس بالسحر لا تقف عند التفريق بين المرء وزوجه، وبجانب هذا نفهم من الآية أنه سبب من الأسباب، لا يفعل فعله إلا إذا أراد الله ذلك، وانظروا قوله تعالى: وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ فإنه يفهمنا أن السحر ضار لمن يتعلمه لا نافع، وأي ضرر أكبر من جهنم التي توعد الله بها أهل المعاصي التي من أكبرها السحر؟! وإن ظن أحد أن المال الذي ي+به السحرة فيه نفع فإني أقول: إنه ضرر عظيم لآخذه، لأنه سُحت، وكل جلد نبت من سحت فالنار أولى به، وأوجه أنظاركم إلى قوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ والخلاق النصيب.
ولعلكم لستم بمحتاجين إلى زيادة معرفة شناعة هذه المعصية بعد أن سمعتم كلام الله يقول في فاعلها: مَا لَهُ فِى ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَـٰقٍ فإن هذه الآية تقول: إن الساحر كافر؛ والكافر هو الذي لا نصيب له في الآخرة، وأما المؤمن مهما كان عاصيًا فإن له بإيمانه في الآخرة نصيبًا أيّ نصيب.
وتدبروا ـ عباد الله ـ في خاتمة الآية إذ يقول الله: وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ فإنه ذم للسحرة أي ذم، واسمعوا قول الرسول في هذا السحر: ((اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: ((الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)) أخرجه البخاري (2767)، ومسلم (89). وبهذا فإنه جعل السحر من السبع المعاصي الكبيرة في العِظَم عن غيرها بأنها موبقة أي: مهلكة، وجعل ترتيبها في الكبائر بعد الشرك، وقبل بقية الكبائر المهلكات الفظيعة.
وحُكم الساحر القتل كفرًا عند بعض أئمة الإسلام، دون أن نقبل منه توبة، وعند بعضهم إن قَتل بسحره قُتل بمن قتله إن كان الغالب فيما أجراه من السحر القتل، وإن كان القتل به نادرًا فالقتل شبه عمد، وإن قال: أردتُ غيره فأصبتُه بسحري فهو قتل خطأ، ويعامل في الصورتين معاملة من يكونان منه، لكن إن صدقته العاقلة أي: ورثة المقتول.
وعلى كل حال يجب أن يعلم أن هذه المعصية من عظائم الإسلام وكبائرها، فلا يجوز تشجيع الساحر، ولا إقراره على سحره، ولا الذهاب إليه لمجرد الزيارة فقط، فكيف بالذهاب إليه وإعطائِه الكثير من المال وتعظيمه التعظيم الذي ليس بعده تعظيم، حتى يطلب منه قضاء الحوائج المهمة بسحره؟!
عباد الله، إن الأمر عظيم عِظمًا يعجز عن وصف عظمته أبلغ الخطباء والمرشدين.
فاتقوا الله عباد الله، واحذروا الوقوع في هذه المعصية الشنيعة، وتوبوا إلى الله واستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المؤمنين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله سيد الأنبياء والمرسلين، ما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذرنا منه، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله ربكم الذي جعل لكم في كلامه شفاء وهدى ورحمة وبشرى، فقد قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن نبيه موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِى بِكُلّ سَـٰحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاء ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقُواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ [يونس:79-81]، يعني السحر. قال ابن عباس: (من أخذ مضجعه من الليل ثم تلا هذه الآية: مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ لم يضره كيد ساحر، ولا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر)، وقال الشَّعبي: "لا بأس بالنُّشْرَة"، قال ابن بطال: "وفي كتاب وهب بن منبه أن يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر، فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء، ويقرأ عليه آية الكرسي, ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به; فإنه يذهب عنه كل ما به إن شاء الله تعالى, وهو جيد للرجل إذا حبس عن أهله" انتهى من تفسير القرطبى.
وعن عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ)) رواه أحمد (22441) أي: السحرة.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَعَوَّذُ مِنْ الْجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ، حَتَّى نَزَلَتْ الْمُعَوِّذَتَانِ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أَخَذَ بِهِمَا، وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا. رواه الترمذي (2058).
فإذا علمتم هذا فاعلموا أن علاج المسحور أو المحسود أو من به مس من الشيطان في كتاب الله تلاوة وعملاً واعتقادًا، وفى الدعوات النبوية والأذكار المأثورة عنه فيما يخص هذا الموضوع، وبالمحافظة على الوضوء قدر الاستطاعة، والمحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة، والسنن التابعة لها.
وخلاصة الكلام أن ملازمة التقوى هي المخرج كما قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2]، فينجيه الله من كل كرب في الدنيا والآخرة.
| |
|