molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: بدع الجنائز- أحمد حسن المعلم الأربعاء 19 أكتوبر - 12:11:09 | |
|
بدع الجنائز
أحمد حسن المعلم
الخطبة الأولى
أيها الإخوة المؤمنون، لقد رسخت ـ وللأسف الشديد ـ المعاصي والبدع والمنكرات في المجتمع الإسلامي حتى أصبح عادة يصعب التخلص منها، بل أصبحت حجة يحتج بها أهل الهوى على من خالفهم.
إن تلك البدع والخرافات والمنكرات تظهر فلا يبادر الناس لإنكارها وبيان مفاسدها والتحذير من شرها، فإذا ألفها الناس وأدمنوا عليها أصبح منكرها هو المخالف المنبوذ، ولهذا جاءت النصوص الصريحة والصحيحة بالأمر ببيان الحق وإنكار المنكر، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران:187]، وقال: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:159، 160]، وقال: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78، 79]، وقال الرسول : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)).
وقد حصل في هذه البلاد حدثان منكران لم يعد لهما وجود منذ عقود طويلة من السنين، وذلك في جنازة السيد عبد الله الحداد رحمه الله، الأول رفع الصوت بالأذكار عبر مكبرات للصوت، وهذا أمر منكر منهي عنه، والسيد عبد الله نفسه كان ينهى عنه.
واسمع إلى ما قاله الإمام النووي رحمه الله عمدة المذهب الشافعي والذي إلى قوله يرجع المختلفون في المذهب، قال في كتاب الأذكار (ص271): "واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضي الله عنهم من السكوت في حال السير مع الجنازة، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة، وهو المطلوب في هذا الحال، فهذا هو الحق، ولا تغترن بكثرة من يخالفه، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: الزم طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.
وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته. وأما ما يفعله الجهلة من القراء على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القراء والله المستعان".
فعلام يدل ذلك؟! إننا لا نجد له تفسيرًا إلا اتباع الهوى وجر الناس وإرجاعهم إلى ما أحدثه المحدثون وصرفوا به المسلمين عن الصراط المستقيم في عهود الظلمات وتسلّط المتأكلين بالدين على عقول عوام المسلمين.
أما الحدث الآخر وهو الأدهى والأمرّ، وهو دفن السيد المذكور في القبة قبة يعقوب التي كان الواجب هو هدمها وإزالتها وإراحة الناس مما يتسبب فيه وجودها ووجود مثيلاتها من فتن ومصائب وإشراك بالله. كيف لا والرسول يقول: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك))، وقال : ((إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذون القبور مساجد)) رواه أحمد وغيره، وعن عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله طفق يطرح خميصه له على وجهه فإذا اغتنم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك: ((لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذّر ما صنعوا. متفق عليه.
هكذا يقول الصحابيان الجليلان: (يحذر ما صنعوا)، أفلا تحذروا ما صنعوا؟! لماذا يصرّ البعض على فعل ما حذر منه رسول الله ؟! هل اليهود والنصارى المحرفون المبدلون الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله أحق بالقدوة من رسول الله ؟! ألا يخاف الذين يقتدون باليهود والنصارى ويخالفون رسول الله أن يحشروا معهم بعيدًا عن رسول الله ؟!
أيها الإخوة المؤمنون، إن بعضًا من الناس يسهل جدًا عليهم أن يخالفوا حديث رسول الله ؛ فلذا تراهم يخالفونه بأنفسهم ولا ينكرون على كثير ممن يخالف سنته في العقائد وفي العبادات وفي الأخلاق والسلوك وفي كثير من أمور الدين، ولكنهم يغضبون ويثورون وينكرون وينددون بمن يخالف مذهب الشافعي رحمه الله، فهل هذا التصرف لوجه الله؟! هل محبةً في الإمام الشافعي وغيرةً على مذهبه أم أنه حاجة في نفس يعقوب؟!
لا أظن إلا أن ذلك شعار وراءه ما وراءه، وأسلوب عاطفي يدغدغون به عواطف الناس؛ لتسخيرهم فيما أرادوا، وإلا فكيف يليق بمن يندّد وينتقد ويثير الزوابع بسبب مخالفة الشافعي رحمه الله في أمور اجتهادية مثل الجهر بالبسملة والقنوت، كيف يليق به أن يخالفه في العقيدة، فالشافعي رحمه الله يقول: "إن الله على عرشه في سمائه" وهم يقولون: هو في كل مكان، والشافعي ينهى عن البناء على القبور وتخصيصها واتخاذ السرج عليها وهم يقيمون ذلك ويدعون إليه ويحاربون من أنكره.
واسمع إلى عمدة أهل حضرموت في الفقه الإمام ابن حجر الهيتمي وهو يقول في كتاب الزواجر: "الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد وإيقاد السرج عليها واتخاذها أوثانًا والطواف بها واستلامها والصلاة إليها"، وبعد أن ساق الأحاديث الدالة على ذلك قال: "تنبيه: عد هذه السنة من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية وكأنه أخذ ذلك مما ذكرته من هذه الأحاديث" إلى آخر ما قال، ثم نقل عن بعض العلماء قوله: "والقول بالكراهية محمول على غير ذلك؛ إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي لعن فاعله، وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور؛ إذ هي أضر من مسجد الضرار؛ لأنها أسست على معصية رسول الله ؛ لأنه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور المشرفة. وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه ونذره" انتهى.
وقبل ذلك قال الشافعي رضي الله عنه في الأم: "وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها، فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك"، قلت: صدق رحمه الله وكيف يعيب الفقهاء شيئًا أمر به رسول الله ؟! ففي صحيح مسلم قال علي رضي الله عنه لابن الهياج الأسدي رحمه الله: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ، لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته).
وسبق النقل عن عمدة المذهب الشافعي الإمام النووي فيما يتعلق بالجهر بالذكر أمام الجنازة، وهكذا الجهر بالذكر بعد الصلوات، فمذهب الشافعي الإسرار، قال في المقدمة الحضرمية: "ويندب الذكر عقب الصلاة، ويسر به إلا الإمام المريد تعليم الحاضرين إلى أن يتعلموا" (المنهاج القويم، ص172).
وهكذا وصول القراءة للأموات يخالفون فيه مذهب الشافعي لأجل الختم والتوسع وغير ذلك.
فهل يليق ـ أيها الإخوة ـ بمن يفعل هذا كله من مخالفة الشافعي أن يدعي الغيرة على مذهبه؟! لا أبدًا، أما هذه الأمور فامتداد لمذهب الرافضة الباطنية الذي كان يتمذهب به بعض الناس من الوافدين إلى هذه البلاد في عهود مضت.
أيها الإخوة، ما كان لنا أن نخوض في هذه الأمور لولا أن الأحداث هي التي دفعتنا إلى ذلك، وإننا نخشى عندما نسكت أن يحتج بسكوتنا الجاهلون، فأكثر المناكر والبدع حجة العوام عليها أن أهل العلم سكتوا ولم يبينوها.
نسأل الله حسن القصود وقبول العمل، وأن يغفر لأحيائنا وأمواتنا، وأن يجمع كلمتنا على تقواه، إنه سميع مجيب.
أقول قولي هذا...
الخطبة الثانية
أما بعد: إن تعظيم الصالحين والغلو فيهم هو سبب الشرك بالله قال تعالى: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح:23]. قال ابن عباس فيما ذكره البخاري في صحيحه: هم أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوصى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم عبدت، فهذا تدريج الشيطان وخطواته التي نهانا الله من اتباعها فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21].
وما نشاهده اليوم من شرك بالله وعبادة لغيره إنما سببها الغلو في الصالحين وبناء القبب والمشاهد عليها وزخرفتها حتى تبهر عقول المشاهدين لها، وهذا ما قاله الإمام الصنعاني رحمه الله: "أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وود، بئس ذلك من ودّ.
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما هتف المضطر بالصمد الفرد"
وقال الشوكاني رحمه الله: "فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينه وتحسينها بأكمل تحسين، فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بنيت عليه قبة فدخلها ونظر على القبور الستور الرائعة والسرج المتلألئة وقد سطعت حوله مجامر الطيب فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيمًا لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين وأشد وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، فيصير من عداد المشركين".
هكذا يقول هؤلاء الأعلام من علماء اليمن، ونقلنا قبل ذلك ما يقوله علماء الشافعية، كل هذا حتى لا يقول المغالطون: إن هذه وهابية واتباع لقرن الشيطان كما يرددون دائمًا.
وإذا كان مجرد البناء على القبور وتفخيمها سبب من أسباب الشرك فكيف إذا انضم إليه الدعايات والحكايات الكاذبة التي تنسب إلى تلك المشاهد وسالكيها من التصرف والقدرة على النفع وإغاثة من يستغيث به؟! فكيف يكون حال الجهلة الواثقين بمروجي تلك الإشاعات؟!
إن هناك عصابة مفسدة في الأرض تفسد العقائد وتهدم التوحيد تنشر للناس ما يقودهم إلى الشرك.
| |
|