molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة - أحمد بن عبد السلام مارسو الإثنين 17 أكتوبر - 10:19:08 | |
|
ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة
أحمد بن عبد السلام مارسو
الخطبة الأولى
قال الله تعالى: يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً [النساء:26-28]، وقال رسول الله : ((كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الترمذي عن أنس وحسنه الألباني].
التعريف: الترك هو الاجتناب امتثالاً لأمر الله.
والخطيئة تطلق على الذنب والسيئة والمعصية، والمعنى:الخروج عن الأمر والطاعة لمن تجب طاعته ـ الله تعالى ـ بطاعة شرعه الذي أنزله على رسوله محمد .
والتوبة: هي الرجوع عن الذنب والسيئة والمعصية، وتاب إلى الله: أناب ورجع عن المعصية إلى الطاعة، وتاب الله عليه وفقه لها. ورجل تواب: تائب إلى الله، والله عز وجل تواب، يتوب على عبده.
واليسر هو: اختيار أسهل الطرق وأولاها بالفعل أو الترك.
فطلب التوبة يتطلب أولاً: الاعتراف بالمعصية والسيئة والذنب.
ثانياً: اليقين بالعقوبة التي تستحقها عدلاً على عصيانك.
ثالثاً: معرفة الجهة التي في يديها العقاب عظمتها وقدرتها وقوتها لا يمكن الخروج من سيطرتها ولا يشفع لك أحد إلا بإذنها، وهي حرة في أن تسامحك أو تعاقبك تملك كل ذلك! لا يناقشها أحد ولا تسأل عما تفعل، قال الله تعالى: وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
رابعاً: أن تتبع التوبة بعمل صالح تبرهن به على صدق توبتك وعزمك على عدم الرجوع. قال تعالى: وَإِذَا جَاءكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـئَايَـٰتِنَا فَقُلْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الأنعام:54].
أما ترك الخطيئة فهو بذل الجهد في الفعل والقول أن يكون طبقاً للشريعة طاعة لله ورسوله ، فإن وقع خطأ أو نسيان ليس عن عمد أو فوق الطاقة فالله عز وجل علمنا دعاء نلتجأ به إليه دائماً: لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:286]، وقال رسول الله : ((تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) [الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس].
فترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة قال الحسن البصري رحمه الله: يا بن آدم: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة. [الزهد لابن حنبل]، لأن الله تحمل عنك الاستكراه والنسيان والخطأ الغير المتعمد ورفع عنك الحرج مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، وقال فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ((إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ: فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً)) [البخاري ومسلم]، وأيضاً قال في ما يرويه عن ربه: ((يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر، ومن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة ثم لا يشرك بي شيئاً لقيته بمثلها مغفرة)) [النسائي].
وقال : ((إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، وقال: من أنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها)) [ابن حبان].
أخي المؤمن، أختي المؤمنة: إن الله يحب أن يرى عبده محتاجاً إليه متوسلاً إليه بالطاعات راغباً في مرضاته خائفاً من عذابه مستعملاً جهده في كل ذلك فإن وفق كان له أجران: أجر التوفيق وأجر الجهد، وإن أخطأ كان له أجر الجهد وعدم الأخذ بالخطأ رحمة ونعمة من الله على عباده.
فإن عصا ورجع إلى مولاه معترفاً بمعصيته خائفاً من عذاب الله وجد الله العلي الحكيم الرحيم عظيم المغفرة يقبل توبة العبد، يخبرنا الله بذلك فيقول: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ [التوبة:104] فباب التوبة مفتوح دائماً، في الليل والنهار، في الشتاء والصيف، فليس على الباب حرس، بل هو باب مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب، لا يصد عنه قاصد ولا يغلق في وجه لاجئ، أياً كان وأياً ما ارتكب من الآثام.
ولكن للباب قفلان إن أغلقا عليه فإنه لا يقبل الله توبة العبد حينها وهما:
القفل الأول: ورد في قول النبي : ((من تاب قبل أن تطلع الشمس مغربها تاب الله عليه)) رواه مسلم.
القفل الثاني: ورد في قول النبي : ((إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)) الترمذي.
أخي المؤمن أختي المؤمنة، اعلم أن الله يعطي الدنيا من أحب ومن لم يحب، ولكن الإيمان والتوبة لا يعطيهما الله إلا لمن أحب وبذل السبب.
فكن ممن أحب الله، وآمن به، واطلب منه أن يوفقك لتوبة نصوح، واجعل قدوتك في ذلك إبراهيم عليه السلام حين قال: رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ [البقرة:128]، يقول المراغي في تفسيره: [وَتُبْ عَلَيْنَا] أي وفقنا للتوبة لنتوب ونرجع إليك من كل عمل يشغلنا عنك. فالتوبة من توفيق الله، فاسأل الله أن يوفقك للتوبة، ولا تنس في ذلك الاقتداء بالنبي فهو من أعظم المجتهدين إلى الله بالتوبة والاستغفار حيث قال: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مائة مرة)).
فاحرص أخي التائب أن تدعو الله بأن يوفقك لتوبة نصوح.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.
الخطبة الثانية
لم ترد.
| |
|