molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: رمضان وتنوع العبادات - أحمد بن حسين الفقيهي الإثنين 17 أكتوبر - 6:00:11 | |
|
رمضان وتنوع العبادات
أحمد بن حسين الفقيهي
الخطبة الأولى
أما بعد: فيا عباد الله، بشراكم جميعًا بشهر الصيام، أهله الله علينا وعليكم بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وجعله الله علينا وعلى المسلمين شهر بركة وخير ومغفرة للسيئات ورفعة في الدرجات.
لقد كان نبيكم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: كان رسول الله يبشر أصحابه ويقول: ((قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)) أخرجه أحمد والنسائي. يقول ابن رجب رحمه الله: "يقول بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضًا بشهر رمضان" اهـ.
عباد الله، يحق لنا أن نفرح بهذا الضيف العزيز بعد طول عناء، وبعد رحلة شاقة في دروب الحياة الدنيا. كيف لا نفرح بشهر الصيام ونفَرٌ من المسلمين لا يحسون بالجوع إلا حين يصومون ومن إخوانهم من يتضورون جوعًا وهم مفرطون؟! كيف لا نفرح برمضان وفئام من المسلمين صلتهم مقطوعة بالقرآن إلا في شهر رمضان؟! لقد طال سبات نومنا فهل يكون شهر الصيام موقظًا لقلوبنا بالقيام؟! جفت مآقينا عن البكاء فهل نجد فيك ـ يا شهر رمضان ـ باعثًا للبكاء من خشية الملك العلام؟! اختلط اللغو وكادت أصوات الخنا والغناء أن تصم الآذان فهل تكون ـ يا شهر الصيام ـ دافعًا لسلامة أسماعنا من الآثام؟! تفنن الأعداء وأصحاب الهوى في إخراج الصور الفاضحة على شاشاتنا فهل يكون رمضان سببًا في حفظ أبصارنا من الحرام؟!
أهـلاً وسهـلاً بالصيام يا حبيبًا زارنا فِي كـل عـام
قـد لقينـاك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام
فـاقبل اللهم ربي صومنا ثُم زدنا من عطاياك الجسـام
لا تعاقبنـا فقد عاقبنـا قلق أسهرنـا جنح الظـلام
عباد الله، شهركم شهر التقوى، إنه موسم عظيم للمحاسبة، وميدان فسيح للمنافسة، تصفو فيه النفوس من دواخلها، وتقترب فيه القلوب من خالقها، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتكثر دواعي الخير وأسباب المثوبة. فيه رحمة ومغفرة، وفيه عفو وعتق من النار، فأقبلوا على الطاعة وتزودوا من التقى وتعرضوا للنفحات.
أيها المتقون الصائمون، فتشوا عن المحتاجين من أقربائكم والمساكين من جيرانكم والغرباء من إخوانكم، لا تنسوا برهم وإسعادهم، وأشركوهم معكم في رزق ربكم.
اذكروا ـ عباد الله ـ جوع الجائعين وعبرات البائسين وغربة المشردين ووحشة المهجَّرين. يقول الشافعي رحمه الله: "أحب للصائم الزيادة في الجود في شهر رمضان اقتداء برسول الله ، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم فيه بالعبادة عن مكاسبهم" اهـ.
أيها المسلمون، ها هو هلال رمضان قد حل، ووجه سعده قد طل، فأي رمضان يكون رمضان هذا العام؟! هل هو رمضان المسوفين ال+الى أم رمضان المسارعين النجباء؟ هل هو رمضان التوبة أم رمضان الشقوة؟ هل هو شهر الصيام والقيام أم شهر الموائد والأفلام والهيام؟
عباد الله، رمضان فرصة للتنويع بين العبادات واستذكار العديد من الأذكار الواردة عن النبي والدعوات، وما على راجي الهداية وطالب الرشد والسعادة إلا أن يعقد العزم على طرق عبادات لم يعتد على أدائها في رمضانات سابقة.
أيها المسلمون، اعتاد الأكثر في رمضان على أداء عبادات معينة كالصيام والقيام وقراءة القرآن، وهناك عبادات أخرى قد تفضل عليها في الأجر إما لمكانتها أو لهجر الناس لها، والإتيان بتلك الطاعات في مثل هذه الأيام إحياء لها وتذكير للناس بتنوع العبادات وتعددها لمن أراد الزلفى من الله سبحانه. ومن تلك العبادات: عيادة المرضى، زيارة المقابر، والصلاة على الجنائز، والعبادات المتعدية كإطعام الطعام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس الخير.
أيها المسلمون، في شهر رمضان يكثر المؤدون للصلاة وبخاصة صلاة النوافل كالرواتب والتراويح والقيام، وهذا الإقبال فرصة للتنويع بين الأدعية والآثار والصفات الواردة في الصلاة، فهناك العديد من أدعية الاستفتاح، وهناك أنواع للتشهدات، هذا فضلاً عن الأدعية الواردة في الركوع والسجود وختام الصلاة، ومن اطلع على سبيل المثال على كتاب حصن المسلم ـ وهو كتاب معروف ومتداول ـ وجد مصداق ما ذكر آنفًا.
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: "العبادات الواردة على وجوه متنوعة تفعل مرة على وجه ومرة على الوجه الآخر، فهنا الرفع ورد إلى حذو المنكبين، وورد إلى فروع الأذنين، وكلٌّ سنة، والأفضل أن تفعل هذا مرة وهذا مرة؛ ليتحقق فعل السنة على الوجهين، ولبقاء السنة حية؛ لأنك لو أخذت بوجه وتركت الآخر مات الوجه الآخر، فلا يمكن أن تبقى السنة حية إلا إذا كنا نعمل بهذا مرة وبهذا مرة، ولأن الإنسان إذا عمل بهذا مرة وبهذا مرة صار قلبه حاضرًا عند أداء السنة، بخلاف ما إذا اعتاد الشيء دائمًا فإنه يكون فاعلاً له كفعل الآلة عادة، وهذا الشيء مشاهد، ولهذا من لزم الاستفتاح بقوله: (سبحانك الله وبحمدك) دائمًا تجده من أول ما يكبر يشرع: (سبحانك الله وبحمدك) من غير شعور؛ لأنه اعتاد ذلك، لكن لو كان يقول هذا مرة والثاني مرة صار منتبهًا، ففي فعل العبادات الواردة على وجوه متنوعة فوائد: 1- اتباع السنة، 2- إحياء السنة، 3- حضور القلب" اهـ.
اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا يا رب العالمين.
عباد الله، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل.
الخطبة الثانية
الحمد وكفى، والصلاة والسلام على نبيه الذي اصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
فيا عباد الله، يقول الحسن البصري رحمه الله: "إن الله جعل شهر رمضان مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون" اهـ.
أيها المسلمون، إذا كان الأمر كذلك فلماذا نخسر رمضان؟! لماذا يمر علينا ولا نتزود منه بالتقوى؟! لماذا يدخل ويخرج ولا نقاوم فيه الهوى؟! ألم نعلم مزاياه وندرك فضائله؟! ألم نعلم أنه شهر التوبة والمغفرة ومحو السيئات؟! ألم ندرك أنه شهر العتق من النار وموسم الخيرات؟! ألم نعلم أن أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار؟! ألم نعلم أن فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم؟! فما بالنا ـ عباد الله ـ ترغم منا الأنوف ونخسر ولا نستفيد؟! ما بالنا نصر على الإضاعة والتقصير والتفريط؟!
أيها المؤمنون، قارب الثلث الأول من رمضان على الرحيل، وذهب ثلث الرحمة كساعة من نهار، لقد مضى بما أودعناه من خير أو شر، ولئن كنا فرطنا فيه وقصرنا فإن ما بقي أكثر مما فات، بقيت عشر المغفرة ثم عشر العتق، بقيت ليلة القدر وليلة توفية الأجر، فلنُرِ الله من أنفسنا خيرا، والله اللهَ أن يتكرر شريط التهاون والتسويف أو تستمر دواعي ال+ل والتفريط، فلقيا الشهر مرة أخرى غير مؤكدة، ورحيل الإنسان منتظر في أية لحظة.
عباد الله، ألا خاطب في هذا الشهر إلى الرحمن؟! ألا راغب فيما أعده الله للطائعين في الجنان؟! ألا طالب لما أخبر به من النعيم المقيم مع أنه ليس الخبر كالعيان؟!
من يرد تلـك الْجنـان فليدع عنه التـوان
وليقم في ظلمـة الليـل إلى نـور القـرآن
وليصـل صومًـا بصوم إن هذا العيش فان
إنما العيـش جـوار الله فـي دار الأمـان
عباد الله، صلوا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...
| |
|