molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: هكذا كانوا - إحسان بن محمد شرف الحلواني الأحد 16 أكتوبر - 2:22:28 | |
|
هكذا كانوا
إ إحسان بن محمد شرف الحلواني
الخطبة الأولى
ذكر رجاء بن حيوة الكندي أنه بات ليلة عند عمر بن عبدالعزيز وكان رجاء من جلسائه، فكاد السراج أن ينطفئ، فقام إليه ليصلحه فأقسم عليه عمر بن عبدالعزيز ليقعدن، وقام هو فأصلحه، قال رجاء: فقلت له: تقوم أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال: قمت وأنا عمر ورجعت وأنا عمر.
وقال رجاء بن حيدة أيضاً: أمرني عمر بن عبدالعزيز أن أشتري له ثوباً بستة دراهم، فأتيته به فجسه (أي لمسه) وقال: هو على ما أحب، لولا أن فيه لينا، قال رجاء: فبكيت، قال عمر: ما يبكيك؟ قال: أتيتك وأنت أمير بالمدينة بثوب بستمائة دراهم فجسسته وقالت هو على ما أحب، لولا أن فيه خشونة، وأتيتك وأنت أمير المؤمنين بثوب بستة دراهم فجسسته وقلت: هو على ما أحب لولا أن فيه لينا، فقال: يا رجاء إن لي نفساً تواقة تاقت إلى فاطمة بنت عبدالملك فتزوجتها، وتاقت إلى الإمارة فوليتها، وتاقت إلى الخلافة فأدركتها، وقد تاقت الجنة فأرجوا أن أدركها إن شاء الله عز وجل.
أيها الإخوة الأكارم: من صفات المؤمن العظيمة التي يستحق عليها الثناء والتكريم ألا يغتر بالحياة الدنيا، ولايلهيه نعيمها وزخرفها وزينتها وكل مافيها من عظمة وجاء عن التوجه للآخر والعمل للقاء ربه، فالإسلام لايمنع الإنسان من التمتع بطيبات الحياة والتنعم بملذاتها إلا أنه يحذر من التوغل فيها والحرص عليها، والتكالب على طلبها من أي الطرق وبأي وسيلة وينبه المسلم دائماً أن يكون حذراً من غرورها ومفاتنها فيقول تعالى: يا أيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون. ويقول: رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء ال+اة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب.
لذلك كان المؤمنون السابقون يتطلعون دائماً إلى الدار الآخرة ويتحرون في أعمالهم وجميع تصرفاتهم كل ما يرضي الله عز وجل ويستوجب ثوابه، فقد يكون المؤمن غنياً يرتع ببحبوحة من المال والمتاع لكن ذلك لا يصرفه عن طاعة ربه وعن التقرب إليه، وقد يكون صاحب وظيفة مرموقة وجاه عريض، ولكن ذلك لايحول بينه وبين رضاء ربه وطلب ثوابه، بل يجعل من وظيفته وجاهه طريقاً لإظهار الحق، ومساعدة ذوي الحاجة، وإغاثة الملهوف، فيكون قد فاز بعز الدنيا ورضاء الله، وقد يكون ذا سلطان عظيم وأمر مطاع وكلمة نافذة، ولكن ذلك كله لايصرفه عن آخرته، ولا يصده عن العمل ليوم الحساب.
من هنا كان المؤمنون الصادقون يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، ويمهدون لها سبيل النجاة قبل أن يعذبوا، ومن هنا كان عمر بن عبدالعزيز وأمثاله يزهدون بما في أيديهم من متاع الدنيا ويترفعون عن مباهجها وزينتها متطلعين إلى دار البقاء، راغبين بما أعد لهم فيها من نعيم مقيم هم فيه خالدون.
قال أبو جعفر المنصور يوماً للربيع بن يونس -وكان وزيراً له- : ويحك يا ربيع ما أطيب الدنيا لولا الموت، فقال له الربيع: ما طابت الدنيا إلا بالموت، قال: وكيف ذلك؟ قال: لولا الموت لم تقعد هذا المقعد، وكان المنصور قد جلس للنظر في المظالم، فقال: صدقت.
وهكذا يحذر رجالاً من المؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه يتواضعون وهم ملوك، ويزهدون والدنيا تحت أيديهم ويصدقون، ولو أدى ذلك إلى الخطر والموت، يعملون لدينا وهم لاينسون آخرتهم، أسود في النهار ورهبان في الليل، اشتهر ربعي بن حراش الكوفي بالصدق، وعهد عنه أنه لم يكذب قط، وكان له ابنان عاصيان في زمن الحجاج، فقيل للحجاج: إن أباهما لايكذب قط، لو أرسلت إليه فسأل عنهما فأرسل إليه فقال: أين ابناك؟ قال: هما في البيت، قال: قد عفوت عنهما لصدقك.
وروي أبن أبي الدنيا بسنده عن طاووس أنه قال: بينما أنا بمكة استدعاني الحجاج فأتيته فأجلسني إلى جانبه واتكأني على وسادة فبينما نحن نتحدث إذ سمع صوتاً عالياً بالتلبية فقال: عليّ بالرجل، فأحضر فقال له الحجاج: ممن الرجل؟ قال: من المسلمين، فقال: إنما سألتك ممن البلد والقوم، قال: من أهل اليمن، فقال: كيف تركت محمد بن يوسف؟ يعني أخاه. وكان والياً على اليمن - فقال: تركته وسيماً جسيماً لباساً حريراً، ركاباً خراجاً ولاجاً، فقال: إنما سألتك عن سيرته، فقال: تركته مخشوناً ظلوماً، مطيعاً للمخلوق عاصياً للخالق، قال: أتقول فيه هذا وقد علمت مكانه مني؟ فقال الرجل: أتراه بمكانه منك أعز من مكاني من ربي، وأنا مصدق نبيه ووافد بيته؟ فسكت الحجاج، وذهب الرجل من غير إذن، قال: طاووس فتبعته وقلت: الصحبة، فقال: لاحباً ولا كرامة، ألست صاحب الوسادة الآن؟ وقد رأيت الناس يستفتونك في دين الله، قلت: إنه أمير مسلط، أرسل إلي فأتيته كما فعلت أنت، قال: فما ذلك الإتكاء على الوسادة في راحة بال، هلا كان لك من واجب نصحه وقضاء حق رعيته بوعظه والحذر من بوائق عسفه، ما يكدر عليك تلك الطمأنينة؟ قلت: استغفر الله وأتوب إليه، ثم اسألك الصحبة، فقال: غفر الله لك، إن كان مصحوباً شديد الغيرة عليّ، فلو أنستُ بغيره رفضني، ثم تركني وذهب.
وهكذا نرى المؤمنين الصادقين يتقون تلك الموافق الجريئة المشرفة لايخشون في الله أحداً فينظر أحدهم إلى من هو فوقه إيماناً وخلقاً وثباتاً على الحق، فيقتدي به ويرغب في صحبته ويحرص على نصحه، فهل فينا من هذه الصفات شيء؟
قال تعالى: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.
الخطبة الثانية
مر إبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة، فاجتمع عليه الناس، وقالوا: يا أبا إسحاق إن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز: ادعوني استجيب لكم ونحن ندعوا دهراً فلايستجاب لنا، فقال ابراهيم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم من عشرة أشياء:
أولها: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه.
الثاني: قرأتم القرآن ولم تعملوا به.
الثالث: ادعيتم حب رسول الله وتركتم سنته.
الرابع: ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه.
الخامس: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها.
السادس: قلتم نخاف النار ورهنتم انفسكم بها.
السابع: قلتم إن الموت حق ولم تستعدوا له.
الثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونسيتم عيوبكم.
التاسع: أكلتم نعمة الله ولم تشكروها.
العاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
نسأل الله أن نكون ممن يذكرون فيتذكرون، وممن يوعظون فينتفعون، وممن يقولون فيعملون.
| |
|