molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: يوم الجمعة: فضله وآدابه - إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم الأربعاء 12 أكتوبر - 7:40:35 | |
|
يوم الجمعة: فضله وآدابه
إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه وتعالى، ثم أما بعد:
فيقول الله سبحانه وتعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الجمعة:9]. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة)).
إخوة الإسلام، وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
يوم الجمعة أفضل الأيام عندنا أهل الإسلام، يوم الجمعة عيد لنا، يوم الجمعة تاريخ وله قصة من أعظم القصص، هذا اليوم خلق الله فيه آدم، وفي هذا اليوم أدخله الله الجنة، وفي هذا اليوم أخرجه الله منها، وفيه تقوم الساعة.
وفي هذا اليوم أيضاً كانت ساعة النزال بين موسى عليه السلام، وبين فرعون عليه اللعنة، يوم الصراع العالمي بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، وبين الهدى والضلال. يوم جاء موسى عليه السلام بالتوحيد وليس معه إلا عصاه وجاء فرعون بالصولة والصولجان ومعه دجاجلة الدنيا وسحرة الدنيا قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى [طه:59].
هذا يوم الجمعة في التاريخ، وهذا هو اليوم العظيم الذي هدانا إليه - نحن أمة الإسلام وأضل عنه الأمم من قبلنا يقول : ((ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة، هدانا الله له وضل الناس عنه، فالناس لنا فيه تبع، هو لنا، ولليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد)).
إذا علم هذا - يا عباد الله – كان لزاماً علينا أن نستشعر عظمة هذا اليوم، وأن نعظم هذا اليوم في قلوبنا وفي قلوب أبناءنا وأهلينا، وأن نتنافس فيه على أعمال الخير والبر، فهو يوم عظيم يجيب الله فيه الدعوات، ويزيد الحسنات، ويكفر السيئات، ويرفع الدرجات، وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين:26].
إن من المؤسف – يا عباد الله – أن كثيراً من الناس جعلوا هذا اليوم العظيم موسماً للنزهة والخروج فيضيعون في طريقهم الجمعة والجماعة، ولا يؤدون الصلاة ولا يتهيئون لهذا اليوم العظيم.
إن الملائكة ملائكة الرحمن تقف من الصباح الباكر على أبواب المساجد، تسجل الأول فالأول، فإذا صعد الخطيب على المنبر طوت الصحف، وأنصتت لسماع الخطبة. أما الإنسان فيجعله يوماً للهو واللعب، يسهر ليلته وينام نهاره، أو يخرج فيترك صلاة الجمعة والجماعة، ويبارز ربه عز وجل بالمحاربة. والرسول يحذر من التهاون بها فيقول: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً طبع الله على قلبه)). ويقول أيضاً : ((لينتهين أقوام عن تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم فليكونن من الغافلين)).
معاشر المسلمين:
إن لهذا اليوم العظيم واجبات وحقوقا علينا، ومن هذه الحقوق والواجبات الاغتسال والتطيب، وقد أوجب بعض العلماء غسل الجمعة لقوله : ((غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)) أي على كل بالغ، وجمهور العلماء على أنه سنة مؤكدة لقوله : ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل)).
وهذا الاغتسال والتطيب من أجل أن يتهيأ العبد للقاء الله لأن هذا اليوم عيد، ولأنه يذكر بلقاء الله وبيوم العرض الأكبر على الله، ولذلك كان يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورتي السجدة والإنسان، وهاتان السورتان قد تضمنتا ما كان وما يكون في هذا اليوم العظيم، فقد اشتملتا على بدء خلق آدم عليه السلام وعلى ذكر يوم القيامة والحشر والمعاد وما يكون في هذا اليوم من أهوال وأحداث عظام، فكان يقرأ هاتين السورتين فجر يوم الجمعة حتى تتذكر الأمة ما سوف يحصل في هذه اليوم العظيم وتستعد للقاء الله.
وكما أنه ينبغي علينا – يا عباد الله - أن نتجمل بالاغتسال والطيب واللباس الحسن فكذلك يجب علينا أن نتجمل بالتحلي بالأخلاق الفاضلة، كالصدق والأمانة والحلم والمروءة وأن نتخلى عن الأخلاق الذميمة، كالحقد والحسد والغيبة والنميمة وغيرها من الأخلاق السيئة. فما الفائدة إذا كانت الظواهر جميلة والبواطن خراب؟!!.
لبسنا واشياً من كل حسن فما سترت ملابسنا الخطايا
وتلك قصورنا بالعمر باتت وتلك قبورنا أضحت خرابا
ليس في القيامة – يا عباد الله – ثياب، وليس فيها عمائم، وليس فيها فلك ولا سيارات، ولا كل هذه الزينة الظاهرة وإنما: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]. فالسجل مكشوف، والبدن عار، والضمائر معروضة، وكتابك يا ابن آدم مفتوح أمام عينيك، ٱقْرَأْ كَتَـٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49].
وقالوا: مَا لِهَـٰذَا ٱلْكِتَـٰبِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف:49]. وهناك شهود علينا غير هذا الكتاب، وكفى بالله شهيداً وكفى بالله رقيباً وكفى بالله حسيباً. من هؤلاء الشهود محمد ، سوف يشهد على أمته يوم القيامة فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً [النساء:41-42]. وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:142]. محمد سوف يعرف أمته وسوف يشهد عليهم عند الله سبحانه وتعالى.
ومن هؤلاء الشهود أيضاً الملائكة الحفظة والكتبة، سوف يشهدون عند الله بأعمالنا، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـٰفِظِينَ كِرَاماً كَـٰتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12]، إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18].
ومن هؤلاء الشهود أيضاً يا عباد الله الأرض، سوف ينطقها الله عز وجل يوم القيامة، فتشهد هذه الأرض التي نمشي عليها ونبطش عليها ونتكبر عليها، سوف ينطقها الله فتشهد بما عمل عليها وبما حدث عليها إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ ٱلإِنسَـٰنُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:1-4].
ومن هؤلاء الشهود أيضاً – يا عباد الله- وكفى بالله شهيداً وكفى بالله حسيباً الأعضاء، سوف تنطق وتشهد وتتكلم يوم القيامة، يوم تضل العقول وتضيع الأفهام، يوم يختم على اللسان فتتكلم الأيدي وتشهد الأرجل وينطق الجلد والسمع والبصر ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوٰهِهِمْ وَتُكَلّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يس:65]، وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَـٰرُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِى أَنطَقَ كُلَّ شَىْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [فصلت:19-21].
فإلى الله نشكو قسوة قلوبنا وفــي كل يـوم واعظ المـوت ينـدب
إذا قيل أنتم قـد علمتم فما الـذي عملتم وكل فـي الكتـاب مرتب
فيا ليت شعري ما نقول وما الذي نجيب به إذ ذاك والأمر أصعب
معاشر المسلمين:
ومن حقوق وواجبات هذا اليوم العظيم علينا – يوم الجمعة – التبكير إلى الصلاة وإتيان المسجد قبل الأذان، وهذه سنة مهجورة، هجرها الكثير من الناس مع أنها من أجل القربات وأنفس الطاعات يقول كما في الصحيحين: ((من اغتسل يوم الجمعة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة - أي كأنما تصدق بها لله –، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة وطوت الصحف وأنصتت لسماع الخطبة)) وفي هذا الحديث الصحيح يقول : ((من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها)).
فلا إله إلا الله ما أعظم هذه الأجور!! ولا إله إلا الله ما أزهدنا فيها ونحن في أمس الحاجة إلى حسنة واحدة!!
فأين الساعة الأولى؟! وأين الساعة الثانية؟! وأين المبكرون والرسول يقول: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)).
إن أقواماً لازالوا يتأخرون حتى يؤخرهم الله، وإن أقواماً لازالوا يتقدمون حتى يقدمهم الله فيمن عنده.
فلنبادر إخوة الإسلام للخيرات، ولنسارع إلى الطاعات ولنغتنم لحظات الزمن وفرص الحياة بالأعمال الصالحات.
((بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
فمن آداب يوم الجمعة حضور الخطبة والإنصات إليها يقول كما في صحيح مسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام)).
فإذا أذن المؤذن فلا بيع ولا شراء ولا تجارة ولا دنيا ولا كلام إنما توجه إلى الله، وإنصات لأحكامه، فليس للجالس أن يكلم من بجانبه، ولا أن يسلم عليه، ولا أن يأمره بالمعروف أو ينهاه عن المنكر، يقول كما في الصحيحين: ((إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت والإمام يخطب فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له، ومن مس الحصى فقد لغا)). وليس للجالس أيضاً أن يقوم فيصلي نافلة إذا كان قد أدى تحية المسجد، فإن تأخر ودخل والإمام يخطب فله أن يصلي ركعتين خفيفتين.
ومن آداب يوم الجمعة وليلة الجمعة استحباب الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الهدى محمد فعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله : ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي))، قالوا: يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ – يعني بليت – فقال: ((إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)).
ومن آداب يوم الجمعة أيضاً قراءة سورة الكهف فقد صح عن النبي أنه قال: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين)) وفي رواية: ((أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق)).
ومن خصائص هذا اليوم العظيم أيضاً أن فيه ساعة إجابة لا يوافقها عبد مسلم فيدعو الله عز وجل إلا استجاب الله دعاءه، أخفاها الله سبحانه وتعالى عن العباد حتى يجتهدوا في طلبها وقيل: إنها هي هذه الساعة وقت الخطبة والصلاة، وقيل: إنها آخر ساعة من النهار، وقيل غير ذلك، والعلم عند الله تعالى.
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
| |
|