molay مدير مراقب
البلد : المغرب الجنس : عدد المساهمات : 11945 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 الموقع : STARMUST2
بطاقة الشخصية الدرجة: (1365/1365)
| موضوع: استقبال رمضان - إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم الأربعاء 12 أكتوبر - 7:18:10 | |
|
استقبال رمضان
إبراهيم بن محمد أحمد عبد الكريم
الخطبة الأولى
أما بعد:
فأوصي نفسي المقصرة وإياكم بتقوى الله سبحانه، ثم أما بعد:
فيقول المولى سبحانه: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]. ويقول جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ [البقرة:185].
وقال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)). وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)).
إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
لقد أظلنا شهر كريم وموسم عظيم، شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ، شهر الخيرات والبركات، شهر المنح والهبات، شهر النفحات والنسمات، شهر محفوف بالرحمة والمغفرة والعتق من النار.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((أعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها)) الخصلة الأولى: ((خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) والخلوف هو الرائحة الكريهة التي تنبعث من فم الصائم نتيجة خلو المعدة من الطعام، ولكن لما كانت هذه الرائحة ناتجة عن عبادة الله تعالى وطاعته كانت هذه الرائحة المستكرهة عند الناس أطيب من رائحة المسك.
الخصلة الثانية: ((وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا))، ملائكة الرحمن، عباد الله المكرمون الذين لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، يستغفرون لك - يا عبد الله - حتى تفطر، فأيُّ منزلة أعظم من هذه المنزلة؟! وأيُّ مكانة أفضل من هذه المكانة؟!!.
الخصلة الثالثة: ((ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلقوا عنهم المؤونة والأذى ويصيروا إليك))، الجنة - يا عباد الله - تتزين لعباد الله المؤمنين العاملين في كل يوم من أيام هذا الشهر، فهل من عامل كريم، وهل من مشمر لها؟!!.
الجنة - يا عباد الله - لبنة ذهب ولبنة فضة، بلاطها المسك، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا ييأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، لها ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون، وموضع قدم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها أي خمارها خير من الدنيا وما فيها.
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة، عن النبي قال: ((سأل موسى عليه السلام ربه ما أدنى أهل الجنة منزلة فقال الله سبحانه وتعالى: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب وكيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل مُلْكُ مَلِكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول الله: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذَّت عينك، فيقول: رضيت رب، فيقول موسى عليه السلام: رب فأعلاهم منزلة، قال أولئك الذين غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر))، فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
وذكر أن سفيان الثوري رحمه الله تعالى وكان من العلماء العاملين الزاهدين العابدين كان كثير الاجتهاد فقال له تلاميذه: يا إمام، هوِّن على نفسك، فقال سفيان: كيف لا أجتهد وقد بلغني أن أهل الجنة يكونون في منازلهم، فيتجلى لهم نور تضيء له الجنان الثمان، فيظنون أن ذلك نور من عند الرب سبحانه وتعالى فيخرون ساجدين، فينادون أن ارفعوا رؤوسكم ليس الذي تظنون إنما هو نور جارية تبسمت في وجه صاحبها.
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا.
منازلك الأولى وفيها المخيم الجار أحمد والرحمن بانيها والزعفران حشيش نابت فيها
فحيّ على جنات عدن فإنها فاعمل لدار غداً رضوان خازنها قصورها ذهب والمسك طينتهـا
هذه الجنة يا عباد الله فكيف بالنار؟ النار يا عباد الله أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة. نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم.
وبينما صحابة رسول الله جلوس عنده، وإذا بهم يسمعون صوتاً منكراً فقال لهم الرسول : ((أتدرون ما هذا؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال : ((هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً - أي منذ سبعين سنة - فانتهى إلى قعرها الآن)). ويقول عليه الصلاة والسلام: ((لو أن قطرة من الزقوم قُطِّرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه الزقوم؟!)).
أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً.
يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال له: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب.
أنسته هذه الصبغة في نار جهنم كل نعيم مر به في حياته الدنيا، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من عتقائه من النار في هذا الشهر الكريم.
الخصلة الرابعة: ((تصفد فيه مردة الشياطين، فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره)).
الخصلة الخامسة التي خص بها أمة محمد في هذا الشهر الكريم: ((يغفر لهم في آخر ليلة))، قيل: يا رسول الله، أهي ليلة القدر؟ قال: ((لا، ولكن العامل إنما يوفَّى أجره إذا قضى عمله)).
إخوة الإسلام:
ومن خصائص الصيام أن جعل الله سبحانه وتعالى جزاءه وأجره عليه سبحانه وتعالى، فكل عبادة من العبادات جعل الله سبحانه وتعالى أجرها محدودا كالصلاة وال+اة والحج إلا الصوم فأجره غير محدود، لأنّ الصوم يتجلى فيه الصبر، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].
وفي الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي قال: ((قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به)).
إخوة الإسلام، وأحباب الحبيب المصطفى محمد :
الصوم مدرسة يتربى فيها الصائم طيلة هذا الشهر الكريم، بل جعل الله سبحانه وتعالى علة الصوم تحقيق التقوى كما قال سبحانه: يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183]، فجعل الله سبحانه وتعالى علة الصوم والحكمة من فرضيته هو تحقيق هذه الكلمة العظيمة، فالصائم يجهد نفسه في نهار رمضان بالصيام وترك الأكل والشراب والجماع مما أباحه الله له، فالمحرمات من باب الأولى، كل ذلك إيماناً بالله واحتساباً لما عند الله من الأجر والثواب، وكذلك فإن الصائم يستشعر عظمة الخالق سبحانه وتعالى ومراقبته في كل جارحة من جوارحه، وفي كل عضو من أعضائه، فكما أنه صام عمَّا أباحه الله من طعام وشراب وجماع، فكذلك يصوم عمَّا حرَّمه الله من كذب وغيبة ونميمة ونظرة آثمة.
ولذلك يقول الله عز وجل كما في الحديث القدسي: ((الصيام جُنَّة – أي وقاية للصائم من الوقوع في أي معصية أو ذنب – الصيام جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، إني امرؤ صائم)).
وهكذا يا عباد الله إذا حقق الصائم هذه الكلمة الدينيّة – كلمة التقوى –، واستشعر عظمة الله ومراقبة الله، واتقى الله في كل جارحة من جوارحه، وفي كل عضو من أعضائه، فاز في الدنيا والآخرة، وفرح في الدنيا والآخرة، يقول رسول الله : ((للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه)).
وأما إذا لم يحقق العبد هذه الكلمة فقد أتعب نفسه، وليس له حظ من صيامه إلا الجوع والعطش، كما قال : ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، ويقول : ((رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
أما بعد:
صعد النبي المنبر فارتقى الدرجة الأولى فقال: ((آمين))، ثم ارتقى الدرجة الثانية فقال: ((آمين))، ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال: ((آمين))، فلما نزل الرسول من المنبر قال الصحابة: يا رسول الله، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه فقال : ((إن جبريل عرض لي في الدرجة الأولى فقال: بَعُدَ من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين)).
هذه دعوة من أفضل أهل السماء جبريل عليه السلام، ويؤمِّن عليها أفضل أهل الأرض محمد .
فهل من مشمر لعمل الطاعات في هذه الشهر الكريم؟ وهل من مستثمر لهذا الموسم العظيم؟ كان رسول الله من أكثر الناس اجتهاداً في هذا الشهر العظيم، وكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
وهكذا كان سلف هذه الأمة، كان السلف رحمهم الله يعتمدون على العصي من طول القيام في هذا الشهر الكريم، وكانوا إذا دخل هذا الشهر الكريم تفرغوا لقراءة القرآن وعبادة الرحمن، وكان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، وكان السلف يسمون هذا الشهر شهر القطيعة من الخلق والإقبال على الخالق، فلنتسابق عباد الله إلى الخيرات ولنتنافس على الطاعات وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ [المطففين:27].
يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان.
| |
|