طغيان المال
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة ..
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (٣٢) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (٣٣) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (٣٥) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (٣٦) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (٣٧) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (٣٩) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (٤٣) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (٤٤)
الكهف: ٣٢ - ٤٤
اضرب يا محمد للمشركين ولقومك هذا المثل
وقيل للمشركين لأنهم طلبوا من رسول الله أن يطرد الفقراء حتى يجلسوا إليه ويسمعوا منه
-جنتين من أعناب محاطتين بنخل ويجرى نهر فيهما ليسقيهما
-فقال لصاحبه فى حوار أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا وهذا دليل على الكبر
-عند دخوله جنته قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا, يظن المسكين أن العطاء من الله دليل كرامته عند الله فهو الكريم
-ما علم المسكين أن الله يعطى ويمنع وليس العطاء دليل كرامة ولا المنع دليل إهانة
ونعلم أن السنة بالنسبة للقرآن :-
مؤكدة لما ورد فى كتاب الله موافقة من كل وجه
-مبينة ومفسرة ( تخصيص عام – تقييد مطلق – تبيين مجمل – تفسير مبهم ) وهكذا
-استقلالية تأتى بأحكام ليست فى كتاب الله لقوله تعالى (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر/7
ومن السنة أن يبرك الإنسان إذا رأى ما يعجبه
قال النبى (r) (من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم تصبه العين) ضعيف جدا
والصحيح هو قوله عليه الصلاة والسلام (إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق) صححه الألبانى فى الكلم الطيب 243
مر عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة فما لبث أن ليط به فأتى به النبى (r) فقيل له أدرك سهلا صريعا قال من تتهمون به ؟ قالوا عامر بن ربيعة فقال علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامر أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه) فقام وكأنه نشط من عقال – رواه بن ماجة 3509 وأحمد 15550 ومالك 1747
انتبه الأب يمكن أن يحسد أولاده وكذلك الأم فإذا رأيت أولادك فى هيئة طيبة فقل ماشاء الله تبارك الله اللهم بارك لهم , اللهم بارك فيهم
البركة هى تكاثر الخيرات مع دوامها وثباتها وهكذا افعل مع السيارة والشقة والمحل والمصنع عود لسانك
ومن الآيات نجد أن أعظم مايفتخر به الإنسان على غيره المال والأولاد لذا قال صاحب الجنتين أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا أولادا وأقارب وقال المؤمن إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا
قال تعالى ({المالُ والبنونَ زينةُ الحياةِ الدُّنيا والباقياتُ الصَّالحاتُ خَيرٌ عندَ ربِّكَ ) الكهف
وقال تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ «28 الأنفال
فهم زينة الحياة الدنيا وهم فتنة وابتلاء والنعمة ليست فى وجود المال والولد بل النعمة الحقيقية فى الإسلام ولو مع عدم المال والولد
قال تعالى (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ) العلق 7 .
يطغى الإنسان عندما يرى نفسه قد استغنى بماله أو ولده أو سلطانه والآية فى أبى جهل حتى قيل إنه فرعون هذه الأمة لطغيانه
والمثال الذى معنا يدور حول الطغيان والكبر والاستدراج
ما هو الطغيان ؟
هو مجاوزة الحد (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر 23-24
جمع الله فى هذه الآية طغيان الحكم ممثلا فى فرعون الذى جمع وحشر الناس وقال لهم أنا ربكم الأعلى
وطغيان الوزارة والسلطة والمنصب ممثلا فى هامان
وطغيان المال ممثلا فى قارون الذى أعطاه الله المال فكفر بنعمة الله مثل صاحب الجنتين وقال إنما أوتيته على علم عندى
كان فى الصحابة من هو مليونير بتعبير العصر وما رأينا أحدا منهم طغى لم ؟ لأن المال كان فى الأيدى لا فى القلوب ولا إيثار للدنيا على الآخرة فكان الواحد منهم ينفق سرا وجهرا
سليمان عليه السلام أعطاه الله الملك والنبوة والمال فهل طغى ؟ حاشا وكلا
بل قال (عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) النمل
ما سبق عن الطغيان أما الكبر / فقد قال النبى (r) (لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا قال إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس) مسلم
بطر الحق / رد الحق وعدم قبوله
غمط الناس / الحط من قدرهم وتحقيرهم
قال يهودى لهارون الرشيد اتق الله فنزل من على فرسه وسجد فى التراب وسألوه لم فعلت ؟ فقال أخشى أن أكون ممن يقول الله فيهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ 206) البقرة
والكبر هو أول ذنب عصى الله به لما قال إبليس أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين
الاستدراج ...
-وهو أخذ الشئ درجة درجة حتى لا يشعر صاحبه به -وهو وجود المحنة فى طيات المنحة
-وهو الأخذ بالتدريج لا مباغتة - وهو استحسان الحال مع الإساءة فى الأعمال
قال على بن أبى طالب كم من مستدرج بالإحسان وكم من مفتون بحسن القول فيه وكم من مغرور بالستر عليه
لذا قيل إذا رأيت الله يتابع نعمه على من يعصيه فاحذر إنما هو استدراج
الخطبة الثانية
العبارة الغارقة فى البحر الأحمر كان فيها قتلى من كل محافظات مصر عدا مطروح وسيناء الشمالية والجنوبية ولم يحدث حزن على فقدهم ولو يوم واحد
ولم نسمع قرآنا يتلى على أرواح أكثر من ألف غريق
قلت هذه بداية النهاية لهذا النظام عندما مات حفيد الرئيس فتغيرت خريطة البرامج فى القنوات حتى الإسلامية حزنا على فتى لم يتجاوز الثانية عشر من عمره ونقلوا الجنازة على الهواء وصلى عليه شيخ الأزهر - وهذا عين الطغيان – طغيان الحكم
ثم جاءت الانتخابات لمجلس الشعب وشهد العالم كله قمة التزوير والطغيان
ويقال لو اجتمع طغيان السلطة مع طغيان المال على حب الدنيا خسرت البلاد والعباد وهذا ما حدث
اجتمع رجال الأعمال حول رجال السلطة ففسدت البلاد وساد الفساد وتوارت التنمية الحقيقية