صلاح الأمة في علو الهمة
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
خلق بدن ابن ادم من الأرض وروحه من ملكوت السماء وقرن بينهما فإذا أجاع العبد بدنه وأقامه في الخدمة وجدت روحه راحة فتاقت إلى الموضع الذي خلقت منه واشتاقت إلى عالمها العلوي وإذا أشبعه ونعمه ونومه واشتغل بخدمته وراحته أخلد البدن إلى الموضع الذي خلق منه فانجذبت الروح معه فصارت في السجن فلولا أنها الفت السجن لاستغاثت من الم مفارقتها وانقطاعها عن عالمها الذي خلقت منه كما يستغيث المعذب
والعبد واحد من اثنين نائم وروحه تدور حول العرش والأخر روحه تدور حول الحش أكرمكم الله
هذا هو الفارق بين عالي الهمة ودنئ الهمة وقد تواردت نصوص الكتاب والسنة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور والتسابق في الخيرات وتحذيرهم من سقوط الهمة ( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ) البقرة ووصف دنئ الهمة بقوله ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا )
وذم الله عز وجل الذين يرضون بالدون فقال سبحانه ( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ) التوبة
وقال سبحانه ( يا أيها الذين امنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شئ قدير ) التوبة 39
والناظر حوله يرى مانحن فيه من هوان كل بضعة أيام تفاجئنا إسرائيل بعمل – قتلت رجلا من حماس على أرض عربية بجوازات سفر أوروبية مزورة وتوسعت في المستوطنات وطردت ألاف من الفلسطينيين من بلدهم وبنت كنيس الخراب وضمت مسجد بلال والحرم الإبراهيمي إلى الأوقاف اليهودية وكل ذلك ونحن نرى ونسمع وندين ونستنكر ثم نهرع إلى الأمم المتحدة نستجدى منها قرارا يعطينا حقنا مليار مسلم وأكثر كل يوم يرى الهوان ولا يفعل شيئا
ويرحم الله المعتصم عندما جاءته صرخة امرأة وامعتصماه قال لبيك أختاه لبيك أختاه ونادي بالجهاد لأن امرأة مسلمة وقعت في الأسر وقتل بعض المسلمين وأدب الروم وانتصر بفضل الله في يوم عمورية
ويرحم الله صلاح الدين الذي تربى على يد شيخه نور الدين محمود فكان لايبتسم فإذا سئل يقول استحى أن ابتسم والمسجد الأقصى محتل
ويرحم الله هارون الرشيد المظلوم الذي يظهر في المسلسلات يأكل ويشرب ويلهو ويشاهد المغنيات وماكان كذلك بل رجل يحج عاما ويجاهد عاما ورسالته إلى نقفور ملك الروم التي قال فيها من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم أما بعد ياابن الكافرة الرد عليك ماترى لا ماتسمع
ويرحم الله محمد الفاتح الذي كان سلطانا في عنفوان شبابه وترك القصور إلى حدود القسطنطينية ليفتحها وتصير مسلمة
فلما صارت همتنا بناء القصور وشراء السيارات ومشاهدة المباريات تحقق فينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا تبا يعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لاينتزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) صححه الألباني
أخوتي في الله لو تذكرون في أول السلسلة أعطينا أمثلة لكيفية صلاح الأمة وأعطينا أمثلة بالسلطان والوزير والقاضي والعالم الرباني ثم الشباب والمرأة
واليوم نبدأ بالرأس أي السلطان واليوم هو السلطان المجاهد مراد بن أور خان رافع راية الإسلام في بلغاريا وظل على جهاده حتى سقطت صوفيا وارتفع الأذان في سمائها بنداء التوحيد
ترك يوما مدينة سيروز ليقاتل في مدينة أخرى فاستغل الأمير إيمانوئيل ابن الإمبراطور البيزنطي يوانيس الخامس استغل الفرصة وهاجم سيروز واستولى عليها فسير الإمبراطور مراد جيشا إليها واستعادها وهرب إيمانوئيل إلى أبيه فرفض الإمبراطور البيزنطي استقباله لا احتراما للعهود بل خوفا من السلطان مراد وظل إيمانوئيل يبحث عن مأوى فلم يجد إلا أن يسلم نفسه للسلطان مراد ---- الله أكبر
والله أريد أن اكرر هذه الجملة – لم يجد ايمانوئيل مكانا على الكرة الأرضية كلها يؤويه خوفا من غضب المسلمين فسلم نفسه للسلطان مراد
وحدث أن تأمر الأمير ساجى ابن السلطان مراد مع الابن الثاني للإمبراطور البيزنطي في قتال المسلمين فسار السلطان مراد بنفسه على رأس جيش لملاقاتهم قرب القسطنطينية وهزمهم واستسلم ساجى وحاكمه العلماء والقضاة وحكموا بإعدامه لموالاته للكافرين وخروجه على أبيه ونفذ السلطان الحكم رغم محاولات بعض القادة أن يعفو عن ولده أو يكتفي بحبسه أو نفيه
ويؤدب ملك الصرب وأمراء البوسنة والهرسك في معركة قوصوة رغم كثرة عتادهم وعددهم - وليلة المعركة ظل يصلى ويدعو الله قائلا
الهي ومولاي إن الملك والقوة لك تمنحها لمن تشاء من عبادك وأنا عبدك العاجز الفقير إلى رحمتك تعلم سرى وجهري وأقسم بعزتك وجلال أنني لا ابتغى من جهادي حطام الدنيا الفانية لكنني أبتغى رضاك ولاشئ غير رضاك
الهي ومولاي إن كان في استشهادي نجاة لجند المسلمين فلاتحرمنى الشهادة في سبيلك لأنعم بجوارك ونعم الجوار جوارك
الهي ومولاي لقد شرفتني بأن هديتني إلى الجهاد في سبيلك فزدني تشريفا بالموت فى سبيلك
وأذن المؤذن لصلاة الفجر فصلى بهم ثم ارتفع صوت دعاؤهم فزلزل أقدام الأعداء وأوقع الخوف فى قلوبهم
وانتصروا بفضل الله وقتل جندي صربي السلطان وهو يتفقد القتلى من المسلمين بأن طعنه بخنجر فنال الشهادة
أخوتي في الله الوزير منصب خطير
الوزير اليوم هو عون بن المظفر ابن هبيرة – يحيى بن محمد –حفظ القران بالروايات وسمع الحديث وقرأ الفقه وكانت له معرفة حسنة بالنحو واللغة وكان على منهج السلف وصنف كتاب الإفصاح عن معاني الصحاح لشرح البخاري ومسلم في عدة مجلدات وفى النحو كتاب المقتصد وغيرها
تولى سنة 544هجرية وكان الوزير يقال له سيد الوزراء فقال لاتقولوا سيد الوزراء فإن الله سمى هارون وزيرا وجاء عن النبي أن وزيراه هما أبو بكر وعمر فكيف يقال عنى سيد الوزراء وأنا لاشئ بجوارهم
وكانت السنة تدور عليه وعليه ديون ولا +اة عليه فكان ينفق ماله على طلبة العلم الشرعي والفقراء
لما طغى السلطان مسعود وأصحابه وأفسدوا – عزم الخليفة المقتفى لأمر الله أن يحاربه لكن شوكته كبيرة وجنده كثيرون فقال بن هبيرة أرى أن نلتجئ إلى الله فرسول الله دعا على رعل وذكران شهرا إذن ندعوا عليه شهرا أن يريحنا الله منه وبدأ الوزير يدعو ساعة السحر وما مر شهر إلا وقد مات السلطان مسعود ورجعت العراق إلى ملك المقتفى لأمر الله بلا قتال وهذه كرامة
وأرسل إلى السلطان نور الدين محمود يستحثه على انتزاع مصر من يد العبيديين ( أصحاب البدع – الرافضة )
وكان يوما جالسا مجلس حديث وابن شافع يقرأ السند والمتن فسمع الجالسون صياحا صادرا من بيت الوزير فدخل ورجع فسألوه ماذا حدث فقال بعد انتهاء المجلس وبعد انتهاء المجلس قال لهم إنه ولدى قد مات وقمت فقط لأنكر عليهم الصياح فلا يجوز أن أخبركم لأنه لايجوز قطع مجلس رسول الله
وكانت له استنباطات رائعة من كتاب الله يوما قرأ ( قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ) لم يقل علينا لان المسلم لايصيبه من الله إلا ماهو خير فالمصيبة له لا عليه
ولما قرئ عليه قوله تعالى ( رب أوزعني ن أشكر نعمتك التي أنعمت على وعلى والدي ) قال هذا من تمام بر الوالدين خاف أن يكون والداه قد قصرا في شكر الرب فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قد قصرا
وقال يوما لايجوز ترك على للرافضة نحن أحق به منهم لأنه منا ونحن منه ولا يحق أن نترك الشافعي مع الأشعرية فإنا أحق به منهم
ويقول الحبس غير مشروع إلا في ثلاثة مواضع – رجل سرق فقطعت يمينه ثم قطعت رجله ثم سرق فهذا يحبس
ورجل أمسك رجلا لأخر ليقتله فيحبس الماسك حتى يموت والثالث مايراه الإمام لقوله تعالى ( وآخرين مقرنين في الأصفاد ) ولقول أبى حنيفة ف قطاع الطرق يحبسوا حتى يتوبوا أما حبس الناس في مكان ضيق لايستطيعون الوضوء ولا الصلاة ويتأذون من الحر والبرد فهذا كله محدث لا أفعله
ساعة الموت طلب الوضوء وتوضأ وصلى جالسا وسجد ولم يقم فحركوه فإذا هو ميت وكانت جنازته مشهودة
والآن مع القاضي واليوم مع شريك قاضى الكوفة
جاءته امرأة تشكو الأمير موسى بن عيسى ابن عم أمير المؤمنين المهدي – قائلة لقد استولى على بستاني وهدم السور وضم بستاني إلى بستانه
فأرسل إليه بالمظلمة فقرأها الأمير وقال لصاحب الشرطة اذهب إليه وقل له مجرد امرأة تكلمك تنقلب على الأمير هكذا فقال صاحب الشرطة ليت الأمير يعفيني فصمم الأمير هنا نادي صاحب الشرطة على أحد الجنود وقال اذهب إلى محبس القاضي وضع فيه بساطا وفراشا فلما وصل إلى القاضي وأبلغه رسالة الأمير نادي القاضي على غلام له قائلا خذ بيد صاحب الشرطة وادخله الحبس فابتسم صاحب الشرطة قائلا كنت اعرف
وصل الخبر إلى الأمير فأرسل الحاجب الذي حاول الفكاك من هذه المهمة وكان مصيره أن دخل الحبس مع صاحب الشرطة وهنا تضايق الأمير وقابل وجهاء البلد بعد صلاة العصر قائلا لهم هذا استهتار بمقام الأمير وأنا ابن عم أمير المؤمنين اذهبوا إليه وأبلغوه الرسالة فتلكئوا ولما وصلوا إلى القاضي وتكلموا أمر الغلمان قائلا كل غلام يأخذ واحدا منهم فيدخله الحبس وهنا استشاط الأمير غضبا وخرج مع جنوده إلى السجن وأفرج عن صاحب الشرطة والحاجب والوجهاء
وفى الصباح علم القاضي بما حدث فركب بغلته وأخذ متاعه وأغلق دار القضاء وتوجه إلى بغداد وما إن علم الأمير إلا ولحق به يرجوه أن يعود إلى دار القضاء وهو يقول بشرطين الأول كل من كان في الحبس يرجع والثاني يرجع البستان لصاحبته فورا فقال الأمير لك ماطلبت فرجع القاضي فوجد أن كل طلباته قد أجيبت هنا أمر بخروج من كان محبوسا مع موعظتهم ألا يتدخلوا ولا يشهدوا إلا بالحق
الخطبة الثانية
يجب أن نهتم بالأطفال والشباب فهم المستقبل حقيقة لامجازا لذا ينبغي الاهتمام بهم وصرف الهم الأكبر إلى تهيئتهم ليكونوا مؤتمنين على مستقبل الأمة
انظر إلى التربية الخطأ إذا بكى طفل تعطيه أمه الثدي فينطبع في نفسه أن الصراخ هو الوسيلة إلى الوصول إلى مايريد لذا فعندما يكبر إذا ضربه اليهودي يبكى في مجلس الأمن يظن أن البكاء والصراخ يوصله إلى حقه
يقول الشاعر
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ماكان عوده أبوه
ومادان الفتى حجي ولكن يعوده التدين أقربوه
يقول يحيى بن أيوب العابد سمعتهم بمرو يقولون جاء الثوري جاء الثوري فخرجت إليه فإذا هو غلام قد بقل وجهه وكان الناس في بغداد ينظرون إلى أحمد بن حنبل وهو ذاهب إلى الكتاب ثم الديوان وسمته وهدوؤه وأدبه ووقاره ولما يتجاوز الثانية عشر من عمره
الأوزاعى ربته أمه تربية الملوك حتى استفتاه الناس وهو ابن اثني عشر سنة
وأحمد بن حنبل فقد ربته أمه
وال+ير بن العوام الذي قال عمر عنه أنه يساوى ألف رجل ربته صفية بنت عبد المطلب عمة النبي وأخت حمزة
عبد الله بن ال+ير ربته أمه أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما
وهاهو على ربته فاطمة بنت أسد ثم خديجة بنت خويلد
عبد الله بن جعفر تعاهدت أمه أسماء بنت عميس رض الله عنها
معاوية ابن سفيان ربته أمه هند فيوما قال رجل هذا الغلام سيسود قومه يوما فقالت ثكلته أمه إن لم يسد إلا قومه
الإمام الشافعي مات أبو وهو رضيع وقيل كان ابن سنة فتنقلت به من غزة حيث ولد إلى مكة فحفظ القران ثم المدينة فحفظ الأحاديث ثم هذيل ليقوى لسانه باللغة العربية والشعر والأنساب
في كرة القدم يقولون عندنا كشافون يكتشفون المواهب فيأخذونها ويهتمون بها إلى أن يصير لاعبا
فلماذا لانكتشف المواهب هذا في حفظ كتاب الله وهذا في الأحاديث وهذا في العلوم وهذا في الهندسة وهذا في الرياضيات وننفق عليهم حتى التخرج بل وبعد التخرج مع تهيئة مراكز البحوث لهم
هكذا فصلاح الأمة فى علو الهمة