ألام والأب في الإسلام
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
كثرت احتفالاتنا هذا يوم المولد النبوي وهذا عيد الأم وهذا يوم اليتيم وهذا عيد العمال وهذا اليوم الوطني ونحن نحتفل يعيث العدو فى الأرض فسادا ولا يعبأ بنا فقد ضاعت هيبتنا
وصار أهم مالدينا مباريات الكرة ونتائج الكرة
والعدو يعتدي على المسجد الأقصى ويضم المساجد ويعتبر القدس عاصمة له ونحن لاحول لنا ولاقوه
لم ؟ لأننا نهتم بالاحتفالات والأعياد التي تخالف الدين وما يوجد عليها دليل من كتاب الله وسنة رسوله
الاحتفال بالأم يوما واحدا ثم نسيانها باقي العام هذا ليس من الدين
الاحتفال بالأم يوجع ويؤلم من ماتت أمه ويؤلم من تركته أمه فتزوجت ويؤلم أطفال الملاجئ
ثم إن الاحتفال بالأم ظلم للأب نعم الأم مقدمة على الأب في البر لكن لابد من تذكير الشباب بالأب
قال تعالى ( وقضى ربك الاتعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولانتهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ) الإسراء 23
الم تسأل نفسك يوما لم قال الله عز وجل بالوالدين إحسانا ولم يقل عدلا ؟
رغم أنك مهما فعلت لأمك وأبيك فلن توفيهما حقهما
الله عز وجل يقول لك غدا يوم يقوم الناس لله رب العالمين ستحاسب على كل شئ وساعتها تتمنى أن يعاملك الله بالإحسان لا بالميزان وبالفضل لا بالعدل فالله عز وجل يقول تريد أن أعاملك بالإحسان لا بالميزان فأحسن إلى والديك لذا جاء الأمر بالإحسان بعد الأمر بعبادة الله وحده
وقال تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير )لقمان 14
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( الا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ثلاثا قالوا بلى يارسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) البخاري
وجاء رجل إلى النبي فقال يارسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أمك قال ثم من ؟ قال أبوك ) البخارى
وقال شاب للنبي أجاهد معك يارسول الله قال لك أبوان قال نعم قال ففيهما فجاهد ) البخاري
وقال النبي رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف قيل من يارسول الله قال من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ) مسلم
قال النبي ( الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو أحفظه ) احمد – الترمذي – بن ماجة – صحيح
أخوتي في الله إن ذكر البر فالأم مقدمة على الأب
وهاهي أم موسى عليه السلام ولدت ابنها في السنة التي يقتل فيها فرعون المواليد الذكور فجاءها الوحي ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولاتخافى ولاتحزنى إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) القصص 7
وحى عجيب - أول سؤال هل تحتاج الأم لأن يقال لها أرضعي ولدك إنها تكون قريبة من الموت وبمجرد أن تفيق تبحث حولها عن ولدها لتحتضنه وتضمه إلى صدرها لترضعه
لكن ماجاء بعدها أعجب مما قبلها فإذا خفت عليه فألقيه في اليم وهل تخاطب أم هكذا نقول لها إذا خفت على ولدك فألقيه في اليم أم يقال لها فإذا خفتي عليه فاحتضنيه وضميه وأخفيه
لكنها فعلت أرضعته ثم وضعته في صندوق فى البحر ولكن بعد لحظات نرى عطف الأم ورأفتها وكادت تصيح وتصرخ قال تعالى ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) القصص
فؤادها فارغ من كل شئ إلا التفكير في ولدها أين ولدى أين ولدى لماذا ألقيته بيدي في البحر لولا أن ربط الله على قلبها – ولكن هل سكتت بعد ذلك لايمكن إنها أم فقالت لأخته قصيه أي تتبعى الأثر وانظري أين وصل الصندوق وهل يتكلم الناس عن صندوق فيه طفل –
وجدته امرأة فرعون وألقى الله محبته في قلبها فأخذته وطلبت له المراضع كل نساء قصر فرعون يسارعن لإرضاع الرضيع الذي وجدته امرأة فرعون فلم يقبل أي ثدي ليرضع وانتشر الخبر أن الرضيع لايقبل الرضاعة هنا تدخلت أخته التي تراقب الموقف فقالت ( هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون )
فذهبت أم موسى الى القصر وبمجرد أن أمسكت بموسى وضمته إلى صدرها أخذ في الرضاعة حتى شبع ونام هل علمتم لم قال الله عز وجل لأم موسى أرضعيه ؟
ليبقى طعم لبن الأم فلا يقبل موسى غيره
قال تعالى ( فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لايعلمون ) القصص
هذه هي الأم كنا كبارا ومتزوجين وأحيانا نخرج من العمل في مأمورية تابعة للعمل ونتأخر فيرجع الواحد منا فيجد زوجته قد نامت وأولاده قد ناموا وأمه ساهرة مستيقظة يقول يا أم لماذا لم تنامي فتقول ياولدى سأنام الآن بعد أن رأيتك
وهاهي أم إسماعيل عليه السلام ذهب إبراهيم الخليل بها وولدها إسماعيل عليه السلام وهو طفل إلى حيث بيت الله الحرام وتركهما ومعهما جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء فسألته كيف تتركنا في هذا المكان القفر الذي لا أنيس فيه ولا جليس وهو لايريد أن ينظر وراءه حتى لا تأخذه الشفقة بولده الذي رزق به بعد أن كبر سنه ولا بزوجته
وأخيرا قالت أألله أمرك بهذا فقال نعم فقالت اذهب فلن يضيعنا
وتوجه عليه السلام إلى الله عز وجل قائلا ( رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) ابراهيم 37
عاشت أم إسماعيل على التمر والماء حتى انتهى ماعندها من طعام وشراب وجاع الطفل الرضيع وبكى وهى أيضا جائعة لكنها قلقة على ولدها لا على نفسها فصعدت جبل الصفا فنظرت لترى ماءا فلم تجد فمشت إلى جبل المروة وفى الوسط هرولت ( بين الميلين الآن ) وصعدت المروة لتنظر هل حولها نبع أو بئر ماء فلم تجد وهكذا سبعة أشواط حتى أرسل الله عز وجل جبريل يضرب الأرض فيتفجر الماء فهرعت تسقى وليدها وتشرب وتقول زمى زمى
فصار السعي بين الصفا والمروة من أركان الحج والعمرة لابد من الإتيان به تخليدا لما قامت به الأم ومعاناة أل إبراهيم ( اللهم صل على محمد وعلى أل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم )
أحد الشعراء يوضح في شعر له مدى حب الأم لولدها ولو قسي عليها
أغرى امرؤ فتى جاهلا بنقوده كى مايحيق به الضرر
قال ائتني بفؤاد أمك يافتى ولك الجواهر والدراهم والدرر
فاستل خنجره فطعن قلبها والقلب أخرجه وسار على الأثر
لكنه من فرط سرعته هوى فتدحرج القلب المعفر بالأثر
ناداه قلب الأم وهو معفر ولدى حبيبي هل أصابك من ضرر
قال يارب انتقم منى ولا تغفر لي فإن جريمتي لاتغتفر
واستل خنجره ليطعن قلبه ليكون عبرة لمن اعتبر
ناداه قلب الأم كف يدا ولا تطعن فؤادي مرتين على الأثر
والأب أخوتي في الله في كتاب الله عز وجل
هاهو نوح عليه السلام نبي نعم ورسول نعم لكنه أب ولده هو فلذة كبده أمره الله بصنع السفينة فإذا جاء أمر الله فليحمل فيها من كل زوجين اثنين ومعهم أهله وأهله هم من أمن به واتبعه وجاء أمر الله وفتح الله أبواب السماء بماء منهمر وفجر الأرض عيونا وركب نوح ومن معه السفينة ورأى نوح ولده يقف مع الكفار الذين سيغرقون بعد قليل ( ونادي نوح ابنه وكان في معزل يابنى اركب معنا ولاتكن مع الكافرين ) هود 42
( قال ساوى إلى جبل يعصمنى من الماء ) فرد عليه أبوه قائلا ( لاعاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) هود 43 ورأى نوح عليه السلام ولده وهو يغرق أمام عينيه فأخذته عاطفة الأبوة ( ونادي نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) هود 45
قال له سبحانه ( يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلاتسئلن ماليس لك به علم )
وهاهو يعقوب عليه السلام عندما ترك أولاده أخاهم يوسف في البئر وجاءوه يكذبون عليه قال ( بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) يوسف 18
وبعد سنوات طوال أخذ يوسف أخاه فرجعوا إلى أبيهم وقالوا إن ابنك سرق وقصوا عليه القصة فماذا قال (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ) تأمل الأتي ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) يوسف 84 فوجئنا بقوله يا أسفى على يوسف وليس يا اسفى على بنيامين فكأنه لم ينسى يوسف طوال هذه السنين بكاءا وحزنا وقال ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) وفقد بصره عليه السلام من كثرة بكائه على فراق ولده يوسف
الخطبة الثانية
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ثلاث دعوات مستجابات لهن لاشك المسافر والمظلوم ودعوة الوالد على ولده )
وقال عليه الصلاة والسلام ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا البغي والعقوق
فكل ذنب في الدنيا يؤخر إلا العقوق يعاقب الله عليه في الدنيا
كان عبد الله بن عمر كلما قرأ ( كلا إن كتاب الأبرار ) ( إن الأبرار يشربون من كأس ) يقول ماسموا أبرارا إلا لأنهم يبرون آباءهم وأمهاتهم
حمل شاب أباه وهو يطوف بالبيت فأحس ببرودة على وجهه فنظر إلى أعلى فوجد أباه يبكى فقال هون عليك يا أبت أتظن أنك ثقيل لا والله فقال الأب ياولدى لا أبكى لهذا بل تذكرت منذ أربعين سنة تماما كنت أحمل أبى وأطوف به والجزاء من جنس العمل
ورجل أخر كان ولده عاقا فوضعه بعيدا عن المنزل في حجرة صغيرة يستخدمها كمخزن وجعل لأبيه طبقا من خشب وملعقة من خشب ليأكل فيهما بدعوى أن يده ترتعش وي+ر الأواني هكذا يقول للناس كذبا فلما مات الرجل يشكو إلى الله عقوق ولده ذهب العاق يدفن أباه مع المشيعين ولما رجع وجد ولده يغسل الطبق والملعقة فسأله ماذا تفعل قال أغسلهما حتى إذا كبرت مثل جدي أطعمك فيها
إن كان أبوك وإن كانت أمك على قيد الحياة فارجع وقبل أرجلهما وأيديهما ورأسيهما
وإن كانا قد ماتا فعلى الأقل دقيقة من وقتك كل يوم تدعو لهما بالرحمة والمغفرة وتصل أقرباءهما وتود خالك وخالتك وعمك وعمتك وإياك أن تقطع الرحم
ونصيحة إلى الأم أنتي تحبين ولدك هذا لاشك فيه فإن كان ولدك مرتاحا مع زوجته فاتركيه انتى تريدين سعادته وسعادته مع زوجته فلاتتدخلى فيما بينهما
ونصيحة إلى الزوجة تعلمين أنك لو حاولتى إبعاده عن أمه فالديان لايموت وسيكبر ولدك وتبعده زوجته عنكى وتعانين معاناة أمه وهى تراه قريبا منكى بعيدا عنها بعد كل مافعلت
ونصيحة إلى الزوج أمك أولا - أمك ثانيا أمك ثالثا وأبوك رابعا ثم زوجتك لو علمت زوجتك أنك لن تسمح أبدا بأي خطأ في حق أمك فلن تحاول إغضابها بل ستسعى لطلب رضاها
الرجل هو الذي يقدم أمه
وليس رجلا من يرفع زوجته على أمه
بهذا أخوتي في الله نحتفل بالأم والأب فليس الاحتفاء يهما يوما واحدا بل كل يوم
هذا ديننا أما تقليد الغرب أو الشرق فلا خير فيه