لاتخف
الشيخ عاطف شمس
بعد المقدمة
الخوف سوط يسوق الله به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا رتبة القرب من الله
والخوف سراج القلب يبصر به ما فيه من الخير والشر
والخوف لجام يلجم اللسان عن الفحش والجوارح عن المعصية فمن خاف اليوم امن غدا ومن امن اليوم خاف غدا
ومن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله شاب طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ) متفق عليه وكان النبي يصلى وفى صدره أزيز كأزيز الرحى وقيل ( المرجل ) من البكاء – إسناده حسن
وبكى النبي عند حافة قبر وقال ( إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا ) حسن وصححه الالبانى
الحسن البصري يقول العبد بين مخافتين بين ذنب قد مضى لا يدرى ماالله يصنع فيه وبين أجل قد بقى لا يدرى ما يصيب فيه من المهالك
ويزيد بن مرثد يقول ( والله لو توعدني ربى أن يسجنني في الحمام لا يجف لي دمع فكيف بنار خالد فيها
امرأة تتعلق بأستار الكعبة تقول أما لك يارب عقوبة إلا النار
الفضيل بن عياض قرأ يوما (خذوه فغلوه ) فغلبه البكاء فسقط مغشيا عليه
الضحاك بن مزاحم آخر الليل كان يبكى قائلا لا أدرى ما صعد من أعمالي اليوم
احدهم يقرأ ( يوم تقلب وجوههم في النار يقولون باليتنا اطعنا الله واطعنا الرسولا ) الأحزاب 66
وقال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءا ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) الإنسان 6-10
يطعمون الطعام على حبه وقلته وشحه ويقولون إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا جمعوا بين العمل والخوف غيرهم عدم عمل وأمان
فما هو الخوف / هو توقع العقوبة على مجارى الأنفاس أو توقع مكروه – أو فوات محبوب
حكمه / فرض فالله عز وجل يقول ( فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين )
تعليق الإيمان على الخوف وكذا جاء بصيغة الأمر والأمر للوجوب
الخوف أنواع :- خوف محمود / هو الذي يحول بين صاحبه وبين محارم الله
ومنه قول بن ادم لأخيه ( لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين )
خوف واجب / يجعلك تفعل الواجبات وتترك المحرمات
خوف مستحب / تفعل المستحبات وتترك المكروهات
خوف طبيعي / من سبع أو عدو أو هدم أو غرق وهذا لا يذم ولا يحمد
قال تعالى عن موسى ( فخرج منها خائفا يترقب
الخوف المذموم / هو الخوف من غير الله أن تظن أن هناك من ينفعك أو يضرك أو يؤذيك – أو يهينك
يقول عز وجل (وإياي فارهبون ) البقرة 40
ويقول سبحانه (فلا تخشوا الناس واخشون ) المائدة 44
العبد المؤمن لايعبد الله بالخوف وحده لا بل يعبده برأس وجناحين الرأس هو المحبة والجناحان خوف ورجاء
الجناحان يتساويان أحيانا ويعلو احدهما على الآخر أحيانا وقالوا المحبة دائمة
الرجاء / عند الخروج من الدنيا وعند الضعف والمرض
الخوف / عند القوة والشباب
لاتخف من الموت فلن تموت إلا إذا أذن الله وأراد ( ولكل أمة أجل فإذا جاء اجلهم لا يستاخرون ساعة ولا يستقدمون ) الأعراف 34
( وماكان لنفس أن تموت إلا بإذنه كتابا مؤجلا ) آل عمران 145
ويقول النبي (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفى رزقها وأجلها ) صحيح الالبانى
لاتخف إذن من الموت لأنه بيد الله لا بيد أحد
الله عز وجل يقول ( وفى السماء رزقكم وماتوعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون )
(إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) الداريات 22
الله عز وجل يقول ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) هود
ودليل آخر قول الله لمريم ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) مريم 25
هل تستطيع حامل أن تهز جذع نخلة
ويقول النبي ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتعود بطانا ) الالبانى
وفى رواية ( قاتل الله أقواما أقسم الله لهم بنفسه ثم لم يصدقوه ) ( فورب السماء والأرض إنه لحق )
لاتخف من الإهانة لن يستطيع احد على وجه الأرض أن يهينك فالله يقول ( ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ) الحج 18
فهاهو النمرود عاقبه الله بذبابة دخلت مخه كانت إذا تحركت لا يفيق من الألم إلا إذا ضرب بالنعال على رأسه
فرعون حشر فنادي فقال أنا ربكم الأعلى فأراد الله أن يهينه ويذله فأغرقه ثم أخرجه من البحر جثة هامدة على الأرض ينظرون إليه ولو ترك في البحر لقالوا هو في البحر رب وفى
الأرض رب لكن أهانه الله
الحجاج بن يوسف الثقفي الذي قتل من المسلمين مائة ألف كان الوحيد الذي يدخل عليه ويخرج سالما هو الحسن البصري ينهره ويسبه فلما سألوا الحسن ألا تخاف من الحجاج قال كلما دخلت عليه استحضرت عظمة الله في قلبي وخوفي من سلطانه ساعتها أرى الحجاج مثل البعوضة فلا أخافه
وسئل الحجاج لم يشتمك وتتركه قال كلما رأيته أمامي خفت وتذكرت عظمة الله وجبروته فيكون كل همي أن يخرج من أمامي
الخوف من الله
1- خوف السر – خوف التعبد فلا يجوز صرفه إلا إلى الله وهو من أجل العبادات
فهو يزجر صاحبه عن معصية الله خشية أن يصيبه بما شاء
فمن خاف الله على هذا الوجه فهو مؤمن ومن صرف هذا الخوف إلى غير الله فقد أشرك
المصيبة أن عباد القبور وقعوا في هذا الخوف فيخافون أصحاب القبور أكبر من خوفهم من الله
بل يقولون إذا ضاقت بك الأمور فعليك بأصحاب القبور ( الشرك بعينه )
الخوف من الوعيد
كلما زاد الإيمان في قلب إنسان زاد خوفه من الله وكلما نقص الإيمان في قلبه قل خوفه من الله
كل يوم نشيع ميتا ندفنه ونرجع إلى بيوتنا نأكل ونشرب ولا نخاف تلك الساعة التي يقذفوننا فيها في قبورنا ويتركونا ويرجعون إلى حياتهم
والخوف من الله كل أحد إذا خفته هربت منه إلا الله إذا خفته هربت إليه تذكر دائما ( يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ) الرعد 13
تذكر دائما ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) الرحمن 46
درجات الخوف 1- خوف العقوبة – خوف النار - فإن أخذه اليم شديد 2- خوف المكر - إذا رأيت الله يعطى العبد مايحب وهو مقيم على معصيته فإنما هو استدراج
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ) متفق عليه
بعض الناس يعجبه إطراء الناس له ولا يعلم أن عمله كله مدخول ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءا منثورا ) الفرقان 23 قال تعالى ( أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ) الأعراف 99
لكن إياك أن تشتق اسم المكر أو الماكر – فالمكر هنا هو إيصال الجزاء لمن يستحق – يعنى على سبيل الجزاء
وكذا قوله تعالى (أم نحن الزارعون ) (الله يستهزئ بهم ) ( نسوا الله فنسيهم ) لايجوز اشتقاق أسماء لله
آخى في الله لاتخف من أحد إلا الواحد الأحد
لاتخف من صاحب سلطان
لاتخف من صاحب ضريح فهذا شرك
اجعل عبادتك لله برأس وجناحين الرأس هو الحب والجناحان هما الخوف والرجاء